محافظ أسيوط: فيضان النيل تحت السيطرة.. ولا خطر على السكان    الوثائقية: اللواء عبد المنعم الوكيل نفذ عملية عبور ناجحة واستولى على خط بارليف    إرث أكتوبر العظيم    محمد كامل يُعلن أول قراراته: الحشد والتثقيف استعدادًا للإنتخابات    المحاسب الضريبى أشرف عبد الغنى: الإرادة السياسية للرئيس السيسى سر نجاح التيسيرات الضريبية    سعر الذهب في مصر.. عيار 21 يقفز والجرام يقترب من 5300 جنيه    لمدة 6 ساعات.. قطع المياه عن هذه المناطق بالجيزة خلال ساعات    استشهاد 13 فلسطينيًا في قصف جوي إسرائيلي على وسط غزة    القاهرة الإخبارية: ترحيب إسرائيلي مرتقب بتهديدات ترامب ضد حماس    وكيل جهاز المخابرات السابق: ما يثار أن مصر كانت تعلم بعملية طوفان الأقصى مجرد افتراء    قائد الجيش اللبناني يزور مقر اليونيفيل ويعقد لقاء موسعا لتعزيز التعاون وتنفيذ القرار 1701    الاتحاد الأوروبي يطلق قواعد موحدة للشركات الناشئة في 2026 لتعزيز النمو    الاتحاد السكندري يقتنص فوزًا ثمينًا من المقاولون العرب    ضبط عنصرين جنائيين لقيامهما بالنصب على عملاء البنوك    منة شلبي تغيب عن مؤتمر "هيبتا.. المناظرة الأخيرة" لأسباب عائلية    وزير الخارجية يثمن مساندة هايتي للدكتور خالد العناني في انتخابات منصب مدير عام اليونسكو    تعرف على فعاليات اليوم الثالث من مهرجان القاهرة الدولي للمونودراما الثامن    إيقاف عرض عدد من المسلسلات التركية.. والعبقري" من بينها    داء كرون واضطرابات النوم، كيفية التغلب على الأرق المصاحب للمرض    تعرف علي موعد إضافة المواليد علي بطاقة التموين في المنيا    «حاجة تليق بالطموحات».. الأهلي يكشف آخر مستجدات المدرب الجديد    وزير الرياضة يحضر تتويج مونديال اليد.. ويهنئ اللاعبين المصريين على أدائهم المميز    محمد صلاح يلتقط صورة تذكارية مع الكرة الرسمية لكأس العالم 2026    البلشي وعبدالرحيم يدعوان لعقد اجتماع مجلس نقابة الصحفيين داخل مقر جريدة الوفد    غلق وتشميع 20 مقهى ومحل ورفع 650 حالة إشغال في الإسكندرية    افتتاح مسجد فانا في مطاي وإقامة 97 مقرأة للجمهور بالمنيا    «طب قصر العيني» تحتفل باستقبال أول دفعة للطلاب بالبرنامج الفرنسي «Kasr Al Ainy French – KAF»    «السكان» تشارك فى الاحتفال بيوم «عيش الكشافة» بمدينة العريش    87 مليون جنيه لمشروعات الخطة الاستثمارية الجديدة بتلا والشهداء في المنوفية    صور الشهداء والمحاربين القدماء بعربات مترو الأنفاق والقطار الكهربائي بمناسبة احتفالات حرب أكتوبر    حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة... تعرف عليها    هل يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة؟.. أمين الفتوى يجيب    «لرفع العقوبات».. حاخام يهودي يعلن رغبته في الترشح ل مجلس الشعب السوري    القهوة بالحليب.. هل هي خيار صحي لروتينك الصباحي؟ (دراسة توضح)    استشاري مناعة: أجهزة الجيم ملوثة أكثر من الحمامات ب74 مرة (فيديو)    نتائج الجولة الخامسة من الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية    الإسماعيلي يواصل التعثر بهزيمة جديدة أمام سموحة    أموريم: مانشستر يعيش ضغوطات كبيرة    مبابى لاعب سبتمبر فى ريال مدريد متفوقا على فينيسيوس جونيور    محاكمة سارة خلفية وميدو وكروان مشاكل.. أبرز محاكمات الأسبوع المقبل    تعرف على أنشطة رئيس مجلس الوزراء فى أسبوع    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم الجمعه 3 أكتوبر 2025 اعرفها بدقه    الحلو وثروت وهانى شاكر يحيون حفل ذكرى انتصارات أكتوبر بالأوبرا    سبب غياب منة شلبي عن مؤتمر فيلم «هيبتا: المناظرة الأخيرة»    سنوات مع صلاح منتصر..حكايات ملهمة لتجربة صحفية فريدة    الزهايمر.. 5 عادات يومية بسيطة تحمي الدماغ من المرض الخطير    تعرف على آداب وسنن يوم الجمعة    5 قرارات أصدرتها النيابة فى اتهام شاب ل4 أشخاص بسرقة كليته بالبدرشين    اسعار الحديد فى أسيوط اليوم الجمعة 3102025    البابا تواضروس يلتقي كهنة إيبارشيات أسيوط    عاجل- سكك حديد مصر تُسيّر الرحلة ال22 لقطارات العودة الطوعية لنقل الأشقاء السودانيين إلى وطنهم    "يونيسف": الحديث عن منطقة آمنة فى جنوب غزة "مهزلة"    تحريات لكشف ملابسات تورط 3 أشخاص فى سرقة فرع شركة بكرداسة    ضبط 295 قضية مخدرات و75 قطعة سلاح ناري خلال 24 ساعة    المصري يواجه البنك الأهلي اليوم في الجولة العاشرة من دوري نايل    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    استشاري تغذية علاجية: الأضرار المحتملة من اللبن تنحصر في حالتين فقط    بالصور.. مصرع طفلة وإصابة سيدتين في انهيار سقف منزل بالإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحماية من هزيمة الروح‏!!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 03 - 2011

كانت إمارة بارم بإيطاليا تجسد إفراط سلطة الاستبداد‏,‏ وجرت فيها صراعات سياسية‏,‏ مورست خلالها دسائس حافلة بالمهاوي‏,‏ رغم انزواء النشاط السياسي‏,‏ نتيجة محدودية المشهد السياسي العام, فلم تكن ثمة أحزاب متعددة, إذ كان هناك حزبان, هما الحزب المتطرف الحاكم الذي يرأسه الكونت موسكا رئيس الوزراء, وحزب الأحرار المعارض الذي يناهض الحزب الحاكم.
لكنه يلاحق بالتهميش والإقصاء, ويرأسه الجنرال فابير كونتي, وتتزعمه الماركيزة رافرسي, ويبدو أنه في سياق استحكامات, وتعقيمات مكافحة المرض الخطير الذي يصيب الجسد الاجتماعي, ويطلق عليه اسم الديمقراطية التي تسعي نحو الخير العام للمواطنين كافة; فإن السلطة في بارم, التي يمثلها الأمير المطلق السلطان, قد اعتبرت أن اعتناق أية أفكار تقع خارج ما يفرضه الواقع السياسي المسيطر, تعد تلبسا بالعصيان والجموح; لذا انخرط الناس في تداول الصمت, فهم لا يتمتعون باستحقاق الشرط الإنساني في ممارسة الطموح, وليس لديهم خيار التمييز أو الرفض, فوجودهم مكرس لقبول الإرغام, ومشروط بالامتثال لهيمنة لا محدودة, تحيلهم إلي وجود منقوص, أي إلي محض صمت يتحرك فقط, خشية من بطش الأمير, الذي قبل أن يعتلي العرش كان محاربا شجاعا, خاض معارك عديدة حائزا الانتصار. لكن بعد توليه الحكم تجمعت في يده سلطات مطلقة, شكلت احتكارا سلطويا أحاديا أفقده القدرة علي قبول تعددية الأفكار, كما سلبه إمكانية إدارة الاختلاف, إذ استولدت السلطة لديه استخفافا بالناس, وتشكيكا عاما في نياتهم, دفعه إلي سرعة المبادرة بالرجم بالشبهات لأية أفكار, معلنا سيادة قانونه الخاص الذي من خلاله مارس بجنون شحنات ممتدة من الإرغام, والتطويع, والترويع ضد الحرية والأحرار.
