الحكومات ليست إدارات للجباية وفرض الإتاوات، وإنما هي راع، وكل راع مسئول عن رعيته، والرعاية تعني المسئولية والحماية وتوفير سبل العيش الكريم، والأمن والطمأنينة، وإذا ما غابت المسئولية الاجتماعية عن أي حكومة فقدت شرعيتها ،وتحولت إلي مجرد "ملتزم" كل ما يسعى إليه هو جمع الضرائب، دون أن يقابلها خدمات لصالح من يدفعونها، وهذا ما كان يحدث قبل 25يناير،حيث كان يحكم"البيزنيس"فكر الحكومة،مع أن مصالح الشعوب ورفاهيتها وعيشها الكريم، لا تقاس بمبدأ المكسب والخسارة. وكان من نتيجة غياب المسئولية الاجتماعية للحكومة، ما تعانيه مصر من بطالة خانقة، وصلت إلي حد الكارثة ونسي حكامنا أن البطالة القاسية تؤدي إلي إهدار طاقات الشعب من الناحية الاقتصادية وإلي عنف اجتماعي واضطراب سياسي . ويرتبط بمشكلة البطالة انتشار الفقر، الذي هو انعكاس لرفع يد الدولة عن المرافق والخدمات وإطلاق يد القطاع الخاص للتحكم في السوق، وتوقف الدولة عن تعيين الخريجين، وزيادة الخضوع لمنظمات التمويل الدولية بما ساهم في انتشار الفقر وتفجير العنف والجريمة بكافة أشكالها ،والمشكلة الأكبر أن الفقر زحف إلى أعداد كبيرة من الطبقة المتوسطة التي هي عماد المجتمع وعصبُه مما يهدد المجتمع بأسره ويحرمه من هذه الطبقة التي هي رمانة ميزانه. و عندما تزايد الفقر في المجتمع المصري تزايدت العشوائيات التي تحد من تطور المجتمع وتزيد من معاناته ،مما أدى إلى زيادة ظاهرة أطفال الشوارع والجرائم الغريبة التي لم تكن موجودة من قبل. وحسب التقارير الرسمية، فإنه يوجد على مستوى جمهورية مصر 1000 منطقة عشوائية، وهي موزّعة على المناطق المختلفة، منها 85 منطقة عشوائية تمثل حِزامًا ناسفًا ملفوفًا حول العاصمة (مدينة القاهرة) بمفردها، إضافة إلى 67 منطقة عشوائية في محافظة القليوبية المجاورة للعاصمة، فيما تشير التقارير الرسمية ومضابط مجلس الشعب إلى أن 5% فقط من هذه العشوائيات قد تمّ تهذيبها. ومنذ بداية التسعينيات ونحن نسمع عن مشروع لتطوير العشوائيات، لكن شيئًا من هذا المشروع لم يرَ النّور،رغم أن الحكومة حصلت على أموال ومِنح أجنبية طائلة لمعالجة هذه العشوائيات، ولا نعرف حتى اليوم أين ذهبت هذه المنح؟! وهو ما يشير إلى أنه كان هناك فسادا في التعامل مع المَعُونات والمِنح، ولم يكن هناك شفافية في الاستفادة من أموالها!! ومرة أخري نؤكد أن غياب المسئولية الاجتماعية للدولة هو الذي أدي إلي اتساع دائرة العنف ومداه داخل المجتمع المصري بين الفقراء والأغنياء على السواء،ونؤكد أيضا أن المسئولية الاجتماعية حجر وركن أساسي من أركان قيام الدولة ومن أهم واجباتها، ليس في الدول الاشتراكية فقط ، كما يدعي البعض، ولكن في أشد الدول الرأسمالية تطرفا،ففي أمريكا وفرنسا وانجلترا،تأتي مسئولية الدولة الاجتماعية في المقدمة،ولم تتخل هذه الدول يوما عن مسئولياتها تجاه شعوبها، ولم تتركهم نهبا لمشاكل البطالة والفقر والحاجة، مثلما حدث عندنا. نعم تعاني هذه الشعوب من البطالة كما نعاني، ولكن ليس بالنسبة نفسها، إضافة إلي أن هذه الدول يتمتع فيها المواطن بتأمين بطالة ، طالما لم توفر له الدولة فرص العمل،ولا يحدث فيها ما يحدث عندنا من تجاهل للمشكلة وأسبابها، حيث أدارت الحكومة ظهرها للشباب الباحث عن عمل ،في الوقت الذي التفتت فيه بكليتها وبكامل طاقتها تجاه المشروعات الترفيهية التي تضمن المزيد من الرفاهية للمترفين في مارينا وبورتو مارينا وبورتو السخنة وغيرها من مدن الأثرياء، وتركت الفقراء يبحثون في القمامة عن كسرة خبز في جحور العشوائيات. وإذا كانت حكومة نظيف كانت هي المسئول الأول عن العدالة الاجتماعية المفقودة بعد أن غيبت مسئوليتها الاجتماعية مع سبق الإصرار والترصد، فرجال المال والأعمال صنيعة هذه الحكومة هم أيضا مسئولون أمام الله وأمام الأمة عما كان يعانيه شعبنا الصابر الصامد من ماسي اجتماعية عديدة تثقل كاهله : بطالة وفقر وغياب خدمات ومعاناة ليل نهار. فقد جاء هؤلاء الأثرياء الجدد –اللهم قليل منهم- علي دين حكومتهم يسعون لمص دم المصريين ولا يراعون فيهم الله ، متناسين أن الأموال التي استولوا عليها من البنوك وتجارة الأراضي التي وهبها لهم الفاسدون في حكوماتنا المتعاقبة هي أموال وأراضي الفقراء ، الذين لم يعد لهم إلا الله والشرفاء من أبناء مصر، وليت كل صاحب ثروة من رجال المال والأعمال عندنا يتعلم من رجل الأعمال الأمريكي " بيل جيتس " عندما زار مصر في السنوات الأخيرة , ولدي سؤاله عن ثروته قال :" إن ثروتي بسبب المجتمع , وسوف تعود للمجتمع , من خلال تمويل مؤسسات بحث علمي وطبي , لعلاج الأوبئة والأمراض المستعصية , وتمويل تطوير التعليم , ولا أعتقد أنني سوف أترك ورائي أموالا لورثتي " وهي كلمات تحتاج لمزيد من التأمل , من أثرياء مصر ، الذين وهبتهم مصر ثرواتها وخيراتها بدون حساب ، لعلهم يراعون الظروف القاسية ،التي تكاد تعصف ليس بالفقراء وحدهم ولكن بالمجتمع كله إن لم نتكاتف جميعا،وتعود العدالة والمسئولية الاجتماعية المفقودة. ** هذه كانت أحوالنا في ظل حكومات ماقبل ثورة 25 يناير، وأرجو أن يكون هذا التفكير قد أصبح ماض،وطويت صفحته،ولابد أن تعي حكومتنا الجديدة، ومن في يدهم الأمر أن المسئولية الاجتماعية للحكومة هي أساس شرعية وجودها،ومن الضروري أن يضع د. عصام شرف في أولويات حكومته القضاء علي البطالة والفقر، فقد كانا أهم أسباب ثورة مصر علي نظام مبارك الفاسد،الذي غابت في ظله المسئولية الاجتماعية للدولة. [email protected]