في ظل هذه الموجة العالية من الابتهاج باقتلاع نظام مبارك والإطاحة بأعمدته وبلاطه وخدمه وحشمه وأعوانه, وفي غمرة الحديث عن محاكمته وأفراد أسرته ونجوم مستنقع الفساد, والجدل الصاخب حول التعديلات الدستورية. , وهذا الصعود المخيف والمرعب والمثير للفزع للقوي السياسية الإسلامية المتشددة, أو المتطرفة, وفي مقدمتها السلفيون والإخوان المسلمون والجهاديون والجماعة الإسلامية, وفتح الباب لعودة ثلاثة آلاف ممن حملوا السلاح وقاتلوا في أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك وغيرهم وهنا لا يمكن تجاهل كل علامات الاستفهام التي نبتت في أرض الواقع منذ اندلاع الثورة وحتي الآن. وبالتالي فهناك حاجة لإعادة ترتيب الأحداث لمحاولة فهم بعض أبعاد الصورة, لتعذر رؤيتها ككل في الظروف الراهنة, وأيضا لأن كثيرا مما جري كان مسرحه الشارع الخلفي والكواليس. وثمة ارتباط بين ما جري خلال الأيام الأولي وما يجري الآن, فالسياق والنتائج والأهداف التي تحققت والتي في طريقها لكي تصبح واقعا ينساب بل ويتدفق كتيار يشق طريقه بقوة واندفاع وكأنه في سباق مع الزمن لاستغلال ظروف رأي انها مواتية ومناخ رآه ملائما. ففي نفس التوقيت الذي كانت فيه مجموعات الشباب الثائر, تجود بالروح من أجل مصر, وتتصدي بإرادة صلبة لكل قوي النظام, كانت هناك عصابات مسلحة جيدا تشن هجمات منسقة ومخططة ومتزامنة وواسعة النطاق علي ما يقرب من051 هدفا منتشرة في أنحاء المحروسة, ومن هذه الأهداف99 قسم شرطة منها81 قسما بالاسكندرية وحدها و83 مقر نيابة وثلث عدد المحاكم واحراق ما بها من ملفات و9 سجون وعدد من مقار الشهر العقاري وغيرها. ومثل هذا الهجوم سبقه جمع معلومات عن هذه الأهداف وقوة الحراسة بها وتسليحها وقدرتها علي المقاومة, وتوفير الاسلحة والمعدات والذخائر المطلوبة سواء من داخل مصر أو خارجها, وتخزين ما يتطلب التخزين بالقرب من المواقع التي ستهاجم خاصة اللوادر والبلدوزرات وإعداد الخطط وتدريب المهاجمين عليها وانتقاء العناصر المؤهلة لمثل هذا النوع من العمليات وأيضا من داخل مصر أو خارجها. وتهريب السلاح والأفراد من خارج مصر ليس أمرا سهلا, ولابد أن تشارك فيها جهات ومنظمات متعددة. ومثل هذه العمليات تتطلب تمويلا سخيا, والأهم مركز قيادة وغرفة عمليات ومجموعات إدارية وأخري للمتابعة للمساعدة والتدخل عند اللزوم. ووجود عناصر خارجية أمر لا يمكن استبعاده, إذا ما علمنا أن أحد أهم أهداف الهجوم علي السجون هو مساعدة عناصر حزب الله ومنظمة حماس وعدد من ابناء سيناء علي الفرار, وتمكينها من الوصول الي لبنان وغزة بأسرع وقت ممكن وأفضل وسيلة. وسنتوقف أولا أمام عملية الهجوم علي بعض السجون, لنقول إن المهاجمين لجأوا الي استخدام اللوادر والبلدوزرات لفتح ثغرات في الاسوار في مواقع مختلفة, ومن المعروف قوة وصلابة هذه الأسوار لتكون مانعا وحائلا دون أي تدخل من الداخل أو الخارج لتهريب مسجون أو أكثر. وهذه الأسوار تتكون من سورين متتاليين أو أكثر وتحول الارتفاعات والعوائق المضافة دون أي محاولة للقفز من فوقها أو تسلقها. وبعد فتح الثغرات اندفعت الجماعات المهاجمة الي داخل السجون واشتبكت مع قوات الحراسة التي فوجئت بصورة كاملة بمثل هذا الاقتحام وبقوة النيران التي استخدمها المهاجمون. وبشراسة وقسوة ووحشية, استمر الهجوم ولم يتورع المهاجمون عن حرق بعض الضباط والتمثيل بأجساد بعض اخر. وفي الوقت نفسه انطلقت مجموعات باتجاه عنابر السجن بهدف إطلاق سراح عناصر حزب الله وعلي رأسهم سامي شهاب, وعناصر منظمة حماس والاخوان المسلمين ومن يماثلهم, وأخيرا أرغموا العناصر الإجرامية علي الفرار تحت التهديد بإطلاق النيران