في مؤتمره الذي عقده في فولجاجراد تحت شعار تنمية مناطق جنوبروسيا, كشف فلاديمير بوتين رئيس الحكومة الروسية وزعيم حزب الوحدة الروسية الحاكم عن خطته لاستعادة عرش الكرملين من خلال فكرة تشكيل الجبهة الشعبية لعموم روسيا التي قال انها تقوم علي أساس تجميع القوي السياسية المؤمنة بضرورة التنمية في اطار جبهة فوق حزبية, توجه بوتين الي نشطاء حزبه باقتراح تشكيل هذه الجبهة علي اساس الحزب الحاكم, شريطة ان تضم بين صفوفها غير الحزبيين من ممثلي القوي السياسية المختلفة وهذا يعني ان الترشيح للانتخابات البرلمانية المقبلة في ديسمبر المقبل يمكن ان يكون من خلال قوائم الحزب الحاكم حتي لغير الحزبيين من اعضاء الاتحادات النقابية والمنظمات الشبابية والنسائية وتنظيمات المتقاعدين وقدامي المقاتلين في الحرب العالمية الثانية وافغانستان وغيرها ممن سبق واعلنوا موالاتهم لحزب الوحدة الروسية. واذ اكد بوتين ضرورة استناد التحالف المرتقب الي مبادئ التكافؤ والمساواة قال انه تعمد اختيارالجبهة الشعبية لعموم روسيا اسما للتحالف لإعلانه قبيل الاحتفال بعيد النصر علي الفاشية من فولجاجراد الاسم القديم لستالينجراد التي سجلت نقطة التحول الي تحقيق النصر علي الفاشية في الحرب العالمية الثانية, وقد اثار تعمد بوتين لاختيار الزمان والمكان المرتبطين في وجدان شعبه مع احلي الذكريات وانصع صفحات التاريخ الكثير من الايحاءات التي تقول أن تاسيس الجبهة الشعبية يعكس رغبته في تعويض قصور سياسات حزب الوحدة الروسية سعيا نحو المزيد من الانصار إستعدادا للانتخابات المرتقبة. وذلك يعني ضمنا تطوير ما بدأه بوتين من هجوم في منتصف ابريل الماضي بتقريره الذي ألقاه أمام مجلس الدوما حول نشاط الحكومة عن الفترة الماضية واعتبره الكثيرون نقطة انطلاق حملته الانتخابية, وبهذا الصدد قال جليب بافلوفسكي المستشار السابق للكرملين الذي اضطر الي تقديم استقالته من منصبه تحت ضغط القوي الموالية لبوتين والتي سبق واحتجت علي الكثير من تصريحاته المؤيدة لترشيح الرئيس دميتري ميدفيديف لفترة ولاية ثانية, ان تعمد بوتين تشكيل مثل هذه الجبهة فوق الحزبية يعني في طياته عدم تأكده من شعبية حزبه الحاكم ورغبته في الحصول علي تاييد أوسع نطاقا من جانب كل التنظيمات الممثلة لمختلف طوائف المجتمع. ومن اللافت بهذا الصدد ان بوتين حرص علي التنظير لمحاولات توطيد مواقعه ودعم حملته علي حشد القوي السياسية والاجتماعية من خلال التركيز علي ثلاثة اتجاهات رئيسية, يشير الاول منها الي المؤسسات العلمية والتعليمية التي طالما ارتكزت اليها مبادرات رفيقه ميدفيديف. ولذا لم يكن غريبا ان يعلن بوتين عن تشكيل وكالة الابتكارات الاستراتيجية وعن تبعيتها المباشرة للحكومة الروسية وتوجيه كل مخصصات المشاريع الجديدة لتمويل ما تحدده وكالته الاستراتيجية من مبادرات وابتكارات علمية حتي عام2012 وهو ما يعني سحب البساط من تحت اقدام منافسه ميدفيديف الذي طالما راهن علي رؤيته الذكية في ضاحية سكولكوفو التي انشأها علي غرار وادي سيليكون الامريكية. اما الاتجاه الثاني فقد استهدف الاوساط الشبابية التي قيل ان ميدفيديف يراهن عليها من خلال اجادته لاحدث لغات العصر وتواصله معها عبر الانترنت والفيس بوك والتويتر, وكان بوتين دعا خلال المؤتمر الحزبي الأخير الي العمل من أجل الدفع بالشباب الي الصفوف الامامية للتنظيمات والمؤسسات, ويبقي الاتجاه الثالث الذي قال بوتين انه يتمثل في ضرورة القضاء علي الاساليب البيروقراطية التي تحول