تتابعت أحداث العنف الديني في مصر بعد ثورة يناير, مما يعرض مسار الثورة لكبوة قد تعرقل التطور الديمقراطي المنشود, ولكن تلك الأحداث ليست وليدة اليوم, ولم تتسارع بصورة مختلفة عما كان يحدث قبل الثورة, فالعنف الديني نتاج حالة احتقان ديني مستمرة منذ سبعينيات القرن الماضي, ولكن تلك الحالة شهدت تسارعا في وتيرة أحداث العنف منذ عام2005, ولم يكن النظام السابق راغبا في مواجهة هذه الظاهرة, بل تعامل معها بمنطق التوازنات, فكان يميل إلي طرف في مرة وإلي الطرف الآخر في مرة أخري, مما يجعل كل الأطراف تري أن النظام السابق منحاز ضدها, وظلت أحداث العنف الديني تتوالي, والنظام يتعامل معها بمنطق من يريد حماية بقائه في الحكم أكثر من حماية المجتمع, لهذا تعمقت حالة الاحتقان الديني وتحولت إلي حالة مزمنة, خاصة مع غياب الحريات العامة, وغياب الحرية السياسية وغلق الباب أمام النشاط المجتمعي والأهلي, مما ساعد علي حدوث تباعد بين مكونات المجمتع خاصة المسلمين والمسيحيين. وفي ظل أجواء القهر والظلم, باتت حالة الاحتقان الديني تمثل المسار الذي يتم فيه تصريف طاقة الغضب الكامنة في المجتمع, حتي تحولت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين إلي موضوع يصرف فيه المجتمع جزءا مهما من غضبه تجاه النظام الحاكم السابق, ولم تكن أجواء الاستبداد السياسي لتسمح بالتوصل إلي حل لهذه المشكلة, لأن تفكك المجتمع وضعفه من العوامل المهمة التي تؤدي إلي ظهور حالة الاحتقان أو التعصب الديني, وكان لابد من تغيير الأوضاع السياسية, وبناء دولة قائمة علي الحرية والعدل, حتي يمكن معالجة ملف الاحتقان الديني في مصر. ولم يكن غريبا إذن, أن مع بداية الثورة وعبر أيامها وساعاتها, بدأ يحدث تغير في مصر, حيث ظهرت مصر الحقيقية في ميدان التحرير, فإذا بها مجتمع متماسك موحد, وهكذا عرفنا حقيقة المجتمع المصري والتي غيبت بسبب مناخ القهر السياسي والفساد والظلم المجتمعي, وعندما ظهرت مصر الحقيقية, توقع الكثيرون أن ملف الاحتقان الديني قد أغلق بغير رجعة, ولكن ماحدث خالف هذه التوقعات, حيث أطلت علينا أحداث العنف الديني من جديد, والحقيقة أن ماحدث من جرح في بناء المجتمع المصري عبر عقود, لايمكن أن يحل في أسابيع أو شهور, فحالة الاحتقان الديني تعمقت بصورة أثرت علي قطاع غير قليل من المجتمع, من المسلمين والمسيحيين, مما جعل لدي فئة من المجتمع حساسية في القضايا الدينية تجعل أفعالهم وردود أفعالهم غاضبة. ولكن الجديد في هذه المرة هو نمو الوعي المجتمعي بصورة واضحة, حيث يتحرك المجتمع في مواجهة أحداث العنف بصورة أكثر فاعلية مما كان يحدث في السابق, وتتحرك أيضا الدولة ممثلة في المجلس العسكري ومجلس الوزراء بصورة أكثر فاعلية ويقظة, فالوضع بالفعل تغير وأسس الحل بدأت في التشكل, والوعي بأهمية حل مشكلة الاحتقان الديني أخذ في التزايد ومع هذا, هناك أسباب تعرقل التوصل إلي حل, ومنها الغياب الأمني والذي يشجع الأفراد علي التحرك دون أي حسابات ودون خوف من الوقوع تحت طائلة القانون, أو دون خوف من المواجهة مع جهاز الشرطة, حيث مازال جهاز الشرطة يخشي من الدخول في مواجهات مع الخارجين علي القواعد العامة والقانون. ومع حالة الغياب الأمني. مازال المجتمع يعاني من حالة سيولة وشبه فوضي, وهي حالة تعقب الثورات والتغييرات الكبري, مما يساعد علي حدوث حالة انفلات في التصرفات والسلوكيات العامة وهو ما يساعد علي تكرار حالات العنف الديني. ولكن المجتمع المصري ليس ذاهبا إلي حرب أهلية كما يتوقع البعض, بل أتصور أن المجتمع كان معرضا بالفعل للدخول في مرحلة الحرب الأهلية ولو نسبيا قبل ثورة يناير, حيث بات الغضب الديني هو القنبلة المتفجرة والتي تعبر عن كل مشاعر الغضب والاحتقان الموجودة في المجتمع, ولكن المجتمع المصري الآن يبدأ مرحلة جديدة من تاريخه مرحلة تقوم علي الإرادة الشعبية الحرة, ولن يعود التاريخ إلي الوراء, ولكن مرحلة التحول والفترة الانتقالية تمثل مرحلة دقيقة ويتعرض فيها المجتمع لبعض المخاطر, الناتجة من عملية التحول نفسها, لذا يصبح من الضروري النظر إلي الأساليب التي تمكن المجتمع من عبور المرحلة الانتقالية بأقل تكلفة ممكنة, والنظر في الأساليب التي تمكننا من علاج حالة الاحتقان الديني, حتي يعود المجتمع المصري لوحدته وتماسكه. لهذا تصبح عودة الأمن للشارع المصري ضرورة حتمية, حيث إن الشعور بالأمن وانضباط وحضور الشرطة كاف لمنع حالة السيولة العنيفة التي تنتاب البعض بجانب أهمية حضور القانون, بوصفه أداة الردع الأساسية التي توقف كل شخص عن التجاوز, وتردع من يفكر في الخروج علي القانون ولكن الحضور الأمني والقانوني لن يكون هو الحل النهائي لحالة الاحتقان الديني, فهي ظاهرة اجتماعية, وتحتاج لحل مجتمعي, لذا فالمواجهة الحقيقية لهذه المشكلة تحتاج إلي حركة مجتمعية وسياسية تستفيد من مناخ الحرية, لتعيد التواصل والحوار والتفاهم بين مكونات المجتمع مما يساعد علي مواجهة التصورات السلبية التي انتشرت عن المختلف دينيا, فتجاوز حالة الاحتقان الديني ممكن, بل ومرجح, والمهم أن يتحرك المجتمع بكل قواه لمواجهة الموقف.