كان التفاعل واضحا بين المتحدثين ومئات الحاضرين من اعضاء هيئات التدريس والطلاب, في القاعة التي عقدت بها ندوة مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط, تحت عنوان: رؤية لمستقبل مصر بعد ثورة52 يناير, وأدارها مدير المركز الدكتور محمد إبراهيم منصور, ومعه الدكتورة سحر عبد الجيد المدير التنفيذي للمركز. وبرغم تناول كل من المتحدثين الخمسة محورا معينا, فإن أفكارهم تلاقت حول نقاط مشتركة, وهي: أن مصر إنتقلت بالفعل إلي المستقبل, ولا رجوع عنه, إلا أنهم جميعا جمعتهم النظرة نفسها إزاء ظواهر مثيرة للقلق, والشعور بأن هناك شيئا مازال ينقص العملية السياسية, ولم تختلف رؤية المتحدثين, عن الملاحظات التي طرحت في القاعة. لقد شاركت بورقة عمل في هذه الندوة بحكم عضويتي في مجلس إدارة مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط... ونظرا لأهمية الرؤي التي عرضها المتحدثون, وهم من الشخصيات العامة, ذوي الخبرة والمواقف الوطنية, فسوف أحاول عرض بعض النقاط المهمة التي جاءت فيها, وربما كانت الكلمة التي قدم بها الدكتور محمد منصور للندوة, تعكس مضمون الندوة, حين قال: إن هذه الثورة وجدت لتبقي, لكنها كأي ثورة محاطة بأخطار, ولهذا كان القلق العارم علي الثورة ومستقبلها. كان السفير محمد رفاعة الطهطاوي قد وصل بسيارته من القاهرة التي غادرها الساعة السادسة صباحا, حتي يتمكن من قضاء اليوم السابق في ميدان التحرير مشاركا في جمعة إنقاذ الثورة, وقد أستهل حديثه بالقول أننا قمنا بثورة لم تكتمل لأنها لم تصل للآن إلي قيام سلطة ثورية, فلاحظنا نقصا في الشفافية, وقرارات تأخرت. وركز علي أن الثورة ستكون قد حققت أهدافها, حين يكتمل قيام نظام ديموقراطي حر, يختار فيه الشعب حكامه, ويحدد لهم سياستهم. وأكد ضرورة تأكيد الهوية الحضارية العربية والاسلامية لمصر, وأن تقوم سياستنا الخارجية علي رؤية مستقلة, وسياسة تضعها موضع التنفيذ. الدكتور علي الغتيت أستاذ القانون والمحامي الدولي, وعضو لجنة السبعة للوصول إلي الأموال المنهوبة واسترجاعها, تحدث عن إعادة الأمور إلي أصلها, فالشعب هو صاحب السيادة, وإذا كان هذا المفهوم مقلوبا في مرحلة تاريخية في مصر, حين كان المشرع يسمي الناس عبيد السلطان, فإن من كان يجلس علي كرسيه كان يتقمص دور السلطان. وقال: نحن في صدد غياب رؤية حقيقية لوضعنا النفسي والدستوري, بسبب ما كنا نعانيه من قحط في العمل والممارسة السياسية. ومادمنا أمام مهمة بلورة رؤية مستقبلية لمصر, فإن ذلك يبدأ بأن يحدد الشعب دوره, وأنه هو الذي يحدد للحاكم الرؤية حتي يكلفه بها. السيدة أنيسة حسونة الأمين العام للمجلس المصري للشئون الخارجية, اهتمت بالحديث عن المجتمع المدني, بحكم أنها ناشطة فيه, وبدأت بعرض الملاحظات المطروحة علي نتيجة الاستفتاء, والإعلان الدستوري, وأن الناس تطالب برئيس للجمهورية أولا, وأن الفترة المتبقية غير كافية لقيام أحزاب فاعلة, وبضرورة تحديد سقف للانفاق المالي في الانتخابات, وعدم استخدام شعارات إنتخابية مستفزة لآخرين, وقالت: إن الناس مازالوا يشعرون بالقلق من استمرار نفس أعضاء المجالس المحلية في مواقعهم, وذكرت أن من المشكلات العاجلة الآن, التحديد الواضح للعلاقة بين المواطنين من جهة, وبين المجلس العسكري والحكومة من ناحية أخري, وأن يخرج رئيس الوزراء للناس يشرح لهم خطة حكومته, وما الذي تفعله. السفير عادل الصفطي مساعد وزير الخارجية السابق, وهو كان يبيت في ميدان التحرير أثناء الثورة, بدأ حديثه بقوله أن بلدنا كان قد أصبح مهيض الجناح اقليميا ودوليا, فلم تكن توجد سياسة داخلية فعالة, وبدونها لم يكن ممكنا وجود سياسة خارجية. وتحدث عن عدم وجود مشروع قومي تبني عليه مصر, ويلتف حوله المصريون, واقترح أن يكون التعليم هو محور هذا المشروع, ويلحق به مشروع لمياه النيل. دارت كلمة كاتب هذه السطور عاطف الغمري علي أن ثورة52 يناير قامت تحمل أهدافا ومطالب, وهي أن تلحق مصر بالمستقبل الذي أخرجها النظام السابق من عجلة دورانه, وأن الوصول إلي ذلك له نقطة بداية هي صياغة رؤية استراتيجية, تبلور هوية الدولة, وتحدد الهدف الذي تريد بلوغه, ووضع خطة عمل مفصلة لها معايير وآليات للتنفيذ. وأن يبني علي هذه الرؤية, مشروع قومي للنهضة وصحوة للأمة, يعمل علي تعظيم طاقاتها, من أجل تنمية تحقق لها القدرة الاقتصادية التنافسية, ويطلق طاقات الدولة في كل شرايين صنع التقدم مثل التعليم, والصحة, والبحث العلمي, والتكنولوجيا, والثقافة, والفنون, وغيرها, مع تركيز خاص علي إحداث ثورة في النظام التعليمي, مناديا بضرورة قيام مجلس أمن قومي, يضم أرفع مستويات الخبرة, والمعرفة, والرؤية السياسية. ... وحين انتهت كلمات المتحدثين تفاعلت القاعة, بتداخلات ساخنة وواعية, مع كل ما قيل, وطرحت العديد من الأفكار, شارك فيها ممثلون عن الكنيسة وجامعة الأزهر في أسيوط, ومن طلبة اكتملت بآرائهم دائرة النقاش, وكلها اتفقت علي أن الثورة قامت لتستمر, لأن وراءها طوفانا هادرا من إرادة الأمة, وإصرارا علي أن تستكمل الثورة كل أهدافها ومطالبها. المزيد من مقالات عاطف الغمري