تلقيت مكالمات عديدة من بعض الأصدقاء ومن أشخاص لا معرفة لي بهم يسألونني عن مسلسل أخي بليغ حمدي الذي أعلن عنه منذ عدة سنوات. واتصل بي ايضا مخرج المسلسل وكاتب السيناريو يشكون لي من معاملة مدينة الانتاج لهم, وعدم وضع المسلسل في قائمة الانتاج. وكنت أقرأ كل يوم عن مسلسلات في سبيل الانتاج لشخصيات لا تصل الي مستوي بليغ و دوره في عالم الموسيقي والغناء في مصر وقد طالبوني جميعا بأن اكتب عن هذا الموضوع وترددت في بادئ الأمر, لأن بليغ أخي وهناك احراج في الكتابة عن الأخ ولكن أمام إلحاح اصدقاء بليغ تناولت قلمي لأحط مقالي, وهو عتاب أكثر منه شكوي, عتاب لهؤلاء الذين فضلوا شخصيات لها دور ثانوي في حياتنا علي فنان هو جزء من تاريخ مصر, بل أقول انه هو مصر بأغانيه وموسيقاه, لقد غني الشعب اغاني بليغ في المناسبات الوطنية. لقد بكي مصر عند هزيمتها وبكينا معه ونحن نسمع عدي النهار ورددنا يا حيبيتي يا مصر في أوقات الانتصار وعشنا معه في بوابة الحلواني ومازالت اغانيه تتردد ليس في انحاء مصر وحدها بل في الدول العربية كلها. كيف ننسي ما فعله بليغ عند عبور قواتنا في1973 وكيف ذهب الي مقر الاذاعة ودخل بالقوة ليؤلف أغاني النصر, وقد ساعده علي ذلك صديق العمر وجدي الحكيم, وكان في ذلك الوقت رئيسا لصوت العرب, ان حياة بليغ قد لا تكون مهمة في حد ذاتها ولكنها مرتبطة بكل فترة من حياة مصر ولست هنا لأسرد ما قدمه بليغ من أغان يتغني بها الشعب حتي الآن, ولست أريد ان أرجو وأتشفع للمسئولين ولكني اريد ان اوجه لهم سؤالا بسيطا وهو: علي أي أساس ترتب اولويات الانتاج؟. وهل الابداع الفني المصري في ايدي المنتجين, وقد عرفت ان عددهم يتناقص يوما بعد يوم. وأخيرا ما هو دور الدولة في الانتاج؟. مازلت اذكر حين ساهمت الدولة في انتاج الافلام وظهرت في ذلك الوقت افلام عظيمة مثل: صلاح الدين, ورد قلبي وغيرهما. فهل تراجعت الدولة الآن في المساهمة في انتاج ما هو مرتبط بتاريخ البلاد, انني اعرف, وكما يقول لي البعض, ان هناك متطلبات للمنتجين من ضمنها وجود الرقص مثلا أوالخلاعة, وهم ايضا علي استعداد لتمويل مسلسلات عن فساد رجال الاعمال في مصر, ولكنهم ليسوا علي استعداد لانتاج مسلسلات تعكس عظمة مصر, مسلسلات عن عرابي, ومصطفي كامل, وسعد زغلول أو عن شخصيات فرعونية او عن هدي شعراوي ودرية شفيق, ويدخل في هذا الاطار بليغ حمدي. لقد تابعت مسلسل بليغ منذ البداية وقدمت لكاتب السيناريو والمخرج كل ما يمت لأخي بصلة وتعاون في هذا صديق بليغ الحميم وجدي الحكيم والناقد المعروف والشاعر الغنائي مصطفي الضمراني واعدت المناظر والكل في انتظار تصريح البدء في التصوير, فهل آمل في ان يصدر ذلك التصريح حتي أستطيع ان ارد علي التساؤلات التي جاءتني, ليس فقط من مصر بل من استراليا وامريكا وبريطانيا وفرنسا. ذكريات إفريقية افريقيا هذه الأيام ملء السمع والبصر, مؤتمرات للقمة وبطولة افريقيا لكرة القدم ومحادثات حول مياه النيل والسودان والصومال وغيرها, وقد اعادت هذه الاحداث المتلاحقة ذكريات قديمة أعتز بها كل الاعتزاز, ذكريات عن هذه القارة التي أنتمي اليها والتي ظلمت وعانت سنوات عديدة من نير الاستعمار. كان اول لقاء لي مع افريقيا في اواخر عام1945 حين كنت سكرتيرا للمعهد المصري بلندن وكلفتني حكومتي بأن أشارك في مؤتمر عقد في مانشستر عن الوحدة الافريقية ولم يكن ذلك المؤتمر الأول لمناقشة الشئون الإفريقية فقد سبقته مؤتمرات اشهرها ونظمها دبوا, ولكن ما ميز مؤتمر مانشستر مشاركة عدد كبير من الافارقة الذين قادوا ثورات بلادهم بعد ذلك. وقد نادي المؤتمر لأول