جاء قرار مجلس الوزراء بتفويض قوات الشرطة بالتعامل بحزم وشدة مع أعمال البلطجة ليدخل الطمأنينة في نفوس المواطنين الشرفاء, وليعطيالقوة والثقة لرجال الشرطة في مواجهة البلطجية ومحترفي الإجرام. كما جاء قرار تحويل من يعتدي علي أقسام أو رجال الشرطة الي المحاكم العسكرية ليكون رادعا للمجرمين, خاصة أن القضاء العسكري أصدر أخيرا حكما علي أربعة مجرمين بالسجن ست سنوات لقيامهم بأعمال شغب وإتلاف بقسم العجوزة. ولكن هل رجال الشرطة مؤهلن مؤهلين لضبط النفس عند استخدام السلاح حتي لا يقع أبرياء في ظل حالة إنعدام الثقة بين الشعب والشرطة خاصة أن البعض يتخوف من أعمال ثأر يقوم بها الضباط لرد هيبتهم ؟ وكيف يستطيع جهاز الشرطة سد الفجوة الأمنية التي حدثت خلال الفترة السابقة؟ هذه التساؤلات وغيرها كانت محور حديث الندوة الأولي التي نظمها المجلس الأعلي للقوات المسلحة بعنوان( الأمن وآلية تحقيقه في ظل الظروف الحالية) والتي تعتبر باكورة سلسلة من الندوات التي سيعقدها مع فئات الشعب المختلفة من مفكرين ورؤساء أحزاب وجامعات ورجال الإعلام وممثلين لشباب الثورة واتحادات طلاب الجامعات وهيئات حقوق انسان ومجتمع مدني للتحاور حول كيفية بناء مصر الجديدة. وقد استحوذت هذه الندوة علي اهتمامنا كإعلاميين, بالاضافة الي جميع الحضور لأنها المرة الأولي التي تتفاعل فيها الدولة مع المجتمع, فالمجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي يدير البلاد حاليا كان حريصا علي الاستماع لوجهات نظر النخبة المصرية التي تمثل شرائح مختلفة من الشعب قبل اتخاذ أي قرار, وهو امر جديد لم يحدث من قبل, حيث كانت القرارات تصدر بدون النظر الي مدي تقبلها أو رفضها من الشعب مما أحدث فجوة كبيرة, فقد كان الشعب في الماضي يشعر أن الحكومة لاتعرف عنه شيئا, وبدت كأنها تصدر قرارات لشعب آخر. وكان اللافت للنظر أن جميع الحضور اتفق أن الانفلات الأمني, وانتشار اعمال البلطجة تتجه الي تدمير مصر وليس بناء مستقبلها.. وإن جهاز الشرطة يجب أن يستعيد قوته, حتي يستطيع القيام بدوره الوطني في خدمة الشعب وليس الحاكم.. وهو مفهوم يجب ان يفهمه أي حاكم قبل رجال الشرطة حتي تتغير العلاقة بين الشعب والشرطة ويصبح شعار(الشرطة في خدمة الشعب) شعارا حقيقيا وهو مطبق في جميع دول العالم المتحضر. أيضا اتفقت الآراء علي أن الأمن ليس معدات وأفراد, ولكن فكر وثقافة وأسلوب وهو ما يحدث ايضا في مختلف أجهزة العالم حيث إنها لا تتسم بالكثرة ولكن تهتم بالكيف وليس الكم, هذا مما يرفع كفاءتها ومهارتها. ورغم اختلاف أفكار ورؤي الحاضرين فقد أجمعت الأفكار المطروحة علي ضرورة إعادة هيكلة وزارة الداخلية, وإسناد بعض الاعمال التي لا تحتاح لمهارة أمنية خاصة كأعمال السجل المدني والجوازات وتصاريح السفر لمدنيين وليس ضباط شرطة مما يوفر عددا كبيرا من الضباط لمهام أخري تخصصية تساعد علي رفع كفاءة جهاز الأمن مع ضرورة التوسع في أعمال ومهام التفتيش والرقابة بوزارة الداخلية وايجاد دور رقابة مجتمعية من خلال إنشاء هيئة كديوان للمظاليم تتولي حماية حقوق المواطنين في حالة انتهاكها وهو ما يدخل الطمأنينة في نفوس أفراد الشعب. كما كان من أهم الأفكار التي تبشر بالخير في وجود جهاز كفء للشرطة وتسهم في سد العجز الأمني ما طرحه اللواء دكتور نشأت الهلالي مدير أكاديمية الشرطة السابق حيث طالب بالاستفادة بخريجي كلية الحقوق في الالتحاق بكلية الشرطة وقضاء عامين علي الاكثر للتدريب ثم التخرج وهو ما يسهم في حل مشكلة البطالة كما يقلل من تكاليف تدريب الطالب لمدة4 سنوات قبل التخرج, بالاضافة الي ان الخبرة والتجربة أثبتت أن طالب الجامعة اكثر انضباطا من خريج الثانوية العامة كما أن هذا الاقتراح يضمن ان يكون ضابط شرطة علي دراية عالية بالقانون وبحقوق المواطنين. وكذلك شدد الحضور خاصة الدكتور محمد فايق نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان علي أن حقوق الانسان لا تعني الفوضي لأن أهم أركان حقوق الانسان هي الالتزام بالقانون وعدم الخروج عنه سواء من الدولة أو من الفرد. وفي رأيي أنه إذا كان الشعب قد اعتاد طوال السنوات الماضية علي احترام القانون بالإكراه والقوة, فقد حان الوقت ليتغير سلوكه وتتغير ثقافته حتي يكون مقتنعا بالحفاظ علي حقوق الآخرين قبل المطالبة بحقوقه وفي إطار القانون. وفي الوقت نفسه يجب علي جهاز الشرطة في ظل تغير المفهوم الجديد للشرطة أن يعي حقوق المواطنين جيدا وأن يعي جميع أفراده أهمية الحفاظ علي تطبيق القانون, وإنه إذا كان الجميع يطالب بعودة هيبة الشرطة فإننا نطالب بعودة هيبة القانون الذي يجب أن يكون سيفا فوق رؤوس الجميع حتي تصبح العلاقة بين الشعب والشرطة, مثل علاقته مع الجيش الذي يتقبل منه جميع القرارات لشعوره بإنه يحميه, ويحافظ علي أمنه وسلامته, في إطار من الاحترام للإنسان والقانون.