يحتدم الصراع الآن حول مفهوم الدولة القادمة في مصر بعد حالة التيبس التي عشناها علي مدي العقود الماضية, يقود ذلك الصراع فريق العلمانيين من الكتاب والمنظرين الذين يريدون العلمانية سمتا لتلك الدولة المأمولة. , وهم في سبيل ذلك يحشدون كل أسحلتهم الهجومية علي الدولة الإسلامية التاريخية باعتبارها حسب ظنهم مثالا للدولة الدينية المرفوضة, وعلي الطرف الآخر تحشد القوي الإسلامية علي اختلاف توجهاتها عدتها لكي تظهر بدولة إسلامية يريدها بعضهم دينية, ويريدها بعضهم مدنية, باعتبار أن الدولة في الإسلام ليست أبدا دينية بمفهوم الكنيسة في أوروبا القديمة, ويبدو أن كل طرف في سبيل دعم وجهة نظره يلوي عنق المصطلحات ليا, لذلك من المهم أن نحرر بعض تلك المصطلحات عند الناس لكي نزيل اللغط حولها, وأهمها مصطلح الدولة المدنية, ومصطلح العلمانية, ومصطلح الدولة الدينية.الدولة المدنية حسب الغالب في التعريفات هي الدولة التي تقوم علي الديمقراطية التي تعني حرية التعبير والقرار والاختيار والمساواة, وتكافؤ الفرص, والعدالة بين الناس, وهي دولة قانون مدني يطبق علي الجميع, أما مصطلح العلمانية فهو الذي يكتنفه غموض كبير, وتفسيرات متعددة حتي ممن يعتنقه, فمنهم من يقول إن الدولة العلمانية هي دولة مدنية, ومنهم من يقول إن العلمانية تعني الفصل التام بين الدين والدولة, وإن الدين يجب أن يظل حبيس الصدور ودور العبادة. أما عن التعريف الرسمي حسب موسوعة وكيبيديا فهو بالإنجليزية يعنيSECULARIZM, وحسب القواميس الشهيرة فالمصطلح يعني التوجه نحو الاهتمام بالدنيا التي نعيشها دون قيود الدين ومحدداته, أو بمعني آخر عدم الخلط بين الديني والدنيوي حيث إن لكل منهما طريقه الذي يجب ألا يعوقه الآخر, وأن الإنسان في مسيرته الحضارية يجب أن يمضي في كليهما متحررا تماما من تأثير أيهما علي الآخر, أما مصطلح الدولة الدينية فقد برز بقوة إبان فترة سيطرة الكنيسة الكاثوليكية ورجالها علي الدولة في أوروبا خلال العصور الوسطي, حتي إنهم ومن فرط سيطرتهم تلك اخترعوا ما عرف حينها بصكوك الغفران التي تعفي المذنبين من عقاب الآخرة مقابل دفعهم مبالغ مادية للحصول علي صك غفران الخطايا, وانطلاقا من هذا الاعتقاد فقد سيطر مفهوم الدولة الدينية علي حياة الناس إلي أن حاربه الإصلاحي البروتستانتي مارتن لوثر(3841), وبناء علي ما تقدم فنحن بصدد خلط شديد بين المفاهيم والمصطلحات, ففي حين أن المصطلح واحد فإن كل فريق يشرحه بالطريقة التي تدعم وجهة نظره, لكن المدقق في الأمر يمكنه أن يكتشف أن المعاني كلها يمكن أن تقود إلي ذات الغاية النبيلة إذا خلصت النيات, فالدولة في الإسلام( وليس المسلمين الخطائين كباقي البشر) هي دولة مدنية بامتياز, والدولة في العلمانية( وليس العلمانيين المتربصين) هي أيضا دولة مدنية بامتياز. فقط علي الفريقين ألا يتطرفا بتلك الدولة إلي تعريفات تخرج بها عن جادة الصواب, لأن الدولة في الحضارة الإنسانية القويمة محكومة دائما بمعايير الحرية والعدل للناس جميعا, فحريتي محكومة بأن يمارس الآخر حريته دون أن يجور أي من الممارسين لحريتهم علي قيمة عظيمة وحاكمة في قيمة العدل, وعلي الجميع أن يدركوا أن الإيمان بالرسالات السماوية في دول المشرق مكون أساسي في حياة الشعب ويجب عدم الاعتداء عليه تحت أي ظرف, وأن مصر ستكون كما يجب لها أن تكون دائما دولة وسطية ومدنية كاملة, بدستور وقانون مدني لا يتعارضان مع مبادئ الشرائع السماوية قطعية الثبوت والدلالة. د. أحمد الجيوشي جامعة حلوان