في هذه اللحظة التاريخية الرائعة التي تضرب فيها مصر المثل للعالم كله علي نقض تركة ثقيلة من الفساد الفاجر الذي جثم علي صدور البلاد والعباد لأطول من ثلاثة عقود, فأفقر أهلها وأضعف من مكانتها, كان من المناسب أن تعقد منظمة الشفافية الدولية حلقة نقاش في القاهرة حول سبل التوصل إلي نسق وطني للنزاهة, كفء وفعال, في مصر, يلخص هذا المقال أهم نتائج مناقشاتها. ومن حسن الطالع أن مصر, في سعي شعبها لاستكمال ثورة يناير2011 العظيمة توشك أن تبدأ عملية إقامة البنية القانونية والمؤسسية الكفيلة بنيل غايات الثورة في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية لجميع أهل مصر. و لاريب في أن تضمين هذه البنية القانونية والمؤسسية نسقا فعالا للنزاهة هو توجه محمود. حيث الغرض من النسق الوطني للنزاهة هو الوقاية من الفساد, أومنع الفساد من أن ينشأ و يصبح واجبا تعقبه والعقاب عليه, كما يحدث في مصر الثورة حاليا. وأقترح أن يقوم نسق النزاهة الوطني علي تعريف الفساد بأنه الاكتساب غير المشروع أو من دون وجه حق لأي من عنصري القوة في المجتمع, السلطة السياسية والثروة, بما يشمل الفساد المالي والسياسي. المتطلبات التشريعية الاحترام القطعي للحريات المفتاح( الرأي والتعبير والتنظيم( التجمع السلمي وإنشاء المنظمات في المجتمعين المدني والسياسي, شاملا وسائل الإعلام والأحزاب, بمجرد الإخطار للقضاء, بإجراءات ميسرة, وحرية نشاطها, ما يعني العودة إلي أصل نصوص القانون المدني بشأن الجمعيات والمؤسسات) مع النص علي حظر التمييز حسب الجنس أو المعتقد, وعدم جواز تقييد هذه الحريات بالقانون أو الإجراءات التالية للدستور. ضمان نزاهة الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجالس المحلية, تحت الإشراف القضائي الكامل, وتجريم الرشي الانتخابية وتجاوز الحدود المالية للدعاية الانتخابية, باعتبارها جرائم مخلة بالشرف ولا تسقط بالتقادم. الانتخاب الحر المباشر لرئيس الدولة والمحافظين والعمد, دوريا في انتخابات حرة ونزيهة, مع تحديد مدة الولاية بما لا يزيد علي مدتين متتاليتين كل منها أربع سنوات. تمتع المجالس المنتخبة, مركزيا ومحليا, بجميع صلاحيات النظر في الموازنات, وتعديلها, ومراقبة الإنفاق. تقييد سلطات رئيس الدولة, والفصل الرشيد بين سلطات الدولة الثلاث( التشريعية والتنفيذية والقضائية) وبما ييسر المساءلة المؤسسية فيما بينها. ضمان مساءلة جميع المسئولين( الرئيس ورئيس الوزراء, والوزراء ونوابهم والمحافظين والموظفين التنفيذيين علي المستوي المحلي), وصولا إلي العزل, أمام المجلس التشريعي والمجالس المحلية المنتخبة, والقضاء. الاستقلال التام لهيئات الرقابة وتوسيع نطاق عملها ليشمل مشروعات الأعمال( العامة والخاصة) وإتاحة تقاريرها للجمهور والمجتمع المدني. الاستقلال التام للقضاء بحيث يتكون المجلس الأعلي للقضاء من القضاة فقط, وينتخب رئيسه من بينهم, ويقوم المجلس علي شئون تعيين القضاة واختيار رؤساء المحاكم وترقية القضاة وتأديبهم, ولا يسمح للقضاة بالغياب عن منصة القضاء بالانتداب أو تولي المناصب التنفيذية العليا; وترشيح المجلس لمنصب النائب العام, مع اشتراط تصديق مجلس الشعب للتعيين, وتحديد مدة ولاية النائب العام ورئيس المجلس بأربع سنوات تجدد مرة واحدة; كما يختار المجلس لجان التفتيش القضائي. تشديد العقوبات في قانون الكسب غير المشروع, وبسط نطاقه علي كل من يتصدي للمنصب العام, ووضع قانون لمنع تضارب المصالح يحظر الجمع بين المنصب العام وإدارة الأعمال الخاصة, وتطبيقه علي جميع من يتصدي للعمل العام واشتراط إشهار الذمة المالية, شاملة جميع أنواع الأصول, ما يساعد عليه استكمال مشروع السجل العيني, قبل وبعد تولي المنصب, ودوريا خلال تولي المنصب, ونشرها علي الملأ. حماية المبلغين