ميلانو: هند السيد هاني بقدر ما أدهشت الثورة المصرية العالم اثارت ايضا ترقبه لما سيكون عليه شكل مصر الجديد ومن ثم يتغير الكثير في العالم معها. ومن أهم اوراق الاختبار المطروحة حاليا مستقبل الاستثمارات الاجنبية العاملة في مصر.. فلا يخفي عن احد التسهيلات التي قدمتها القاهرة في العهد البائد الي حد تبديد ثروات البلاد في اجل جذب استثمارات اجنبية. وربما تتوقع العديد من الشركات الاجنبية ان تتم مراجعة المزايا الهائلة التي تمتعت بها في الاعوام السابقة الي حد تحقيق ارباح احتكارية في ظل التحقيقات الموسعة التي تجريها السلطات المصرية في ملفات فساد ضخمة. وتتجسد في مدينة ميلانو العاصمة الاقتصادية لايطاليا هذه الحالة من الخوف. فالمدينة مقر لشركات عملاقة مستثمرة في مجالات عدة في مصر مثل الطاقة حيث تعد شركة ايني العملاقة اكبر منتج للغاز الطبيعي في مصر. بينما تسيطر شركة ايطالتشمنتي علي سوق الاسمنت المصرية محققة اباحا هائلة تتجاوز300 مليون دولار سنويا في, وبيريللي في مجال الاطارات, وفي الخدمات المالية يمتلك بنك انتيزا سان باولو نحو70% من اسهم بنك الاسكندرية احد اكبر البنوك المصرية, فضلا عن مجالات اخري مثل المنسوجات والاتصالات والسياحة. وتساهم نحو400 شركة ايطالية في636 مشروعا استثماريا في البلاد, من بينها237 مشروعا صناعيا لتحتل ايطاليا المركز الخامس بين اهم الدول الاوروبية المستثمرة في مصر طبقا لبيانات الهيئة العامة للاستعلامات . وتتشعب العلاقات الاقتصادية المصرية الايطالية ليبلغ معدل التبادل التجاري بين البلدين ما يزيد عن4 مليارات يورو العام الجاري, وتكون بذلك ايطاليا ثاني شريك تجاري لمصر في العالم بعد الولاياتالمتحدة كما انها اكبر سوق للمنتجات المصرية في العالم. ومن اللافت, ان التقارير السنوية لمعظم الشركات الايطالية الكبري المستثمرة في مصر تظهر حجم الارباح الهائلة التي تحققها, حتي انها اعزت للسوق المصري وبعض اسواق الدول النامية الاخري الفضل في تجاوز الركود الذي لا زالت تعاني منه داخل الاسواق الاوروبية من جراء الأزمة المالية العالمية التي نشبت عام.2008 وفي الوقت الذي تحاول فيه مصر تحقيق توازن بين توفير بيئة استثمارية جاذبة والحفاظ علي ثروات البلاد وعدم تبديدها لصالح شركات اجنبية تتبني سياسات احتكارية ضد المواطن المصري, تظل هناك امور غامضة امام المستثمرين الاجانب تجعلهم يفكرون مرتين قبل التوجه الي مصر. ويري الاقتصادي الايطالي الشهير جويدو تابلليني ان هناك عنصرين لايزالان مجهولين. بالنسبة للغرب سيحددان مصير الاقتصاد المصري. او لاهما: التحول السياسي و شكل النظام الجديد... هل سيكون علي الطراز الايراني, ام التركي, او حتي الباكستاني؟ مشيرا في مقال له بصحيفة ال سولي24 اوريه الاقتصادية الي ان المؤشرات الظاهرة حت يالان وسلوك القوات المسلحة المصرية ترجح انتقالا تجاه نظاما ديمقراطي في مصر يتمتع بالانفتاح والنزاهه, وان كان الوقت لا يزال مبكرا للتنبؤ بالشكل النهائي علي حد تعبيره. اما العنصر الآخر, فيتعلق بالانعكاسات الاقتصادية للديمقراطية. ويطرح تابلليني تساؤلا: هل سيؤدي نجاح مصر في التحول الي ديمقراطية حقيقية الي دعم آفاق النمو الاقتصادي في مصر ام اضعافه؟ ويشرح المفكر الايطالي ان الخبرة التاريخية حول فترات التحول السياسي في مختلف دول العالم تؤكد ان اضطراب العملية الانتاجية والتباطؤ الاقتصادي هما لازمة حتمية للفترة الاولي من الانتقال السياسي, وبعد اعوام قليلة من تدعيم اسس الحياة الديمقراطية, يشهد الاقتصاد انتعاشا كبيرا يفوق ما كان عليه الحال قبل سقوط النظام السابق, الا ان درجة ذلك الانتعاش تعتمد علي عوامل تتعلق بالمناخ الاقتصادي ومدي الانفتاح الاقتصادي الذي سمحت به البلاد خلال فترة التحول ذاتها. وبعد أن بدأت الشركات الايطالية المستثمرة في مصر تستأنف انتاجها و بتجاوز المشاكل الاولي التي اعقبت الثورة مثل اضراب العاملين من اجل زيادة الدخول, و اضطراب حركة النقل, وبعض الاعمال التخريبية المحدودة نظرا لغياب الامن, ساد قلق اكبر حول ما قد يطرأ من تغييرات علي المدي الطويل, وبشكل خاص ازاء احتمال تغيير السياسات الضريبية فيمصر وتذبذب سعر الجنيه المصري, فضلا عن قيام الحكومة المصرية بمراجعة اسعار الغاز والبترول التي تستفيد منها تلك الشركات. وبالرغم من ذلك, فان الكثير من المراقبين يرون ان الوضع السابق لم يكن مثاليا لمزاولة النشاط الاقتصادي لما ارتبط به من ضرورة دفع رشي لتسيير الاعمال وغياب سيادة القانون. ولا تنفصل هذه القضية عن اقامة سوق اوراق مالية قوية تدفع عجلة التنمية الاقتصادية. وقد علق مارك روا استاذ القانون بجامعة هارفارد الامريكية في تصريحات لوسائل الاعلام الايطالية بأن الاستقرار القمعي الذي كان يفرضه مبارك في مصر لم يكن مناخا سليما من اجل نمو السوق المالي. واوضح ان النظم السلطوية التي لا تتبني عدالة في توزيع الثروة تفتقد اسواقها المالية اسس الاستمرارية, حيث انها تخلق بذور سخط عام قد ينفجر في اي لحظة ويؤدي الي انهيار رأس المال وبالتالي فانها تفقد ثقة المتعاملين. وعلي النقيض فإن النظم الديمقراطية تتمتع بآليات حماية لرأس المال علي المدي البعيد, ترتكز علي الرضائية بين ابناء الشعب. وبعد سقوط قانون السيرك الذي حكم نشاط رجال الاعمال في مصر بمبدأ حركة بهلوانية اكثر.. ربح اكبر , وجعل البلاد تحقق معدلات نمو مرتفعة عالميا.. فان وجود حكومة نزيهة تطبق قانون لا يعرف الاستثناء يظل الشرط الاهم لرفاهية الشعوب.