كتب:محمد القزاز أكد الدكتور مصطفي كامل السيد, أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية, أن الثورة لم تكتمل بعد, ولابد من تغيير في القواعد القانونية والاقتصادية والاجتماعية. وقال في حواره مع شباب التحرير إن ما نشهده حاليا من اضطرابات وفوضي هو أمر طبيعي, ونتيجة ضرورية بعد كل ثورة, مؤكدا أن السياسة الخارجية لمصر لابد أن تكون انعكاسا للمصالح الوطنية المصرية. وإلي نص الحوار: هل نجحت الثورة؟ أنا أعتبر أن ما جري في مصر ثورة غير مكتملة, فالثورة في العادة تهدف إلي تغيير أساسي في البني الاجتماعية والسياسية والاقتصادية, فما حدث هو تغيير للأشخاص, وإلي حد ما بعض المؤسسات, لكن لم يتم تغيير في القواعد القانونية التي يجري عليها العمل, لأنه يجب حدوث تغيير في البنية الاقتصادية أو الاجتماعية. وكيف يكتمل نجاح الثورة؟ حتي يكتمل نجاح الثورة لابد من تغيير القواعد التي تحكمنا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, لابد من دستور جديد, فبعد كل ثورة يكون هناك دستور جديد, ومجموعة من القوانين الجديدة علي الأقل فيما يتعلق بالأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني, وكذلك ما يتعلق بالصحافة والإعلام, ولابد أن تكون هناك مؤسسات جديدة.. فهل سيبقي مجلسا الشعب والشوري, أم سيتم إلغاء مجلس الشوري؟.. هل سيحتفظ رئيس الجمهورية بنفس السلطات؟.. هل ستدار المؤسسات الجامعية والإعلامية بنفس الطريقة؟.. نحن بحاجة إلي مؤسسات جديدة, وإلي تغيير طريقة صنع القرار, ففي الماضي كان صنع القرار يتم بطريقة فوقية, الآن لابد أن يكون صنع القرار قائما علي المشاركة الواسعة, كذلك لابد من تغيير الأشخاص, فالأشخاص الذين كانوا يديرون في النظام السابق لا يمكن أن يكونوا نفس الأشخاص الآن. ما هي الطريقة التي تقترحها للتغيير؟ أقترح أن يكون أسلوب التغيير من خلال الانتخابات, فيقوم العاملون في كل مؤسسة باختيار رئيس مجلس إدارتهم, ويسري هذا أيضا في الجامعة, فيقوم الأساتذة باختيار عمداء الكليات, ويكون ذلك تدريجيا وليس بالضرورة الآن. ما رأيك في الاضطرابات التي تحدث من وقت لآخر؟ ما يحدث الآن أمر طبيعي, ونتيجة ضرورية بعد كل ثورة, وفي العموم لا يتم الانتقال من نظام إلي نظام آخر بطريقة منظمة وتدريجية, بل ان ما نشهده في مصر الآن هو أقل بقليل مما شهدته دول أخري, فالثورة إلي الآن ثورة سلمية, والعنف الذي شهدته مصر لا يقارن بأي حال من الأحوال بما حدث في الثورة الإيرانية أو الصينية أو حتي الليبية.. فأدوات الثورة في مصر كانت في الغالب سلمية, كما أن الثورة أدت إلي انهيار حاجز الخوف الذي كان يحول بين المواطنين وبين الإعراب عن مطالبهم, فانهار هذا الحاجز, ومن ثم وجدنا انفجارا في التعبير عن المطالب, وينبغي أن يكون هناك قدر من الحكمة في التعامل مع هذه المطالب. ما هي أفضل سياسة اقتصادية وخارجية خلال الفترة المقبلة؟ مع استقرار الحكومة الجديدة, لابد من وجود خطوط معينة لإدارة الحياة الاقتصادية خلال المرحلة الانتقالية, وبعدها من الممكن أن نعقد مؤتمرا كالذي عقد عام 1982 لوضع معالم لنهضة اقتصادية, ومصر مؤهلة لذلك بحكم اتساع السوق, وبحكم وجود الخبرات والحماس الكبير الذي دب في نفوس المصريين للثورة المصرية خارج مصر, فهي موضع إعجاب المجتمع الدولي, وهناك استعداد دولي للمساعدة في نهضة مصر. فلابد أن تكون السياسة الخارجية انعكاسا للمصالح الوطنية المصرية, فمصر قوة اعتدال في المنطقة, وهذا لا يعني أن تستجيب تماما لكل مطالب الولاياتالمتحدة وإسرائيل, وإنما لابد من وجود قدر من الحزم في مواجهة انتهاك إسرائيل للحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني والأراضي العربية. ولابد من عودة النشاط والخيال للسياسة المصرية, فالنشاط كان غائبا تماما عن السياسة الخارجية المصرية, فالرئيس السابق لم يكن يحضر اجتماعات القمة الإفريقية, وكثير من القمم العربية أو القمة الإسلامية, ورئيس الدولة في مصر يجب أن يكون حاضرا بنفسه في هذه المحافل, ولابد أيضا من الخيال حتي يمكن أن تتعامل مع بيئة إقليمية ودولية متغيرة. .. وهل كان قرار عبور السفينتين الإيرانيتين قرارا صائبا؟ قرار صائب جدا, والملاحة الدولية في العالم هي التزام بالمعاهدات, وهذا كان من الخيال السياسي الذي أدرك أن البيعة الإقليمية تغيرت, وأن سياستنا الدولية تغيرت أيضا, وغير مقبول أن نكون مجرد تابع, فإذا كان من المحتمل أن يلتقي رئيس الدولة برئيس الوزراء الإسرائيلي, فأولي أن يلتقي بالرئيس السوري, والرئيس الجزائري وأمير قطر, وأن نقيم علاقات طبيعية مع إيران, فالسعودية لها علاقات دبلوماسية كبيرة مع إيران, برغم أن إيران تمثل تهديدا أكبر للأمن القومي السعودي, ومع هذا لم تنقطع العلاقات أو الاتصالات, وكذلك إذا نظرنا إلي علاقة إيران بالإمارات وهل تحتل ثلاث جزر إماراتية, فهناك علاقات دبلوماسية كاملة واقتصادية كبيرة, ومن الممكن أن نستفيد من إيران لا أن نقطع العلاقة, وأعتقد أن هناك قدرا من التعاون غير المعلن عنه مع إيران في المجال النووي. كيف تري الحكومة الجديدة برئاسة شرف؟ اختيار رئيس الوزراء هو اختيار موفق جدا, كما أن اختيار عدد من الوزراء هو اختيار في محله, وبالطبع هناك صعوبة في الوصول إلي الأسماء المناسبة, لأن هناك كثيرين من الأشخاص يترددون في قبول مناصب وزارية لعلمهم أن هذه الوزارة لن تمكث طويلا, وهذا التشكيل هو الأفضل في هذه الظروف, لكن بعض الاختيارات قد تسبب مشكلات كثيرة, فوزير القوي العاملة, وهو شخص متميز جدا, لكن مشكلته قد تنحصر في كونه غير نقابي. فينبغي أن نخرج من قيد التقاليد السابقة من حصر وجود المسيحيين في وزارات غير سيادية, فهذه نقطة مهمة, ومن الأمور الجيدة الإبقاء علي وزراء ذوي خلفية حزبية مثل الدكتور جودة عبدالخالق, ومنير فخري عبدالنور. .. وماذا عن الوجود القديمة في هذه الوزارة؟ كنت أتمني أن تكون كل الوجوه الجديدة, ولا أعتقد أن هناك مشكلة في تغيير جميع الوجوه, وإن كنت أشيد ببقاء الوزيرة فايزة أبوالنجا, فهي أثبتت كفاءة وجدارة في مكانها. ما هو تحليلك لنسب النمو المرتفعة التي كان يحدثنا بها النظام السابق؟ ينبغي أولا مراجعة مكونات النمو, من أين جاء؟.. وأتصور أن جانبا كبيرا منه جاء من قطاع المقاولات وقطاعات الخدمات, لكن معدلات النمو في قطاعات الصناعة والزراعة كانت أكثر تواضعا, والنمو الذي يحتاجه الاقتصاد المصري في هذه المرحلة هو نمو الزراعة والصناعة, كما أن التوزيع في هذا النمو كان يفتقد العدالة إلي حد كبير, وبالتالي ظل معدل البطالة مرتفعا, ومعدلات الفقر ثابتة إلي حد كبير. بصراحة هل هناك إمكانية لعودة الأموال التي خرجت من مصر؟ هذه مسألة صعبة جدا لكنها ليست مستحيلة, ولابد أن تكون هناك أحكاما قضائية وبحث عن معرفة حقيقة الأرقام, وهناك تجربة الفلبين في هذا الشأن, فقد استعادت الأموال التي أودعها ماركوس رئيس الفلبين السابق, ومن ثم يجب معرفة أين وضعت هذه الأموال أولا, ثم وجود أحكام قضائية حتي يمكن الحصول عليها, وهذا يحتاج وقتا. هل من الممكن أن ينفرد الإخوان بالسلطة وتكون لهم أغلبية برلمانية؟ أعتقد أن الاعتراف بالإخوان كقوة سياسية مشروعة هو أمر طيب, لها نفس الحقوق مثل القوي السياسية الأخري, لكن الإخوان تقابلهم مشكلة, فهم حتي الآن لم يتح لهم وفق قانون الأحزاب تأسيس حزب سياسي, ولا يمكن العمل بهذا القانون, لأن مجلس الشوري غير موجود, وبفرض أن هناك قانونا جديدا للأحزاب وسمح للإخوان بأن يكون لهم حزب, فإنهم سوف يواجهون تحديا آخر, فهل سيحتفظون تنظيم الإخوان المسلمين إلي جانب حزب الحرية والعدالة الذي يدعون إليه, أم إنهم سوف يتخلون عن التنظيم, هذا تحد هائل مطروح علي الإخوان المسلمين. مسمي الحرية والعدالة.. تري إلي ماذا يهدف؟.. ولماذا اقتصر علي هاتين الكلمتين فقط؟ أري أن اختيار المسمي هو اختيار جيد, ولكن ما هي حدود الحرية التي سوف يسمح بها الإخوان؟.. وهو سؤال مهم جدا, فيجب أن ننتظر البرنامج الذي يقوم الإخوان بإعداده الآن, لأنه يبدو أنهم سيدخلون تعديلات علي البرنامج الذي طرحوه من قبل, فلابد من الانتظار حتي نعرف ما هي حدود الحرية التي سيسمحون بها, هل سيسمحون بالحرية الفكرية؟.. هل سيسمحون بحرية المرأة علي الأقل في أن ترتدي ما تشاء؟.. أيضا ما هي حدود الحرية الاقتصادية؟.. فهل سيفرضون علي البنوك وفقا لما يعتبرونه قواعد الاقتصاد الإسلامي, أم أنهم سيتركون البنوك تعمل وفقا للمبادئ التي تعمل علي أساسها الآن, فنحن نتساءل ما هي حدود الحرية؟.. وما هو المقصود بالعدالة.. هل هي فقط الحصول علي الزكاة أم هناك أبعاد أخري لهذه العدالة. هل تعتقد أن استخدام النظام السابق الإخوان والبرادعي كفزاعة زاد من شعبيتهما؟ بكل تأكيد.. ولكن لا أعتقد أن شعبية الإخوان جاءت لاستخدامهم كفزاعة فقط, فهم يملكون خطابا له تأثير في شريحة من المواطنين المصريين باعتبارهم متدينين, ومن ناحية ثانية, فالإخوان باهرون في استخدام أدوات العملية الانتخابية وهم يعرفون كيف يحصلون علي أصوات ليس فقط من جانب المواطنين في الانتخابات العامة, ولكن حتي في الانتخابات الطلابية ونوادي أعضاء هيئات التدريس, فهم يعرفون أين يركزون جهودهم في الأماكن التي يتمتعون فيها بقوة تصويتية عالية, وينجحون في استغلالهم.. وهم بارعون في رفع الشعارات وبارعون في تقديم الخدمات, ولذلك لا ينبغي أن نتصور أن الفزاعة هي وحدها السبب الرئيسي في نجاحهم في الانتخابات. أخيرا.. كيف تنظر إلي ما قام به المصريون في هذه الثورة؟ هذا ليس غريبا علي مصر, خاصة إذا علمنا أن شهر يناير هو شهر انفجار الغضب المصري, فهناك حريق القاهرة في يناير 1952, وانتفاضة الخبز في يناير 1977, وأخيرا ثورة المصريين في يناير2011.