عن جرائم الفساد والشهود, والخبراء, فيها. حظر عمل المسئولين السابقين في القطاع الخاص إلا بعد فترة طويلة من ترك المنصب. تحديد مدة ولاية رؤساء الأجهزة الرقابية بما لا يزيد علي مدتين متتاليتين كل منهما أربع سنوات. إقرار الحق في تداول المعلومات والوثائق وتيسير الحصول عليها. حظر التفويض المطلق لأي من المسئولين في عقد الصفقات. حظر تحصين أي قسم من المال العام من الرقابة والمساءلة. تعزيز استقلال أجهزة الإعلام عن الدولة وتحريرها من سطوة المال. آليات المتابعة والرقابة تخويل أجهزة الرقابة سلطات قضائية تحت إشراف المجلس الأعلي للقضاء ومجلس الشعب بسط مبادئ الرقابة والمتابعة إلي جميع مكونات قطاع الأمن( القوات المسلحة والمخابرات وجميع فروع الشرطة), إنشاء ديوان للشكاوي أو المظالم( علي المستويين المركزي والمحلي) يتبع المجلس النيابي المنتخب التنسيق بين الأجهزة الرقابية وتبادل المعلومات بينها استقلال الأجهزة الرقابية تفعيل دور المجتمع المدني,خاصة المنظمات القائمة علي قاعدة الانتخاب من قاعدة للعضوية, في الرقابة( مع ضمان الاستقلال والنزاهة, والتعدد النقابي). منع خضوع وحدات الرقابة في الوزارات والهيئات للرئيس الأعلي فيها, علي أن تخضع, إداريا وفنيا, لجهة رقابة مركزية. تنشيط دور أجهزة الإعلام و منظمات المجتمع المدني في الرقابة والمساءلة. ضمان مستوي كريم من المعيشة من خلال حد أدني للأجور يزيد مع التضخم, والحد من التفاوت في الدخول. إنشاء مرصد حقوقي للشفافية في الحكومة وقطاع الأعمال و المجتمع المدني. وضع مدونات للسلوك القويم في الحكومة وقطاع الأعمال و المجتمع المدني, لاسيما للمشتروات والمناقصات, وإصدار شهادات لتوثيقها في حال تحققها. إخضاع حسابات المسئولين في البنوك للتدقيق تلقائيا, وتقوية وحدة غسل الأموال. إنشاء هيئة عليا للنزاهة ومناهضة الفساد, تتوفر علي وضع استراتيجية شاملة للنزاهة ومتابعة تنفيذها وتقييم الإنجاز مساءلة الحكام والمسئولين عدم تحصين أي من يتصدي للعمل العام من مساءلة القضاء والأجهزة الرقابية والمجالس المنتخبة, مركزيا ومحليا, وتيسير آليات الرقابة والمحاسبة. مشاركة منظمات المجتمع المدني والإعلام, والمواطنين الأفراد, في مساءلة المسئولين إنشاء لجنة قضائية دائمة ومستقلة للإشراف علي الانتخابات الرئاسية والتشريعية. تعزيز الحكم الديمقراطي الصالح تأسيس الحكم علي أساس الانتخاب الحر المباشر للمسئولين وخضوع المسئولين التنفيذيين للمساءلة من قبل المجالس المنتخبة قصر حصانة أعضاء المجالس المنتخبة في الأساس علي مشاركتهم في أعمال المجلس مع تخويل سحبها بحكم قضائي. تعزيز مبدأ التطوع, خدمة للشعب, في عمل المجالس المنتخبة اعتماد التصويت الإلكتروني في المجالس المنتخبة تعزيز سلطات المجالس المحلية المنتخبة في تنمية الموارد محليا ووضع الموازنات لإنفاقها, ومتابعة الأداء في تنفيذ المشروعات والبرامج. الثقافة: توظيف التعليم( المقررات والمناهج والنشاطات مثل برلمان الأطفال) وأجهزة الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في تعزيز قيم الشفافية والمساءلة والديمقراطية في سياق نسق من القيم وحوافز السلوك النهضوية( إعلاء قيم العمل والمعرفة والاجتهاد والإيثار). استلهام الأسس والتفسيرات الدينية في محاربة الفساد ومناهضة العصبية والقبلية تأسيس تنظيم مجتمعي واقتصادي منتج ويقاوم الاحتكار وفساد الصفقات. البعد الدولي التصديق علي جميع البروتوكولات الملحقة بوثائق القانون الدولي الإنساني تفعيل الاتفاقية الدولية لمناهضة الفساد باعتبارها مكونا عضويا في البنية القانونية في مصر تشديد الرقابة علي التحويلات المالية, والمنح والقروض, الدولية تشجيع إبرام الاتفاقيات الإقليمية( العربية والإفريقية) لمناهضة الفساد, والانضمام لها بفعالية.