سنفتقد كثيرا الأخ العقيد معمر القذافي اذا ما اختفي من المسرح, فمن أين لنا أن نعثر علي حاكم يحمل تلك الألقاب المميزة والمبهرة والمضحكة في الوقت نفسه, ومنها ملك ملوك إفريقيا, وعميد الحكام العرب, وإمام المسلمين, والقائد الأممي, والثائر دائما وأبدا وإلي نهاية العمر. وسنجد صعوبة بعد اختفاء الجماهيرية والكتاب الأخضر, لقد أثري القذافي الفكر السياسي بكتابه الذي شطب به الفكرين الرأسمالي والاشتراكي وأثبت أن نظريته الثالثة هي التي ستقود العالم وتهديه إلي الصواب, وهكذا أصبح القذافي يقف في صف آدم سميث وماركس, كما أن الديمقراطية هي ديموس كراسي أي جلوس الدهماء علي الكراسي, وأنها قد عفا عليها الزمن, وأن عصر حكم الجماهير قد بدأ, فلا رئيس ولا حكومة ولا وزراء, الجماهير هي التي تقرر وتحكم عبر المجالس الشعبية في كل مكان. وهكذا تحولت ليبيا من جمهورية الي جماهيرية لتلهم العالم نظريتها الجديدة التي تتضمن إعادة الأمور الي نصابها وإعادة الحق الي أهله. سنفتقد خيمة القذافي التي يصحبها أينما ذهب ليقيم فيها, وعلي كل الدول التي تدعوه إلي زيارتها أن تقبل به وبخيمته, وبهذا السلوك الأصيل يعبر الرجل عن أصالته وتمسكه بتقاليده القبلية, وبما أنه يحمل للدول التي يزورها عقود شراء بالمليارات من الدولارات, وبما يدعم اقتصادها, فإن من الغباء أن ترفض دولة السماح للقذافي الاقامة في خيمته في أي حديقة عامة أو خاصة يختارها, وقبول الخيمة يعني القبول باصطحاب العدد الكافي من النوق التي توفر له حاجته من لبن الإبل, فالرجل لا يطيق الحياة إذا لم يشرب حليب النوق عدة مرات يوميا. وهذا الرجل أعاد لنا لمحات من عصر هارون الرشيد, فأينما تحركوا تتحرك, معه وحدة الحراسة النسائية التي تتكون من04 حارسة جميلة واللاتي تؤمن إقامته وتحركاته بالإضافة الي قافلة من الممرضات علي رأسهن الممرضة الأوكرانية جالينا كولوتنيتسكايا التي بدأت العمل معه منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي. وللتدليل علي أهمية وجودها بجواره نقول: إن تأشيرة دخولها الي البرتغال قد تأخرت فسافر علي رأس الوفد دون أن تتمكن من الانضمام اليه, وبعد حصولها علي التأشيرة أرسل لها طائرة خاصة لكي تحضرها إليه. وهارون الرشيد في عز أمجاده, لم يحاول إرسال ولو حصان لإحضار جارية معينة لتكون بجواره. ومن المؤسف بعد غيابه أننا لن نسمع مقولاته الخالدة التي تنم عن رؤية ثاقبة وثقافة عميقة ومعرفة واسعة, مثل, قائد بلا شعب, وشعب بلا قائد, والمحروس يقصد ليبيا ومصر, ففي ليبيا هو القائد ولكن لايوجد شعب, أما في مصر فيوجد شعب ولكن بلا قائد, والرسالة شديدة الوضوح, أن تتوحد الدولتان فيصبح للقائد شعب, وقد يقبل القائد بكل تواضع أن يقود هذا الشعب الذي أصيب بالعقم فعجز عن إنجاب قائد. وبصفته فيلسوفا, أعمل الفكر وتفلسف ووضع نظريات تتفوق علي أعمال كل من سقراط وأفلاطون وأرسطو, ومن مقولاته المضيئة المرأة تحيض, والرجل لا يحيض, ومن تساؤلاته العميقة هل الموت ذكرا أم أنثي؟