بعد الإعدادية.. شروط القبول في مدرسة الضبعة النووية 2025    وزيرا خارجية إيران والصين يبحثان التطورات الإقليمية والدولية    «القومي للإعاقة»: حملة جيل الأمل تهدف إلى تعزيز الوعي البيئي لدى الأطفال    غلق باب الطعون في انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء    تصدير 12 كيلو مشغولات ذهب إلى الولايات المتحدة بقيمة 60 مليون جنيه    تفاصيل تمديد غلق جزء من الطريق الدائرى الإقليمى حتى 1 أغسطس.. فيديو    نائب وزير الاسكان يتابع موقف عددٍ من مشروعات مياه الشرب والصرف    «بنك التعمير والإسكان» يستعد لإطلاق منصة إلكترونية جديدة لحجز المشروعات السكنية    راحة فاخرة.. مواعيد قطارات تالجو اليوم الأربعاء 16-7-2025    وزير البترول يكرم عددا من الشخصيات لدورهم فى تهيئة مناخ الاستثمار    بدء اجتماع الحكومة بالعلمين الجديدة    «بوليتيكو»: فرنسا لن تشارك في خطة ترامب لتسليح أوكرانيا    بتوجيهات من الرئيس السيسي وزير الخارجية يكثف الاتصالات لخفض التصعيد بالمنطقة    مصر تدين الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي اللبنانية والسورية    النائب أيمن محسب: المنطقة وأفريقيا بحاجة لحلول عادلة باعتبارهما بوابة الاستقرار والتنمية    الأهلي يواصل تدريباته استعدادًا للموسم الجديد    باللون البنفسجي.. مانشستر يونايتد يكشف عن قميصه البديل للموسم الجديد    جناح الزمالك على أعتاب الانتقال للبنك الأهلي    بديل طاريمي.. إنتر ميلان يسعى لضم لوكمان    الاتحاد السكندري يواجه مالية كفر الزيات ودياً اليوم    تغيرات مفاجأة فى حرارة الجو.. ارتفاع بدرجات الحرارة ال72 ساعة المقبلة    الأمن العام يضبط 4 قضية إتجار فى المخدرات بدمياط    إخماد حريق سيارة نقل محملة بالتبن بطريق السخنة    «بيع بأسعار تزيد عن التسعيرة».. مباحث التموين تضبط 7 قضايا في حملة بالقاهرة    تحويلات مرورية لتنفيذ أعمال إنشائية لمشروع القطار الكهربائي بالقاهرة    شائعة وفاة كاظم الساهر .. كيف رد القيصر وطمأن جمهوره؟    انتقاد دائم أم ثقة مفرطة بالنفس؟.. 5 أبراج تميل ل التقليل من «قيمة الآخرين»    اختتام فعاليات المهرجان الدولى لأقسام ومعاهد المسرح المتخصصة بالإسكندرية    السقا يحتفظ بصدارة شباك التذاكر.. فيلم «أحمد وأحمد» يحقق 40.4 مليون جنيه إيرادات    تامر حسني يحتفل ب«الذوق العالي» مع منير وبنات الراحل رحيم    ظهور خاص.. مشيرة إسماعيل وابنتها ضيفتا «معكم» الخميس    موعد المولد النبوي الشريف والإجازات المتبقية في 2025    مصر تبحث تعزيز التعاون الطبي مع إيطاليا في عدد من المجالات    «الكوبرا المميتة».. إنقاذ حياة شاب إثر تعرضه ل«لدغة أفعى» في الدقهلية    وزارة الصحة: الكشف بالمجان فى العيادات المتنقلة التابعة لمبادرة 100 يوم صحة    لتقليل خطر إصابتك بأمراض القلب.. 