في سابقة لم تحدث من قبل في دول العالم إحتلت أحداث25 يناير في مصر الكثير من المقالات والتحليلات في صحف العالم بخلاف التغطية الإخبارية . وكان ملفتا للنظر علي وجه التحديد أن كبار كتاب المقالات في الصحف الأمريكية قد اختاروا الثورة المصرية موضوعا لمقالاتهم ومنهم كثيرون لم يكتفوا بالكتابة من بلدهم, بل حضروا إلي القاهرة ونزلوا ميدان التحرير وأمضوا ساعات طويلة هناك ليكتبوا مقالاتهم من داخل الميدان. تضمنت كثير من المقالات إشادة بالثورة المصرية وإظهار الإحترام والتقدير للشعب المصري بطريقة غير مسبوقة, ومن العبارات الملفتة للنظر قول أحدهم إن شرايين شعوب المنطقة تنبض بقوة الثورة في ميدان التحرير.فقد كانت الثورة بإعتراف المراقبين الأجانب كالزلزال الذي كان مركزه مصر, لكن توابعه بدأت تهز كل أرجاء المنطقة العربية وهو ما شهدناه من إنفجار المظاهرات التي تطالب بالتغيير وبإسقاط الأنظمة في اليمن وليبيا ثم أخيرا سوريا. وكانت مجلة الإيكونومست البريطانية قد تناولت هذا المعني بشكل محدد حين قالت في تغطية لها من القاهرة أن ما يجري في مصر معبأ بالكثير من المعاني للمنطقة المحيطة وليس لمصر وحدها, وأن المصريين يعرفون أن المنطقة كلها تراقب باهتمام ما يحدث في مصر وتتطلع لكي تطرح الثورة ثمارها وأن شعوب المنطقة مهتمة بإنهاء حكم نظام بوليسي قمعي لم يكن يخضع للمحاسبة, وأن تلك هي معضلة الحكم الأبدي لديكتاتور يرفض أن يترك مقعد الحكم نهائيا. إن كثيرا من الأسباب تجذب إنتباه الشعوب العربية كلها نحو الثورة في مصر والخوف عليها كأنها تخصهم مثلما تخص المصريين, ومن بين هذه الأسباب أن مصر دولة محورية في المنطقة ويعرف العرب أنه إذا قويت مصر زادت قوتهم وإذا أصابها ضعف فهم يضعفون كذلك. وطوال السنوات الماضية كان يجمع الشعوب العربية إحساس بالمساس بكرامتهم نتيجة غطرسة إسرائيل في مواجهة القضية الفلسطينية وإستهانتها بالدول العربية, وهو ما كان يمس كرامتهم الوطنية لشعورهم بأن الدول العربية لا تفعل شيئا لكي توقف إسرائيل عند حدها.كانت عملية الاغتيال الاجرامي المنظم من جانب الجيش الاسرائيلي لفلسطينيين داخل الاراضي المحتلة يقابل بمجرد اطلاق تصريحات بالاستنكار أو الإدانة بينما كانت الشعوب العربية تتوقع أن تلجأ حكوماتها إلي الإستناد إلي القانون الدولي والمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية للإستفادة من القواعد القانونية التي تجرم إسرائيل وهو ما لم يكن يحدث, وكانت الشعوب العربية تنظر في غضب إلي مصر علي وجه التحديد والتي كانت تتوقع منها أن يكون لها موقف في مواجهة تصعيد إسرائيل لعملياتها العدوانية ضد الفلسطينيين أو عمليات إطلاق نار علي جنود مصريين من وراء الحدود, وكان هناك اقتناع عام في الشارع العربي بأن إضعاف كيان المواطن داخل بلده, وإهدار كرامته عن طريق بطش أجهزة الأمن لابد أن يضعف من مكانة الدولة نفسها في مواجهة تصرفات إسرائيل, فكلما ضعف المواطن وتم تهميش دوره في دولته وتخويفه بالإجراءات الأمنية أصيب بمظاهر سلبية وأحيانا عدم الإنتماء. وهذا ما حدث لغالبية المصريين في ظل وجود حاكم لا يهتم سوي بالمحافظة علي وجوده الأبدي في الحكم ويجعله يركز كافة جهوده علي نفسه, وكانت النتيجة استشراء الفساد في جميع مؤسسات الدولة وتراجع دور مصر عربيا وإفريقيا بصورة ملحوظة وتضخمت أدوار دول أخري مثل تركيا وإيران التي وجدت الساحة العربية مفتوحة أمامها. كل ذلك أثر بالسلب علي صورة العرب في الخارج وعلي الطريقة التي تتعامل بها الدول الأخري معهم. ثم جاء يوم25 يناير لينقلب الحال وتتحقق مطالب شعب أراد فتحقق له ما يريد, وتتغير نظرة العالم لمصر. [email protected]