قيم ولدت من رحم ثورة25 يناير رددها الشباب أثناء الثورة, وخرجت من ميدان التحرير لتجد طريقها إلي كل ميادين وشوارع مصر لتكون مبادئ لميثاق شعبي واتفاق اجتماعي يحكم سلوكيات المصريين في حياتهم اليومية بعد ثورة25 يناير بديلا عن القيم التي كانت تحكم العلاقات بين أبناء الشعب المصري قبل الثورة التي كانت نتاج فساد سياسي واجتماعي واقتصادي. وأصبحت الآن تجد من يراقبك في سلوكك بالشارع فإذا شرعت في ارتكاب خطأ تجد لافتة في الشارع خليك ايجابي.. خليك صح.. دي بلدك أنت.. ماترميش زبالة.. ماتكسرش اشارة.. ماتدفعش رشوة.. ماتزورش ورقة.. اشتكي أي جهة تقصر في شغلها.. فرصتك تبني بلدك بايدك.. عهد جديد. هذه العبارات هي استعادة لمنظومة القيم الاخلاقية, حيث وصلت الاوضاع في مصر قبل الثورة لوضع مأساوي, فجرائم التحرش الجنسي في الشوارع والميادين العامة وجرائم قتل الابن لأبيه وأمه وبقية الجرائم التي يندي لها الجبين, لكن المجتمع اعتاد عليها لتسيير أموره اليومية. تنوعت آراء اساتذة الطب النفسي وعلم الاجتماع حول تداعيات التشوه الاجتماعي في منظومة القيم الاخلاقية قبل الثورة, واتفقوا علي التغيير الذي حدث في هذه القيم والذي صاحب الثورة. يقول الدكتور سعيد عبدالعظيم استاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة إن الأوضاع قبل ثورة25 يناير تعني أن هناك مشكلات واضحة أولاها الفقر. حيث ان40% من الشعب المصري يعيش تحت خط الفقر وأن متوسط الدخل اليومي للفرد لايزيد علي دولارين وهذه النسبة من الفقر التي تقترب من نصف المجتمع تتوقع منها الانحراف والجريمة, ومن أهم الجرائم التي تقوم بها هذه النسبة جرائم الرشوة. كما أن الفساد والذي ظهر في أبشع صوره من خلال قيام أجهزة الدولة الرسمية بمخالفة القانون وانتشار السلب والنهب وغياب الديمقراطية التي تعني الرقابة الشعبية مما سمح بالتسيب, أضف إلي ذلك انتشار العشوائيات وهي نمو شيطاني غير مخطط لمجتمعات غير مأهولة بمرافق, وفيها المواطنون لايعيشون حياة آدمية وهي بمثابة مراكز لتفريغ الجريمة علي مستوي مصر كلها. ويري الدكتور سعيد أن الفساد والافساد والفقر كانت اسبابا لانتشار أخلاقيات الجوع, والزحام ايضا اثر علي السلوكيات والعادات والتقاليد وقتل مخزون القيم الذي كان يشتهر به الشعب المصري وكان القانون في اجازة, وهناك حديث شريف إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد فإذا لم يكن هناك عدل وقانون يحترم ومعمول به فهناك ظلم وفساد. ويري الدكتور محمد محيي الدين أستاذ علم الاجتماع بآداب المنوفية أن سلوك الإنسان هو نتاج لما يحدث حوله من ظروف اجتماعية واقتصادية في لحظة معينة ومعظم شرائح المجتمع المصري عاشت علي مدار40 عاما معتمدة علي الريع سواء كان ناتج قناة السويس أو السياحة أو البترول أو غيرها واختلت العلاقة بين الجهد والمردود التي يوجد في قلبها قيمة رئيسية هي العمل وعندما تختل هذه العلاقة تختل معها كل القيم الاجتماعية في المجتمع, هذا ما حدث في المجتمع المصري قبل ثورة25 يناير واصبحت الغايات هي الأهم وليست الوسائل, وظهرت مقولة الغاية تبرر الوسيلة والمفترض ان الدولة تعطي النموذج للسلوك أو الكيفية التي يجب أن يتصرف بها المواطنون, والدولة قبل قيام الثورة وضعت نموذجا للسلوك المعوج سواء كان في الاقتصاد أو السياسة أو في احترام القانون ومحاولة