من لا يملك قوته لا يملك حريته, مبدأ انطلق منه مجموعة من شباب ثورة25 يناير ليبدأوا العمل في تنمية بعض مناطق مصر العشوائية والمنسية رغم طاقاتها البشرية. ووقع اختيار شباب قهوة السياسة و جبهة ثوار التحرير علي منطقة المعصرة شرق للتعرف علي احتياجاتها و تسليط الضوء علي مشكلاتها ومخاطبة الجمعيات التنموية ورجال الأعمال بهدف تنمية المنطقة اقتصاديا لكي يملك سكانها قراراتهم السياسية دون ضغوط وذلك حتي يعرف كل منهم قيمة صوته ونغنيه عن بيعه كما تقول سوزان عصمت, إحدي ناشطات قهوة السياسة, موضحة الهدف من حملاتهم في قلب مصر الفقيرة. وقد شاركت الأهرام الثوار في أولي خطواتهم علي طريق التنمية. هم ليسوا مجموعة من الشباب والفتيات الذين يحملون بعض الأغذية والمساعدات لسكان إحدي المناطق الفقيرة من آن لآخر, لكنهم شباب قضوا أياما وليالي في التحرير حتي بدأت مصر تتنفس اولي نسمات الحرية. والآن خطتهم هي استكمال مسيرة الحرية التي لن تكتمل إلا بممارسة ديمقراطية حقيقية يكون للشعب حق تقرير مستقبل مصر ومصيرها في المرحلة القادمة. وهو ما قررشباب الثورة استهدافه في المرحلة القادمة, خطة للتنمية والوعي السياسي خاصة في المناطق الفقيرة والعشوائية تبدأ أولي خطواتها من المعصرة. ومن الشارع الرئيسي علي الاوتوستراد إلي قلب المعصرة شرق أو عزبة الهجانة كما يطلقون عليها, المسافات تبدو قليلة لكن الفروق كبيرة. فالمنطقة الفقيرأهلها تستقبل زوارها بتلال بل جبال من القمامة التي تكاد تخفي ملامح بناياتها وأيضا بسحب كثيفة من الدخان المتسللة من مصانع الأسمنت المحيطة لتختلط حياة السكان بالحشرات والقاذورات وكافة اشكال التلوث في مكان لطالما استنجد اهله للسماح لهم بالانضمام الي عالم الأحياء ولكن لا مجيب ولا مهتم. ورغم معاناة معظم السكان الذين يزيد عددهم علي ال50 ألفا من البطالة إلا أنهم يترددون يوميا علي مساحة أرض واسعة تسكنها القمامة والحشرات ويحلمون باليوم الذي يستبدلونها فيه بورش تؤوي الفنيين والعمال باليومية الذين يقضون شهورا طويلة علي المقاهي وفي الشوارع يبحثون عن لقمة عيش تسد جوع صغارهم. منطقة وعدتهم جمعية الرعاية المتكاملة وجمعيات أخري باستثمارها منذ سنوات ولكن المنطقة بقيت علي حالها ليرتادها من آن لآخر بعض عمال البناء يعملون في مبان لا أحد يعلم تتبع من؟ فهل تصل نسمات الحرية والتغيير الي هنا؟ يتساءل أحمد إمام, أحد سكان المنطقة ممن شاركوا في الثورة مع مجموعة من أهل المنطقة أطلق عليهم شباب الثوار عيلة الدبابة بسبب احتمائهم بالدبابة اثناء الاعتداءات. ويقول:الثورة بالنسبة لنا انتصار علي طاغية كان لا يحب مصر ولكن أيضا كانت من أجل تحقيق العدالة و المساواة.( احنا بني آدميين ومن حقنا نعيش, مشاكلنا معروفة ومحتاجين حد يحطنا علي الطريق الصح. واللي بيحب مصر, يورينا واحنا معاه, و الحمد لله اننا عرفناكم), هكذا يردد أحمد علي مسامع شباب الثوار الذين وجد في اهتمامهم طوق النجاة لإنقاذ المنطقة المهملة. بينما يؤكد هو وغيره من شباب المنطقة الأكثر وعيا, أنهم لن يسمحوا لأحد بعد اليوم أن يستغلهم أو أن يوجههم لخدمة مصالحه. ويضيف إمام: إحنا نمل البلد ما حدش حاسس بينا ولا بمشاكلنا لكن لو طلع النمل ده مش حيخلي مكان إلا ويخش فيه. أمام إحدي ورش النجارة بالمنطقة, يشرح