6 نصائح لتجنب زيادة الكوليسترول في الدم    الجيش الإسرائيلي يبدأ شق محور جديد داخل خان يونس    هشام العسكري: إثيوبيا لا تستطيع حجب مياه النيل كليًا عن مصر    ارتفاع معدل التضخم في بريطانيا لأعلى مستوى منذ نحو 18 شهرا    "لم يكن هناك احترافية".. أحمد بلحاج يتحدث عن تجربته في الزمالك    قصور الثقافة تواصل برنامج "مصر جميلة" بورش تراثية وفنية في شمال سيناء    بالتنسيق مع الأزهر.. الأوقاف تعقد 1544 ندوة بشأن الحد من المخالفات المرورية    إصابة شخصان فى حادث انقلاب سيارة فى أطفيح    محمد خميس يسرد حكايته من طب الأسنان إلى مهرجانات المسرح    موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    25 جرامًا يوميًا.. تحذير من الإفراط في تناول الفواكه المجففة    4 شهداء وعشرات المصابين في قصف إسرائيلي على خان يونس والنصيرات    ترامب: توريدات أنظمة "باتريوت" قد بدأت    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا لنعمك شاكرين وبقضائك راضين    «مستواه مكنش جيد».. تعليق مثير من مسؤول الأهلي السابق على صفقة حمدي فتحي ل بيراميدز    المعهد الفني للتمريض والصحي 2025 .. درجات القبول ومزايا الدراسة وفرص التوظيف    كيف أتغلب على الشعور بالخوف؟.. عضو «البحوث الإسلامية» يجيب    نجم الزمالك السابق عن فيديو تقديم أحمد شريف: «الجمهور بيحب كدا»    ما حكم اتفاق الزوجين على تأخير الإنجاب؟.. الإفتاء تجيب    مقررة أممية: يجب وقف العلاقات مع إسرائيل ومحاسبة قادتها على جرائم الإبادة في غزة    مقتل شاب على يد والد زوجته وأشقائها بشبرا الخيمة    انتهك قانون الإعاقة، الحكومة الإسبانية تفتح تحقيقا عاجلا في احتفالية لامين يامال مع الأقزام    ميرنا كرم تحتفل بتخرجها بامتياز بمشروع عن روحانية القداس المسيحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر بين ملكيتين‏..‏ وخطر الانزلاق إلي الحكم التسلطي
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 05 - 2011

يستهدف هذا المقال النظر في حركة مصر في التاريخ بين نهايات حكم أسرة محمد علي بعد الحرب العالمية الثانية إلي محاولة تأسيس حكم أسرة محمد حسني مبارك في بدايات القرن الحادي والعشرين‏,‏ ومغزاها لمستقبل مصر. وهذه مسيرة تشهد بمقولة أن التاريخ حين يعيد نفسه يتجلي في المرة الثانية علي صورة مهزلة, أو مسخرة.
لقد اكتسب محمد علي باشا صفة باني مصر الحديثة وعد مشروعه, علي نقائصه الجلية, مشروعا جديرا للنهضة في المشرق العربي, ما قد يبرر تاريخيا قيام أسرته بحكم مصر ملكيا, وأنجز حتي جلب عداء القوي المهيمنة في هيكل القوي العالمي وقتها وتدخلت لإجهاض مشروعه.
وعلي العكس, فإن محمد حسني مبارك يستحق صفة هادم مصر الحديثة. ومن ثم فإن تسلط أسرة مبارك, بما في ذلك صعود نفوذ ولي عهده المسمي منذ مطلع القرن الحادي والعشرين, لم يسجل إنجازات تذكر تبرر اسقاط النظام الجمهوري في مصر لقيام أسرة ملكية علي حطام بلد وشعب. وإن كان منطق ما يقضي بأن هذا الحطام يستحق أسرة ملكية مثل هذه.
