كان سعي النظام السياسي السابق للانفراد بكامل ساحة العمل السياسي, وهو ما جسدته بشكل واضح إدارة قيادات الحزب الوطني الفجة لمعركة الانتخابات البرلمانية في2010. احد أهم العوامل التي ساعدت علي نضج الظروف الموضوعية لثورة25 يناير حيث سدت كل المنافذ أمام كل القوي السياسية, وحتي أمام المعارضة الجزئية لسياسات النظام التي لم تكن تغير كثيرا من مواقفه وسياسته. رغم هذا الدرس الواضح الذي يؤكد أن غرور القوة الحتمي بأجهزة وأدوات القمع أو بالسيطرة علي وسائل الاعلام ومؤسسات التربية لعقود طويلة لم يجد أمام انتفاضة الشعب وشوقه للحرية بكل تجلياتها وأشكالها وفي مقدمتها حرية التعبير والتفكير والاعتقاد إلا أن هذا الدرس يبدو أن بعض أطراف النخبة السياسية لم تعه بعد رغم مشاركتها التي لا ينكرها أحد في الثورة, ورغم تحملها نصيبا وافرا من التضحيات مثلها في هذا مثل كل القوي السياسية الأخري علي مدار أكثر من نصف قرن من اجل حقها في المشاركة السياسية والتعبير عن أفكارها ورؤيتها لنهضة الوطن. ربما يعود هذا لفائض القوة الذي توفر وتراكم لهذه القوي علي مدي سنين طويلة من رغبتها في عدم الصدام الحاد مع النظام السابق والدخول في لعبة معقدة من التوازنات التي تسمح لها بالوجود والانتشار وفي نفس الوقت المعارضة التي لا تغير من قواعد اللعبة السياسية كما وضعها النظام السابق وكما فرضت بالضغط تارة وعبر المصالح الضيقة والفردية أحيانا تارة أخري علي الأحزاب السياسية الرسمية. ومن المؤكد أن سعي هذه الأطراف مجددا للانفراد أو الاستئثار بالجزء الأعظم من ساحة العمل العام ومحاولة تهميش أو إقصاء باقي القوي يعود في جزء منه لعدم قدرتها علي تجديد خطابها السياسي, وبالتالي فالحديث هنا عن ائتلاف أو تحالف وطني واسع يعني بالنسبة لهم نوعا من التنازل وهو أمر مرفوض وطنيا. هذا الالتباس أو التناقض الفكري مع معطيات الواقع التي تؤكد وجود قطاع كبير من أبناء الوطن بصرف النظر عن دياناتهم هم بحكم موقفهم السياسي أو فهمهم الديني أو انتماءاتهم الثقافية, فبين أبنائه والمنتمين إليه هناك خطاب حدي واقصائي للأطراف الأخري, خطاب يستخدم أكثر العبارات حدة مثل إقامة الخلافة/ التمكين من الأرض.. الخ في محاولة لزيادة مستوي التوتر والتعبئة السياسية بين أبنائه وجعلهم في جاهزية دائمة للحظة مقبلة قد تستلزم الصدام لإزاحة الأطراف الأخري ولاجتذاب جماهير القوي الأخري التي لا تختلف في توجهاتها الأساسية معه.هذا الوضع الذي تبرز فيه مظاهر التلويح بفائض القوة وتسوده ممارسات اقصائية ويقدم فيه البعض نفسه عبر خطابات سياسية مزدوجة تتناقض في الحقيقة مع روح ميدان التحرير وثورة25 يناير التي تجاوزت اختلافات الأيدلوجية السياسية والايمانات الدينية وحتي الانتماءات الاجتماعية والجهوية. إن استعجال البعض للاستئثار بيقطف ثمار الثورة لنفسه وليس لكل أبناء الوطن وقبل حتي أن تنضج هذه الثمار يعيد الوطن بكامله إلي المربع صفر وليتحمل مسئولية ذلك أمام التاريخ والوطن بل وأمام ربه الذي يؤمن به. هذه دعوة خالصة للعودة إلي روح ميدان التحرير, التي بالتأكيد لم تسقط فقط رموز نظام الفساد والاستبداد ولم تفتح فقط الطريق لمشاركة الجميع في بناء مجتمع العدل والحرية ولكنها أيضا فتحت وغيرت إلي الأبد الكثير في الثقافة السياسية للمصريين والشباب في مقدمتهم والذي تجاوز مرحلة الطاعة العمياء أو الاستكانة لما يراه الشيوخ فقد امسكوا بأنفسهم زمام المبادرة في الميدان وحق التفكير المستقل. إن وطنا يسوده العدل والحرية, وطنا للجميع دون تمييز يجب أن يكون هدفنا وشعارنا الذي نتفق عليه ونتعاون في تحقيقه وليحاسب كل منا الآخر علي اختلافنا حوله وبما يهدد تحققه. المزيد من مقالات جورج اسحق