مازالت الدولة تعاني من بقايا النظام الفاسد الظالم, فحتي الشهداء لم يسلموا من الكوسة ويبدو أن منطق الخيار والفقوس تم تطبيقه عليهم. فصور الشهداء المتداولة علي صفحات الانترنت ويفترش بها الباعة أرصفة الشوارع المصرية لم تعرف شيئا عن شهداء ومصابي المطرية وفيصل وحلوان والعديد من ميادين ومناطق مصر الأخري, وكأننا سلطنا الضوء علي نطاق جغرافي بعينه, أصبح محط اهتمام الاعلام دون غيره, وعندما اكتفي أهالي هؤلاء الشهداء المجهولين بفضل الشهادة وحقهم المحفوظ عند الله, فوجئوا بتقارير المستشفيات تسجل شهدائهم بأنهم بلطجية يوم الغضب. ولأن الوقائع تشير الي وجود أكثر من850 شهيدا في ثورة25 يناير فقد تنبهت لذلك بعثه نمساوية وقررت البحث عن باقي الشهداء وبالفعل تم ذلك بمساعدة الاعلامية هالة فهمي ودار ميريت للنشر حيث كونوا لجانا شعبية للبحث عن باقي الشهداء والمصابين وتم العثور علي38 شهيدا في منطقة المطرية وحدها فضلا عن فيصل وحلوان, وقد قامت البعثة بتكريم أهالي6 شهداء واثنين من المصابين بمثابة الدفعة الأولي, في دار ميريت يوم الجمعة الموافق11 مارس الجاري, بالاضافة الي توزيع تبرعات مالية لكل أسرة. وأشارت الاعلامية هالة فهمي إلي أن البعثة النمساوية أوكلت اليها مهمة البحث والتقصي أولا, لذلك سوف يتم تكريمهم علي دفعات لحين استكمال التحريات حول صحة تقارير المستشفي, فقد تردد أن هناك من يقدم أوراقا مزورة وينسب الشهادة لأحد من ذويه, ومن هنا جاءت فكرة تسجيل الشهداء في أجندة تخلد ذكراهم بمجرد استكمال كافة الاسماء. وتضيف: نسعي حاليا الي مخاطبة رجال الأعمال المصريين لتقديم مساعدات أكبر لأسر الشهداء تضمن لأطفالهم معيشة طيبة, أما المصابون فإننا نتصل بكل طبيب تبرع بمعالجة الحالات الخطرة عبر الفيس بوك, ونعرض عليه حالات الاصابة لدينا كل حسب تخصصه. فياسر سمير سيد مثلا شاب مصاب من المطرية بطلق ناري في كليته اليمني وطلق أمامي في البطن دخل الي المستشفي يوم الغضب وتم استئصال كليته ثم خرج لعدم وجود أسرة كافية للمصابين ورغم مرور هذه الفترة الطويلة إلا أن الجرح لم يلتئم. كما أن خياطته مشوهة فضلا عن شعوره المستمر بالدوار وهو صنايعي علي باب الله يعول أسرة كاملة. أما محمد عبدالرازق35 عاما شهيد يوم الغضب برصاصة في رأسه فكان أبا لثلاثة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر10 سنوات حيث يرفض الابن الأوسط البكاء علي والده قائلا: إنه في الجنة وتقول زوجته وأخته إنهما حبسوه يوم25 كي لا ينزل الي ميدان التحرير ونزل الميدان رغما عنهما يوم28 يناير ليلقي الشهادة, ولاتملك الأسرة من بعده أي دخل مادي حيث كان يستأجر محلا لبيع الدجاج. أما طارق محمد علي الذي استشهد برصاصة في قلبه فتقول والدته الشهر القادم كان سيتم عامه الثالث والثلاثين ولم تستطع استكمال جملتها من البكاء. وأصغر شهداء المطرية17 عاما مصطفي العقاد الذي يتمني والدة الا يذهب دمه هباء مؤكدا أنه لم يذق طعم النوم والراحة إلا بعد القصاص من القتلة الذين تعمدوا اطلاق الرصاص علي الرأس والقلب لتصفية الثوار والخلاص منهم. وترفض شيماء عبدالفتاح أحمد علي أن يعزيها أحد لأنها تري أن شهادة ابيها52 عاما جاءت فداء لروح كل مصري وأنها لاتريد شيئا سوي الاعتراف به ضمن شهداء ثورة يناير فقد أصابته القناصة عند الجامعة الامريكية. برصاصتين في الفخذين وتم اخراجهما في المستشفي يوم28 يناير وخرج لكثرة القتلي والمصابين وذهب الي بيته ساخرا من الوضع مهونا الأمر علي أسرته قائلا: ان الرصاص قطع بنطلونه, ومالبس أن ظل يوما آخر حتي تسمم دمه أثر هذه الرصاصات الفاسدة, وتشير شيماء19 عاما وهي في عامها الثاني بكلية العلاج الطبيعي أنها نزلت الي الميدان بتحفيز من ابيها مدرس اللغة الانجليزية هي وأخوها البالغ من العمر15 عاما, وكانت بصحبته عند قصر النيل تنفيذا لوصية ابيها ان ترعي اخاها بينما كان والدهما عند الجامعة الأمريكية. ومرت43 يوما ولم يتلق هؤلاء أي مساعدة أو تعويض رغم تقديمهم الأوراق اللازمة الي وزارة المالية التي صرحت لهم بأنها سمعت خبر التعويض زيها زيهم وأنها لم تتلق أوامر بصرف أي شيء. وتتوجه الينا هذه الأسر بسؤال: هل تنتظر الدولة تشريد أطفال وأسر هؤلاء الشهداء؟ إنهم لم يحصلوا من الحكومة المصرية لا علي تعويض مادي أو وعد بحياة مستقرة لأطفالهم كما لم يحصلوا علي تاج الشهادة لشهدائهم الأبرار.