محمود قليعي, فني هندسة, للزوار حال المنطقة التي يصف مستوي المعيشة فيها بانه اكثر من سييء مؤكدا ان معظم العمالة في حالة بطالة أغلب الوقت وذلك رغم تعدد المهن الحرفية والمهارات الفنية للكثير من شباب المنطقة ما بين نقاشين وعمال بناء ونجارين وسباكين وعمال خزف. ويتدخل الحاج عزت اسماعيل الذي كان يعمل بالمصانع الحربية ليروي مأساته: معاش600 جنيه و11 شابا, هم أبناؤه بدون عمل رغم انهم حاصلون علي دبلومات فنية. بينما تتدفق مجموعة من السيدات علي الجمع ليصفن معاناتهن مع المرض في ظل وجود مستوصف واحد في المنطقة بدون تجهيزات ولا أطباء. و تقول إحداهن:( المريض يتحول بين أيدينا, في أحيان كثيرة, الي ميت قبل الوصول الي مستشفي حلوان العام.). سيل من الشكاوي و الاحتياجات في منطقة تئن فقرا وتلوثا ويتأرجح سكانها بين الأمل في التغيير والمساعدة وبين اليأس من الطفو فوق بحر المشكلات الذي أغرق المنطقة العشوائية منذ سنوات طويلة. وهو ما تؤكده كلمات المارة: بتصوروا ايه, منطقة كلها زبالة في زبالة, ح تعملولنا ايه حتشيلوا الزبالة, جايين ليه؟ تتفرجوا علي الفقر والزبالة, شايفين احنا عايشين ازاي وسط التلوث والامراض, كلنا مرضي, سرطان وحساسية في الصدروما حدش سائل فينا. ولكن أحمد إمام ومحمود, ويسري صالح, الملقب بوزير ثقافة المنطقة يحاولون الشرح للأهالي قائلين دول ناس جاية تساعدنا بجد علشان المعصرة تكون افضل. وفي جمعية التقوي التي تعمل علي تقديم خدمات معيشية وتعليمية و صحية لأهالي المنطقة في حدود امكاناتها البسيطة و التبرعات الموسمية, حاول الأعضاء شرح الإحتياجات الحقيقية ورسم تصورهم للتنمية والتطوير لشباب الثوار, الذين قاموا بزيارة مطبخ الجمعية, مركزها الطبي الذي ينقصه الكثيروكذلك الحضانة و المشغل. مجمع حرفي وفرن عيش آدمي وأوضح حسن لشباب الثوار أن المعصرة مشكلاتها واضحة ومحددة قائلا: نحن نحتاج الي تحديد نشاط محدد, صناعي أو تجاري مميز للمنطقة.( فلماذا لا تستغل الارض الشاسعة في المدخل لإقامة مجمع حرف أومجموعة ورش لتشغيل أبناء المنطقة؟ وعمل فرن عيش ادمي يجنبهم معاناة الطوابير وكذلك مستودع انابيب), بينما يقترح جمال عمل مزارع دواجن أو اسواق للخضراوات أو الملابس مؤكدا أن الجميع هنا عايز يعيش ويخدم أيضا مصر متسائلا عن مصير الشباب ممن يعملون ويتعاطون المخدرات لأنهم بلا هدف بعد أن حاصر اليأس أحلامهم, رغم استعدادهم للعمل اذا ما اتيحت لهم الفرصة لاستغلال امكاناتهم. وتتدخل سوزان عصمت, احد شباب قهوة السياسة في الحوار مؤكدة انهم بدأوا في السؤال عن قروض يمنحها بنك ناصر الاجتماعي بقيمة15 الفا يمكن أن تكون بداية لتكوين مشروع بينما أكدت سالي غنامي من جبهة شباب الثوار أنهم سوف يخاطبون الجمعيات ورجال الاعمال المهتمين لمساعدتهم في عمل مشروعات صغيرة ليضيف صالح الشيخ من قهوة السياسة ان المنطقة ممهدة لأن تكون مقرا للصناعات الصغيرة التي يحقق من خلالها السكان ذاتهم مثل نموذج الصين وهو ما يمكن أن نساعدكم عليه. خطوات للمساعدة بدأها شباب الثوار بالفعل بعمل معرض لبوحة, احد موهوبي المنطقة في عمل المشغولات اليدوية وذلك لتسويق المنتجات. فبوحة رغم موهبته لم يكن يجد من يساعده لتوفير تكاليف الانتاج أو لتسويق منتجاته. ويقول( حاولت أكثر من مرة الحصول علي قرض من أحد