دون تحقيق الشباب لاحلامهم في التوصل الي اسمي درجات التفوق المهني, والالتزام بتدوير المناصب القيادية في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في مجالات السياسة والاقتصاد علي حد سواء, ومضي بوتين ليؤكد ان الحزب الحاكم ليس استثناء ويجب ان ينسحب عليه كل ما أشار اليه من ملاحظات تستوجب الدفع بالشباب الي مراكزه القيادية لا سيما انه اصبح في امس الحاجة الي قوي جديدة قادرة علي التواؤم والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني. وقد سارع دميتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم رئيس الحكومة الروسية الي دعم مبادرة رئيسه بقوله ان ما يطرحه بوتين يبدو افضل الية لتمرير مقترحات ومبتكرات الشباب ويسهل عليهم لقاء رئيس الحكومة ومن يريدون مناقشته من وزراء ومسئولين علي النحو الذي يجعل الوكالة المقترحة اشبه ب المصعد الذي يحقق للشباب الارتقاء بطموحاتهم وافكارهم صوب ما ينشدونه من مكانة متميزة علي حد قوله. ولذا لم يكن غريبا ان يعلق ايجور يورجينس مدير معهد التنمية المعاصرة المحسوب علي الرئيس ميدفيديف, علي ما قاله المتحدث باسم بوتين بالاشارة الي ان انشاء مثل هذه الوكالة الاستراتيجية للابحاث العلمية مسألة ذات دلالات سياسية, بل مضي ليقول ان بوتين اوقف حركة كل المصاعد الاجتماعية خلال الاحدي عشرة سنة الماضية اي منذ جاء الي قمة السلطة في مطلع عام2000 ولم يتوقف يورجينس عند كل هذه التلميحات واستطرد ليشير علي نحو اكثر صراحة الي ان الحديث عن مصاعد اضافية للشباب قبيل اجراء الانتخابات تعطي الامل في التجديد لكنها وحسبما يعتقد يصعب أن تصل بهم الي الغرض المنشود. ومع ذلك فقد اعترف يورجينس بان ميدفيديف إفتقد زمام المبادرة وانه لن يستطيع خوض الانتخابات المرتقبة كمنافس كفؤ لبوتين بما يعني تزايد احتمالات ضياع فرصة الفوز بفترة ولاية جديدة. وذلك اعتراف بالغ الاهمية رغم كل الانتقادات التي تتوالي من جانب المعارضة ومنها ما قاله جينادي زيوجانوف زعيم الحزب الشيوعي الروسي حول عدم مشروعية فكرة تشكيل الجبهة الشعبية مؤكدا ان الفكرة تعد إعترافا من جانب زعيم الحزب الحاكم بتراجع مواقعه ومخاوفه من الفشل في الانتخابات المرتقبة. واشار ايفان ميلنيك نائب زعيم الشيوعيين الروس الي ان الجبهة الشعبية واسعة النطاق لا يمكن ان تتشكل بدون جموع الشعب التي لا وجود لها حول الحزب الحاكم علي حد تعبيره, وكشف عن حقيقة ان الاعلان عن تشكيل الجبهة اعتراف ضمني بهشاشة مواقع الحزب الحاكم وحاجته الي مؤيدين جدد يدعمونه في معركته الانتخابية المرتقبة في ديسمبر المقبل بما يمكن ان يكون مقدمة لدعم بوتين في الانتخابات الرئاسية في مارس2012 ومن جانبه اعلن زعيم حزب يابلوكو اليميني سيرجي ميتروخين عن موقف مشابه, مشيرا الي ان الحزب الحاكم ليس مؤهلا لتشكيل مثل هذه الجبهة بسبب سياساته المعادية للشعب, وقال ليونيد جوزمان زعيم حزب القضية العادلة ان الإعلان عن تشكيل الجبهة يعد اعترافا من جانب بوتين بخيبة امله في الطريق الديمقراطي لتطور روسيا, وبغض النظر عن مشروعية كل ما طرحته المعارضة من إنتقادات فان الواقع الراهن يقول ان بوتين يتقدم واثق الخطي نحو الهدف المنشود في نفس الوقت الذي تتراجع فيه مواقف ميدفيديف أمام سطوة الشريك الاكبر في الثنائي الحاكم, وإن تظل الابواب مفتوحة انتظارا لما قال ميدفيديف في اول مؤتمر صحفي عقده يوم الاربعاءمنذ جاء الي السلطة في عام2008 انه سيكشف عنه خلال الاسابيع القليلة المقبلة.