برغم ان الإسلام يدعو إلي قوة اتباعه وأكد ان اليد العليا خير واحب إلي الله من اليد السفلي.. فإن كثيرا ما يثور تساؤل حول ما يرد من نصوص حول تفضيل الفقر علي الغني من خلال بعض القيم الإسلامية. التي يفهم منها ان الإسلام يحث علي الفقر مثل الزهد والقناعة والرضا, فهل هذا يعني ان للفقر مزية في الإسلام علي الغني ام ان هناك مغزي آخر لهذه المفاهيم.. وكيف نوفق بين ذلك؟ يشير الدكتور محمد عبدالحليم عمر الاستاذ بكلية التجارة جامعة الأزهر إلي انه وجد في التراث الإسلامي عن بعض المتزهدين والمتصوفة ان الإسلام يفضل الفقر علي الغني وبالنظر في هذه المقولة نجد انها تخالف اصول الإسلام كما ورد في الكتاب والسنة ورد عليها كثير من علماء الإسلام ولذا يكفينا هنا لدحض هذا القول أن الله سبحانه وتعالي يقول: يا ايها الذين امنوا لاتلهكم اموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ولم يقل سبحانه لا يكن لكم اموال ولا اولاد, بل طلب في وجودهما عدم التلهي بهما عن ذكر الله كما ان الرسول صلي الله عليه وسلم استعاذ من الفقر وجعله في ذلك قرين الكفر في الحديث المعروف اللهم اني اعوذ بك من الكفر والفقر كما ان للزهد علي غير حقيقته, فالزهد هو انصراف الرغبة عن شيء إلي ما هو خير منه ويكون ذلك بترك الشيء مقابل اخذ ماهو خير منه كالبائع يترك السلعة مقابل الثمن فلابد اولا ان يملك الشيء أو السلعة, وكذلك الزهد يكون في المال الذي في يدك بإنفاقه وليس بعدم الحصول عليه من الاصل, وهذا ما يوضحه الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم في قوله الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا اضاعة المال, ولكن الزهادة في الدنيا ان تكون بما في يد الله تعالي أوثق منك بما في يدك. ويضيف ان الإسلام حارب الفقر في جميع مراحله وبجميع السبل التي تحفظ للامة استقرارها وتوفر لها حد الكفاية, لذلك وضع الإسلام اسسا متينة لعلاج مشكلة الفقر, وقد سبق في ذلك كل الانظمة الحديثة في تعريف الفقر والفقراء وقدم حلولا لهذه القضية حتي يعيش المجتمع متماسك البنيان تسوده المودة والرحمة, وباستعراض النصوص القرآنية التي تتصل بهذه القضية فنجد ان قضية الفقر والفقراء وردت بكثرة يمكن استعراضها علي النحو التالي لفظ الفقر والفقراء ورد 13 مرة, منها ما يوضح ان الناس فقراء إلي الله ومنها ما يشير إلي الشيطان يعد الناس بالفقر, ومنها ما يأمر باعطاء الفقراء جزءا من الاموال لفظ الغني والاغنياء ورد في القرآن الكريم 26 مرة منها 21 مرة تقرر ان الله هو الغني, وخمس مرات وردت صفة للبشر, لفظ المسكين افرادا وجمعا ورد 23 مرة, وكلها تأمر وتحض علي انفاق الاموال عليهم واطعامهم ورعايتهم ماديا واجتماعيا, لفظ السائل للمال ورد اربع مرات وفيها جميعا الأمر والحث علي اعطائهم, لفظ الضعفاء اقتصاديا ورد4 مرات فيها اعفاؤهم من التزامات معينة أو حثهم علي إزالة اسباب الضعف, لفظ المحروم اقتصاديا ورد مرتين فيهما تقرير ان لهما حقا في مال الاغنياء, لفظ الزكاة والتي فيها نصيب للفقراء بانواعهم ورد32 مرة, لفظ الصدقة والتي تأتي مرادفة للزكاة وبمعني الصدقات التطوعية وردت 16 مرة وكلها تحث علي الصدقة وتأمر بها, لفظ الاحسان إلي الغير ورد 63 مرة تتنوع بين الأمر بالاحسان وبيان قبول المحسنين عند الله وحبه سبحانه لهم, لفظ الانفاق في سبيل الله والذي يشمل جميع وجوه الخير ومنها رعاية الفقراء والمحتاجين ورد 70 مرة. ومن هذا الحصر الموجز والذي تبين فيه ان القرآن تناول القضية في 235 موضعا يتضح مدي اهتمام الإسلام بهذه القضية, فضلا عن عناية السنة النبوية الشريفة بهذا الأمر مما يصعب معه اجراء دراسة احصائية تحليلية لقضية الفقر والفقراء في السنة النبوية الشريفة, إلا انه باستعراض خمسة عشر كتابا وجد ان لفظ الفقر والفقير والفقراء ورد 157 مرة واغلبها يدور حول رعاية الفقراء مما يبين مدي اهتمام السنة النبوية بهذه القضية, ومع مراعاة انه توجد الفاظ اخري عديدة تتصل بالقضية وردت في السنة مثلما وردت في القرآن, وهذا يؤكد ان الإسلام لايفضل الفقر علي الغني كما يزعم البعض.