البنوك لكن الشروط بالنسبة لنا نحن الغلابة تكون دائما تعجيزية. قالولي ستحصل علي1500 جنيه بعد شهر ونصف من الذهاب والاياب. بينما يهرب الكبار بالملايين. عايزين نعيش زي بقيت الناس. نكون بس أسر متوسطة مش أغنيا ولا فقرا). أمنية تشاركه فيها زوجته زينب مؤكدة بلسان حال أهل المنطقة الفقيرة: ان الناس لن تستطيع أن تختار صح وتحكم عقلها وهي مشغولة بالبحث عن قوت يومها مضيفة ببساطة الفتاة الحاصلة علي دبلوم تجارة ولكن تبدو أكثر وعيا من غيرها أنه من لا يملك قوته لا يملك حريته. وهو ما يحرص علي توضيحه يسري صالح الملقب بوزير ثقافة المنطقة مؤكدا أن اليوم الناس كلها بدأت تتابع الأخباربعد أن أدركنا أننا لن نعامل مرة أخري مثل الحيوانات كما حدث في الانتخابات الأخيرة والتي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.ويقول( الناس كانت بتبيع صوتها علشان كده ولا كده مش فارقة, لن يؤخذ به ولكن النهارده كل من لديه قدر من الوعي سوف يقوم بتوعيه الاخرين حتي لا يبيعوا أصواتهم) يقول يسري مضيفا ان الامر ليس سهلا فلا يمكن ان نطلب ممن كسرت ساقه من ثلاثين سنة ان يجري ويرمح و لكن لابد من تنمية احوال الناس الاقتصادية حتي يمكن مطالبتهم بالا يسمحوا لاحد بان يتحكم في اراداتهم.( دلوقتي صوتي له قيمة وسوف اشرح لمن حولي ذلك بعد أن بدأت أشعر أني مسئول بعد الثورة بل بدأت أشعر أني رجل ومسئول مع غيري عن بناء مستقبل البلد.)ويتدخل أحمد امام قائلا احنا ما كناش عارفين قيمة نفسنا اما النهارده فسوف نسلط الضوء علي احتياجات منطقتنا حتي نرتقي بها وبمصر كمان.( هنا الناس لازم تنتج حتي تملك قرارها ولا تكون راسهم فاضية)بينما يتساؤل جمال ما فائدة انشاء مدارس تجريبية في المنطقة يحرم من دخولها اطفالنا لان شروط القبول3 الاف جنيه في السنة وان يعرف الاب والام الانجليزية.( هو حرام ابناء العشوائيات يكونوا ناس كويسة. مطلوب يكونوا جهلة, فقراء و ملطشة, هو احنا مش جزء من المجتمع؟), أسئلة وقائمة مشكلات جمعها شباب الثورة من اعضاء قهوة السياسة و جبهة ثوار التحرير بعد زيارتهم المنطقة. احتياجات المركز الطبي من اجهزة ووحدة غسيل كلوي, أدوية واطباء, آلاف من العمالة في انتظار فرصة عمل, اكوام من القمامة في انتظار الازالة و تلوث من مصانع الاسمنت يحتاج لفلاتر ان لم يكن هناك سبيل للإزالة, وأيضا أفكار للتطوير والتنمية من بنات افكار ابناء المنطقة المنسية. افكار سوف يعرضها الشباب كما يقولون علي بعض المتطوعين, رجال الاعمال اوالجهات التنموية من أجل تحقيقها و كذلك عمل اتصالات مع الجهات المختصة لتنظيف المنطقة و الحد من تلوثها. ويقول زين العابدين: استثمار بعض رجال الاعمال في المنطقة سوف يكون له فائدة تبادلية وسوف يفيد الجميع عمل مجمعات انتاجية في هذه المنطقة الحيوية. ويضيف: انه حين ينكسر حاجز التنمية لديهم ح يفكروا صح وسوف يختاروا صح. وهو ما تؤكده سوزان عصمت التي توضح ان المعصرة ما هي الا بداية علي طريق تنمية المناطق الفقيرة والعشوائية في القاهرة والمحافظات وذلك كخطوة اولي للتوعية السياسية.( سنساعدهم حتي لا يحتاجوا لبيع أصواتهم ويدركوا قيمتها.) وتضيف نحن لن نختار لهم ولكن سوف نعلمهم منهج الاختيار وفرز من يتقدم لطلب اصواتهم ولكن من مصدر قوة بعد أن يكونوا قد ملكوا أقواتهم.