علي من يرفض الهرب وقد بلغ عدد المجرمين الهاربين إلي ما يقرب من42 ألف مجرم. وكانت هناك بالخارج سيارات إسعاف لنقل عناصر حزب الله وحماس. وقد تحركت سيارتان بسرعة للوصول إلي رفح. وقد تمكنت سيارة من الوصول إلي هدفها, وتم عبور من بها إلي رفح الفلسطينية عبر الأنفاق بعد4 ساعات فقط. أما السيارة الثانية فقد أوقفها أحد الكمائن وقد نشطت القوي المسئولة عن هذا الهجوم لمعرفة مكان عناصر حماس التي لم تتمكن من الهرب. واستنادا الي معلومات غير صحيحة تمت مهاجمة سجنين خلال الأيام التالية. وبعد عدة أيام وصلت عناصر حزب الله إلي لبنان وجري الاحتفال رسميا بوصولها. ونجاح مخطط تهريب عناصر حزب الله وحماس يشكل لطمة قوية لكل مصر, لا للنظام الحالي أو السابق أو حتي للثورة.. وستعيش مصر تحت وطأة هذا الجرح طويلا. وتشير أصابع الاتهام هنا إلي تعاون بين عناصر من القوي السياسية الاسلامية المتطرفة في مصر وعناصر من حزب الله وحماس, ويمكن أن تصل الأمور الي وجود تورط ايراني. وفيما يتعلق بالهجوم علي أقسام الشرطة, فقد لجأ المهاجمون إلي إحراق وتدمير هذه الأقسام والاستيلاء علي مابها من أسلحة وذخائر. مع حرق كل مابها من وثائق ومستندات وأوراق بجانب الإفراج عن المحتجزين. أما بالنسبة للقوات الموجودة, فقد أعملوا في أفرادها من الضباط والجنود القتل, وهناك من تم سحلهم أو تمزيق أجسادهم بالسيوف بوحشية غريبة علي المجتمع المصري وهناك من تم حرقهم أحياء. ويذكرنا بعض ماجري بأحداث الهجوم علي مديرية أمن أسيوط, وعدد من أقسام الشرطة بها عقب اغتيال الرئيس السادات عام.1891 والقسوة والوحشية المبالغ فيها تتجاوز حدود الثأر من الشرطة أو عمليات تصفية الحسابات أو العقاب علي الأخطاء الكثيرة والتجاوزات والجبروت التي تعاملت به عناصر من الشرطة مع المواطنين أو عمليات التعذيب داخل السجون والمعتقلات. ويمكن أن يكون الهدف الرئيسي إهانة الشرطة ككل وإهدار كرامتها وكسرها لإخراجها من الساحة تماما, وجعل عودتها وبالتالي عودة الأمن عملية بالغة الصعوبة. وواكب مثل هذا الهدف إطلاق سراح عشرات الآلاف من المجرمين من السجون, ومنهم معتادو إجرام وقتلة وبلطجية, وهؤلاء ما أن يتجاوزوا أبواب السجون حتي يبدأوا في ارتكاب الجرائم وترويع المواطنين وسرعان ما انضم إليهم غيرهم من البلطجية والمجرمين. وقد كان, ومازال الأمن مفتقدا في الشارع المصري, ومازالت الشرطة بعيدة عن ممارسة دورها ومسئولياتها باقتدار. والمستفيد الوحيد من غياب الشرطة, هو هذه القوي التي انطلقت تقتل وتقطع الأذان وتحاول إقامة الحدود وتهدم الأضرحة 06 ضريحا حتي الآن وتفرض سطوتها علي الشارع, وتشويه وجوه غير المحجبات بماء النار وغيرهم ممن كانوا يخشون الحركة في ظل وجود قوي الأمن. وأسهم في نشر الفزع انطلاق نيران بكثافة ولعدة أيام بعد اختفاء الشرطة من عدد من السيارات والميكروباصات التي كانت تتحرك في شوارع القاهرة ومدن أخري. وهناك من أكد أن هذه الأسلحة من تلك التي تم الاستيلاء عليها من داخل أقسام الشرطة ومخازنها التي هوجمت أيضا. وهذه السلسلة المترابطة من الجرائم والتي استكملت حلقاتها بإحراق المحاكم ودور النيابة ومقار أمن الدولة بكل ما تضمنته من قتل وتدمير وإحراق لا يرتكبها إلا قتلة وبأعداد كبيرة, فمن هم؟ وإذا لم يكونوا في أيدي سلطات التحقيق الآن, فأين هم؟ ثم ألا يستحق مثل هذا الهجوم الواسع النطاق قدرا مساويا من الاهتمام, قدرا مساويا لبشاعته وقسوته وأهدافه؟ وألا يستحق الرأي العام إحاطته علما بالمعلومات التي توافرت للسلطات عن المهاجمين والمخططين, والقوي التي شاركت أو تعاونت داخلية كانت أو خارجية؟ المزيد من مقالات عبده مباشر