مرة بحتمية استقلال الشعوب الافريقية والتخلص من نير الاستعمار. وكانت هناك في لندن رابطة طلبة غرب افريقيا واستطعت ان اقيم صلات معها وكنت احضر اجتماعاتهم كمراقب. وكان منهم طالب من نيجيريا اذكر اسمه الأول فابوميي يعد بحثا عن نهر النيل وسأل ان كانت هناك فرصة لزيارة مصر لجمع معلومات عن بحثه فارسلت الي وزارة المعارف اطلب له منحة, وفعلا وافقت وسافر الي مصر ثم حصل علي درجة الدكتوراه وفي احدي زياراتي لنيجيريا بعد سنين عديدة وجدته مديرا لمعهد الدراسات الدولية ودعاني لإلقاء محاضرة في المعهد. ومرت الذكريات حتي وصلت الي ديسمبر عام1957 حين عقد المؤتمر الأول للشعوب الآسيوية الافريقية, وليس هنا مجال الحديث عن حركة التضامن, فقط اقول انها كانت نقطة تحول ليس فقط لافريقيا بل للعلاقات الدولية, كان ذلك المؤتمر اول فرصة استطاع فيها قادة حركات التحرير الافريقية اللقاء وتبادل الآراء وتوحيد مواقفهم, ومن ناحية العلاقات الدولية فإن الاتحاد السوفيتي كان من اول المنادين بعقد المؤتمر اقام لأول مرة علاقات مع حركات التحرير في افريقيا واستطاع ان يقف وجها لوجه مع الدول الاوروبية المستعمرة وانشأ الاتحاد السوفيتي جامعة لومومبا التي درس بها الكادرات التي حكمت بعد الاستقلال. وكان من نتيجة ذلك المؤتمر تأسيس السكرتارية الدائرة لتضامن الشعوب الافريقية الآسيوية واتخذ مقرها في القاهرة وكان الرئيس السادات, في ذلك الوقت امين عام المؤتمر الاسلامي رئيسا للمؤتمر وتم اختيار الصديق الراحل يوسف السباعي امين عام السكرتارية الدائمة واختارني نائبا له وبدأت رحلة طويلة مع الحركة التي اعطتني فرصا عديدة لزيارة الدول الافريقية اذ كنا نعقد اجتماعاتنا في الدول الافريقية المختلفة ومن أهم نتائج المؤتمر قبول الحكومة المصرية انشاء مكاتب لحركات التحرير الافريقية جمعت كلها في مبني في الزمالك, هو الآن مقر الجمعية الافريقية. كان هناك أكثر من عشرين مكتبا واصبحت القاهرة هي المنبر الذي ارسلت منه حركات التحرير رسائلها الي العالم. وفي عام11958 تلقيت رسالة من جورج بادمور, وكان الرئيس نكروما قد اختاره رئيسا للشئون الإفريقية, دعاني الي غانا للمعاونة في الاعداد للمؤتمر الاول لكل شعوب افريقيا ووافق المسئولون في مصر وسافرت الي أكرا, حيث بقيت حتي عقد المؤتمر في أواخر العام, وقد قابلت الرئيس نكروما عدة مرات وقمت بإجراء مقابلة معه نشرتها في مجلة الاراب اوبزرفر وكنت في ذلك الوقت رئيس تحريرها, وفي تلك المقابلة قال الرئيس نكروما إنه يريد أن يري اتحادا إفريقيا يرأسه الرئيس عبد الناصر وانه علي استعداد للعمل تحت امرته في أي موقع. واستمرت علاقاتي مع إفريقيا حتي بعد ان تركت السكرتارية الدائمة وذلك حين عينت مستشارا ثقافيا في المانياالشرقية وتشيكوسلوفاكيا وسعدت حين كلفتني وزارة الخارجية للقيام بجولات في إفريقيا لإلقاء محاضرات عن مصر وفعلا زرت نيجيريا وغانا في احدي هذه الجولات ثم زرت ناميبيا حيث شاركت في تدريب شباب الصحفيين لإصدار مجلة شهيرة سميت بمجلةEgypttoday التي أرأس تحريرها ومن ناميبيا زرت جنوب إفريقيا عن طريق سفارتها في ناميبيا. وعن طريق حركة تضامن الشعوب الافريقية الآسيوية بنيت مؤسسات اخري, اهمها حركة كتاب آسيا وإفريقيا وعقد المؤتمر الاول بطشقند وشارك فيه وفد من مصر برئاسة الدكتور احمد خلف الله ومن بين اعضائه الدكتورة عائشة عبد الرحمن وأمينة السعيد وعبد الرحمن الشرقاوي وعبد العاطي جلال وكنت انا سكرتير الوفد. ولكن الحديث عن حركة الكتاب حديث ذو شجون وفي حاجة الي مقال آخر. المزيد من مقالات مرسى سعد الدين