الدولة في الالتفاف حوله لعدم احترامه وتنفيذ احكامه. ويقول الدكتور محيي الدين إن ثورة25 يناير أعادت الشعب للمنظومة السياسية, لكن نجاح ذلك واستمراريته يعود إلي قوة الاحزاب والحركات السياسية, ومدي تمتع النظام السياسي القادم بقدر من الشفافية,وهذا يتطلب التمسك بأهداف الثورة والعمل علي التثقيف السياسي لابناء الشعب المصري, فالدول لم تؤلد ديمقراطيات والشعب سيتعلم بالممارسة والتجربة, وما حدث من تلاحم بين مختلف فئات الشعب أشبه ما يكون بمجتمع مثالي أو مدينة فاضلة داخل ميدان التحرير, فلم نجد رجلا يتحرش بامرأة أو حادث سرقة أو بلطجة, والثورة تؤكد أن هناك مخزونا تاريخيا لدي الشعب المصري تم استدعاؤه في لحظة, وأن الشعب المصري لديه طاقات خروج أحسن ما فيها أو أسوأ ما فيها يعتمد علي السياق العام الذي يعيشون فيه, وبعد40 عاما من الفساد والتسيب من الضروري أن يكون للدولة دور في تغيير اخلاقيات وسلوك المواطنين من خلال احترامها للقانون والمساواة واقامة العدل ورفض الغش والوساطة والمحسوبية, وأن تجعل من الجهد والعمل معيارا ووسيلة. وأوضح الدكتور سمير نعيم أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن ثورة25 يناير جاءت لتعيد ما تم تجريفه ماديا ومعنويا من قبل النظام السابق وماحدث من تجريف للإنسان المصري نظرا لفساد القدوة والتعليم والإعلام والخطاب الديني, وما ترتب علي ذلك من خلل خطير في منظومة القيم الاجتماعية, بمجرد أن قامت الثورة شاهدنا انقلابا في منظومة القيم لدي الشباب, فانقلب الجبن والخوف إلي شجاعة, واللا انتماء إلي وطنية والانانية إلي غيرة, وهذا ما ظهر في المجتمع المصري بداية من ميدان التحرير الذي احترمت فيه الاديان والمرأة. ويؤكد الدكتورنعيم أن نسبة الجرائم قلت عما كانت قبل الثورة, وأن ما يحدث من وجود بعض الفوضي من قلة تريد أن يكون هناك فوضي, والشعب المصري كان متلهفا علي المشاركة السياسية, والدليل هو المليونيات التي يخرج فيها الشعب لميدان التحرير. أما الدكتور سعيد صادق استاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية فيقول: إن الثورة ليست تغيير اشخاص أو سياسات أو حتي نظام بقدر ما هي تغيير لثقافة, فالثوار اطلقوا قيما بعينها كالتطهير, وقد بدأ فعلا التطهير بكل معانيه حتي في الشوارع ومن ميدان التحرير وتغيير السلوكيات السيئة في الشارع المصري, فالثورة خلقت ثقافة جديدة, البوسترات واللافتات انتشرت في الشوارع تطالب بالقيم التي جاءت بها الثورة, وترفض السلوكيات المعيبة للمواطنين, فمنها ما يتم تعليقه علي السيارات المخالفة حضرتك راكن في الممنوع وهذه ليست قيم الثورة. لقد كان الأثر الأول الذي جاء مع الثورة قبل التغيير السياسي والاقتصادي, هو أن هناك ميثاقا واتفاقا اجتماعيا جديدا, خرج من ميدان التحرير, فرأينا الصلاة والقداس في مكان واحد والهلال والصليب متلاصقين ليؤكدا وحدة الشعب, والأعلام المصرية دليل علي القومية والانتماء, وشعار أرفع رأسك فوق انت مصري وأصبح المواطن المصري فخورا بمصريته وتولد لدي الشباب الأمل وضاع الشعور باليأس. والثورة المصرية نادرة بمقارنتها بالثورة الفرنسية والايرانية فنجد أنها أقل عددا من حيث الخسائر في الأرواح, وأكبر حجما في المشاركة الشعبية وأقل تكلفة من الناحية الاقتصادية, والشعب المصري أعاد اكتشاف نفسه في ثورة25 يناير.