فكيف دارت الدوائر علي أرض الكنانة بين هذين العهدين الملكيين؟ حتي ليبدو أن النضال للتخلص من الملكية الأولي وما تلاه من إقامة نظام حكم تتالي تكوينه تحت قيادة جمال عبد الناصر ثم برئاسة نائبه المختار محمد أنور السادات وبعده نائب السادات المختار أيضا محمد حسني مبارك, بما في ذلك نظام الحكم الجمهوري الذي أقيم علي أنقاض الملكية الأولي, لم يكن في المنظور التاريخي إلا تمهيدا لقيام الملكية الثانية التي أسقطتها ثورة شعب مصر الفل في يناير.2011
هي, في الأساس, ثلاثة عهود من الحكم أعادت مصر إلي نقطة البداية, أو أسوأ, في منظور موقعها النسبي بين دول العالم والمنطقة. وعليه فإن طبيعة نظام الحكم- التي تعني في الأساس مسألتين: توزيع القوة,, بوجهيها السلطة والثروة, وأسلوب ممارسة القوة- تبدو العامل المحدد الرئيس لمكانة مصر في المنظور التاريخي. ويترتب عليها أشكال التنظيم المجتمعي المختلفة في مجلات اكتساب المعرفة والإنتاج وانساق القيم وأنماط السلوك, بما يحدد, نهاية, مستوي الرفاه الإنساني للبشر في المجتمع وموقع البلد من مسيرة البشرية.
في أنظمة الحكم الصالح يتسم توزيع القوة بالعدالة وتمارس القوة لتحقيق الصالح العام, عبر مؤسسات شفافة تحكمها قواعد ثابتة ومعروفة للجميع.
أما في أنظمة الحكم السيئ فتحتكر قلة القوة, وتمارس القوة, بواسطة ثلة أو حتي فرد واحد متسلط, لضمان مصالح الثلة القابضة علي مقاليد القوة وأهمها استمرار قبضتها علي مقاليد القوة. وفي أنظمة الحكم السيئ عادة ما يتزاوج وجهي القوة: السلطة والثروة, بما يتيح المناخ المواتي لنشأة متلازمة الفساد/الاستبداد. وعادة تسعي أنظمة حكم الاستبداد والفساد إلي إطالة أمد استبدادها بالقوة ومغانمه الضخمة, بحرمان الغالبية من مصدري القوة, من خلال إفقارها وإقصائها من السياسة عن طريق خنق المجال العام من خلال تقييد التمتع بالحرية, خاصة الحريات المفتاح للتعبير والتنظيم( التجمع السلمي وإنشاء المنظمات في المجتمعين المدني والسياسي). ولا يخفي علي حصيف أن هذه هي بالضبط كانت حالة مصر في مطالع القرن الحادي والعشرين. فإلي أين كان سيقدر أن ينتهي التوتر بين الحرية والقوة بمصر؟
في الأساس لم يكن إلا طريقين كما تقول الحكاية الشعبية.
الأول هو طريق الندامة. والذي كنا سننتهي إليه إن استمر حكم الفساد والاستبداد قابضا علي خناق مصر والمصريين لمصلحة طغمة حكم فاسدة ومتغطرسة بالقوة الغشوم والإفقار المنظم, تسلطهما علي المواطنين جميعا إلا ثلة الحكم. وحيث ينطوي هذا المسار علي تراكم مظالم فجة يعانيها عامة المواطنين من دون وسائل سلمية وفعالة لمناهضتها, كانت تتعاظم احتمالات طوفان الاقتتال الداخلي الذي لن ينجي ثلة الحكم منه اعتصامها بمواقعها المنيعة في شرم الشيخ وما ماثلها من المعازل الحصينة.
والثاني, أي طريق السلامة, كان يمر عبر انهيار نظام حكم الفساد والاستبداد تحت وطأة التفسخ من الداخل والضغط الشعبي من الخارج, وكان أهم مصادر الضغط المأمول علي مثل هذا النظام هو براء عموم الشعب عن حالة الاستسلام البائس التي يعيش وتبني سبيل العصيان المدني والسياسي, وهو حق مشروع, بل فرض عين, في مواجهة حكم الفساد والاستبداد الذي يعد شرعا, وقانونا, مغتصبا للسلطة.