, ثم يجيب, لو كان رجلا لقاتلناه إلي النهاية, أما لو كان أنثي فلنستسلم له, ثم يقول: إن الرجل رجل, والمرأة مرأة, ولا يملك المرء إلا أن يقول الله وهو يسمع أو يقرأ ما كتبه أو نطق به الرجل. وباعتباره زعيما قوميا وعروبيا, لم يتوقف عن العمل من أجل وحدة عربية, وعندما أصيب باليأس اتجه الي إفريقيا لتوحيدها وطبعا تحت قيادته, وللأسف لم يتحقق حلمه في أن يكون رئيسا للولايات الإفريقية المتحدة, ولكن يكفيه أن الأفارقة منحوه لقب ملك ملوك إفريقيا. ومشاهدة العقيد جالبة للمتعة, فهو دائما يرتدي الجديد والطريف المبتكر من الأزياء المدنية والعسكرية, أما الاستماع إليه فمسل جدا, ولم يحدث أن استمع الناس الي خطابات فيها من التسلية والكوميديا أكثر من الخطابات التي ألقاها مع تصاعد الثورة. وتصل الي ذروة العظمة في الزعامة عندما نسمعه وهو يخير الليبيين بين استمراره في الحكم أو قتلهم, وهل هناك ديمقراطية في العالم أفضل من ذلك؟! أما فكرة وجود جيوش داخل الدولة بعدد الأبناء, فتعيد لنا مجد العصور الوسطي الذي شهد تألق الفرسان والفروسية, ولا أحد يدري كيف تحولت الفكرة الي واقع, المهم أن ابنه خميس يقود الوحدات الخاصة, وجيش هانيبال يضم002 دبابة فقط, ويتولي معتصم مسئولية مستشار الأمن القومي, وقد طلب من رئيس مؤسسة النفط خلال العام الماضي1,2 مليار دولار لدعم قواته, وبالطبع له كل الحق فإذا كان دخل البترول قد بلغ04 مليار دولار, فلماذا لا يحصل لنفسه علي هذا المبلغ؟ وهو يعلم أن كل أفراد الأسرة يحصلون علي مخصصات بجانب انغماسهم في صفقات من كل نوع بحثا عن التربح والعمولات السخية. ولسيف العرب قصة, فقد اتهم بتهريب أسلحة عام8002, ولكن تم إسقاط التهمة فيما بعد بفضل الضغوط التي مارسها والده علي السلطات الألمانية. وتحمل عائشة الابنة الوحيدة للقذافي رتبة فريق بالجيش الليبي, برغم أن عمرها43 عاما, ومما يذكر أنها اشتركت في فريق المحامين الذي تشكل للدفاع عن صدام حسين بعد اعتقاله. أما الساعدي(73 عاما) ولاعب الكرة الفاشل, فيمتلك قوة عسكرية صغيرة نسبيا قياسا بأخويه خميس ومعتصم. وخلال أيام الثورة برز سيف الإسلام كرجل قوي بعد خطاباته التي هدد فيها بحرب أهلية إذا لم يستجب الثوار لشروطه, وبدا أنه يتحمل مسئوليات قيادية رئيسية سواء علي القوات المسلحة أو قوات المرتزقة, أي أن سلطاته في الميدان العسكري أوسع وأشمل من سلطات إخوته, وان كانوا جميعا سيقاتلون دفاعا عن الدولة العزبة أو التكية التي آلت لهم بفضل انقلاب سبتمبر.9691 وعميد الحكام العرب إمام المسلمين, أكد في حوار تليفزيوني لقناة بي.بي.سي البريطانية, يوم الثلاثاء أول مارس, أن الشعب الليبي كله يحبه, وكلهم مستعدون للموت دفاعا عنه. أما الثوار والمتظاهرون فهم من رجال القاعدة. وقال في خطبة له يوم الأربعاء, إن المظاهرات تعم ليبيا تأييدا للقذافي القائد البطل, الشعب الليبي بملايينه يهتف من أجل القذافي. وإذا ما غاب الرجل عن المسرح, سنفتقد جدا مثل هذه الغيبوبة عن الواقع, والتي تعد نمطا كلاسيكيا لمثل هؤلاء الحكام. المزيد من مقالات عبده مباشر