لم تعش مصر طوال تاريخها الحديث لحظة, توافرت فيها إرادة شعبية وسياسية لتعديل نظمها وأدواتها الانتخابية مثل اللحظة التي تعيشها الآن, فتحت زخم الثورة, أصبح الطريق ممهدا لإرساء نظام انتخابي يستهدف في المقام الأول تجسيد إرادة الأمة تجسيدا حقيقيا جديرا بالثقة. لكن مجريات الأمور تدل علي أن الفرصة ربما تتبدد وتتحول إلي فخ يعيدنا سريعا إلي نقطة الصفر, ومن وجهة نظر معلوماتية فنية بحتة, فإنه علي الرغم من توافر النوايا الصادقة من الجميع والإرادة النبيلة لإجراء انتخابات حرة, فإن أهم دعائم إجراء هذه الانتخابات لم يعاد صياغتها لتدعم هذه الرغبة النبيلة, وأقصد بذلك الجداول الانتخابية, التي لم يطرأ عليها حتي الآن تغيير نوعي يجعلها تختلف اختلافا جذريا عما كانت عليه طوال السنوات الماضية, ومن وجهة نظر معلوماتية فنية بحتة أبضا أستطيع القول إننا نمضي إلي استفتاء19 مارس بجداول أقل ما توصف به أنها مكمن خطر مليء بتفاصيل يسكنها الشيطان, لأنها جداول معدة وفق أسس وقواعد تدعم التزوير والفساد الانتخابي في كل مرحلة من مراحل إنتاجها, وإذا كان هناك من يقسم صادقا مخلصا علي أن الانتخابات ستكون نزيهة وسيعمل بالفعل قدر طاقته علي أن تكون كذلك, فباستطاعتي أن أقسم صادقا مطمئنا علي أن الجداول الانتخابية لن تعينه علي ذلك, وأن نتيجة الانتخابات أو الاستفتاءات إذا ما جرت استنادا إلي الجداول الحالية لن تكون معبرة عن إرادة الناخبين تعبيرا صادقا جديرا بالثقة, لأن قواعدها وأسس بنائها صممت بطريقة لا تضمن التعبير الحقيقي عن إرادة الناخبين, ولكي لا نتحدث بطريقة مرسلة, سنتناول الأمر في أربع نقاط من منظور معلوماتي: الأولي تتعلق بالإطار القانوني الإجرائي القائم حتي هذه اللحظة ولم يتغير, وتم علي أساسه إنتاج الجداول الانتخابية الحالية, والثاني نقاط الضعف المعلوماتية والهيكلية في هذا الإطار وتأثيراتها السلبية الحتمية والمؤكدة علي سلامة الانتخابات, والثالث كيفية إدخال قاعدة بيانات الرقم القومي وليس الرقمي القومي كما يشيع البعض جهلا أو خبثا أو عمدا كعنصر حاكم ليس للتصويت داخل اللجان ولكن لعملية إنتاج الجداول الانتخابية برمتها من الألف إلي الياء, والنقطة الرابعة تتعلق بالإطار القانوني البديل الذي نري أنه يضمن دخول المعلوماتية بصورتها الرصينة العميقة في العملية الانتخابية علي الأجل الطويل.