ومن حسن الطالع أن ثورة شعب مصر الفل قد قادت مصر إلي بدايات طريق السلامة, من خلال ثورة سلمية وطاهرة, إلا أن الثورة العظيمة لم تهزم مكائد نظام الحكم التسلطي الذي أسقطته بعد, تمهيدا لإقامة البني القانونية والمؤسسية لمصر الحرية والعدل و الكرامة الإنسانية للجميع في مصر, ومن ثم فما زالت ثورة لم تكتمل. وقد تواجه الخيار نفسه الذي واجهته مصر في نهايات عهد الرئيس المخلوع, بين طريقي الندامة والسلامة.
نكتفي الآن بتقديم القسمات الرئيسية لمسار مستقبلي نعده بديلا خيرا لاكتمال ثورة شعب مصر الفل يفضي حال قيامه إلي زيادة فرص تبلور مسار للنهضة في مصر.
تتمثل مشاهد هذا البديل الخير في عملية تحول تاريخي, تقوم علي التفاوض السلمي بين جميع القوي الحية في المجتمع المصري, ننظم محورها السياسي في عملية تاريخية للتحول نحو الحرية والحكم الديمقراطي الصالح في مصر.
علي وجه الخصوص, يتطلب هذا التحول التاريخي تمهيدا أوليا يستهدف إفساح المجال العام للمجتمع المدني, شاملا الأحزاب والجمعيات الأهلية, في مصر رحبا. ويتطلب أيضا نضالا مجتمعيا ممتدا ومتصل الحلقات, يشكل فيه نجاح كل حلقة الأساس الموضوعي لنشوء الحلقة التالية. لكن يتعين أن يكون واضحا أنه بديل يطلب عملا متواصلا, بل نضالا مجتمعيا طويلا وشاقا.
عندي أن السبيل الأسلم لانتقال مصر الثورة إلي الحكم الديمقراطي الصالح يمر أولا عبر التوصل لدستور يجسد آمال المصريين في بنية قانونية تضمن نيل غايات الثورة في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية للجميع علي أرض مصر. ويجد هذا التصور قبولا متزايدا في دوائر النخب المصرية باستثناء تلك المستفيدة سياسيا من المسار الذي رسمته لجنة المستشار البشري للمجلس العسكري الحاكم, وأكدته بقانون للأحزاب يحرم المستضعفين والأجيال الشابة رقيقة الحال من فرصة متكافئة لإنشاء أحزابها حتي تتمكن من دخول حلبة التنافس علي الحكم في مصر.
والأساس المنطقي لهذا التسلسل واضح وبسيط. فالدستور هو, في الأساس, تعاقد بين المواطنين ينظم شئون الاجتماع البشري في البلد, ومن بينها العلاقة بين المواطنين والحكم باعتباره تكليفا من الشعب لبعضه, أفرادا وعلي صورة مؤسسات, بالسهر علي المصلحة العامة والخضوع للمراقبة والمساءلة إبان تولي المنصب العام وبعده.
ومن ثم, فإن الدستور يتعين أن ينظم, علي وجه الخصوص, شئونا تتعلق بانتخاب أعضاء المجلس النيابي ورئيس الدولة وباقي المناصب العامة, ومراقبتهم ومساءلتهم. وقد قفزت لجنة المستشار البشري والمجلس الأعلي للقوات المسلحة علي هذا الترتيب المنطقي بما يحقق مزايا غير عادلة لتيار الإسلام السياسي المتمثل أساسا في جماعة الإخوان ولأصحاب المال الكبير, ليس فقط في المجلس التشريعي القادم ولكن في مستقبل البنية القانونية والمؤسسية للحكم في مصر بوجه عام التي سيقوم مجلس الشعب القادم علي صياغتها.
وحتي مع افتراض حسن النية, فإن النتيجة الفعلية للمسار الراهن المفضل للسلطة الانتقالية, المجلس العسكري وحكومته, مدعوما بتزيين حملة المباخر من المنافقين الجدد أو الدائمين في جميع العصور, لا تصب في مصلحة الانتقال الآمن نحو الحكم الديمقراطي الصالح في مصر الثورة, وقد يتمخض عن نكسة خطيرة له تكرس أسس الحكم التسلطي, وتمثل, من ثم, تصفية للثورة وإنزلاقا إلي طريق الندامة, مرة أخري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.