وبعد فترة من هذه الممارسات الاستبدادية سكنه هاجس مسيطر أنه أصبح مكروها من رعاياه, فانتابته حالات من الصراع دائمة, لا تتناهي منها العذابات, والشكوك, والمخاوف, والوساوس; لذا كان يحرسه ليلا ثمانون جنديا, ومع ذلك كان يهب من نومه, علي اعتقاد أن تحت سريره رجلا من الأحرار يختبئ لقتله, علي الفور يصل رئيس الوزراء, ومعه وزير الشرطة الذي لا يحاول إنكار المؤامرة, وينتشر جنوده شاهرين أسلحتهم بحثا عن القاتل الهارب. ولا شك في أن صيغة التصديق والاهتمام لا تنفصل عن دلالتها الإيحائية والموجهة إلي الأمير, بوصفها إعادة إنتاج لتلك المخاوف واستمرارها, بما يعني أن القاتل إذا ما كان قد أفلت فسيعود مرة أخري, ولعل ذلك ما يبرر سرعة استجابة الأمير لوحشية دسائس وتحريضات اجتثاث الرءوس, حيث أصدر حكما بالشنق علي اثنين من الأحرار الأبرياء, بإيعاز من النائب العام, صاحب المكائد, المرادف اسمه لكل ما هو دنيء في بارم, الذي يستمد سلطاته من استمرار خوف مولاه, فإذا خشي يوما علي مكانته لدي الأمير, سارع إلي ممارسة حيله بالكشف عن مؤامرة مفتعلة جديدة خطيرة, إذ حتي التمثلات الجماعية لم تسلم من ترصده, إذ ألقي القبض يوما علي ثلاثين رجلا كانوا يقرأون صحيفة الدستور المعارضة, متهما إياهم بالتآمر, وسجنهم في قلعة بارم التي يحمل اسمها الرعب للناس لما يمارس فيها من أساليب الترويع الوحشية.
صحيح أن روح الإنسان تتطلع في واقعها الاجتماعي إلي استحقاقاتها في سيادة قيم الحرية, والمساواة, والعدل التي يحتمها الشرط الإنساني, بوصفها استحقاقات تمثل المبادئ المرجعية لعلاقات واقع المجتمعات الإنسانية, وصحيح أيضا أن الديمقراطية التي تطالب بالعدالة كإنصاف, والحرية للجميع, وتناهض تمركز السلطة والثروة, وتحتم ضرورة تداولهما; إنما تمثل استثارة لروح الإنسان ضد كل صنوف العبودية والقمع في الواقع الاجتماعي, التي تتجلي في ظواهر اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, لكن الصحيح كذلك أن السلطة في إمارة بارم يبدو أنها في إقصائها تطلعات أفراد المجتمع, كانت تمارس تخويف أرواحهم, وتهديدها, وإفسادها, انطلاقا من القاعدة التي تري أنه عندما تهزم روح الإنسان يمكن استعباده, إذ يفقد قدرته علي التحدي, فيقبل الاستسلام أو التسوية الخاسرة, عندئذ تشكل له السلطة مصيرا مضادا لما أراد. وفي دائرة ذلك التردي والإفساد تتعدد قوائم أسماء الحالات التي من بينها اسم الدوق سانسفرينا, البالغ من العمر الثامنة والستين, صاحب الثروة الكبيرة, ومالك أفخم قصر في بارم, وأحد المناصرين للحرية, الذي أقرض مبلغا من المال للطبيب والشاعر المناضل المعارض الهارب فرانتيه بالا المحكوم عليه بالإعدام; ثم مارست السلطة إفساد روح الدوق سانسفرينا, وفق تسوية خاسرة, إذ ارتضي أن يكون قوادا, وذلك بإبرام زواج ورقي بالكونتيسة التي تصغره بأكثر من أربعين عاما, حيث هي علي الحقيقة عشيقة رئيس الوزراء, الكونت موسكا, وكان الشرط أنه في ليلة الزواج, ذاتها يغادر العريس بارم, موفدا في مهمة سياسية بالخارج, لا يعود منها إلي بارم, تاركا زوجته وعشيقها ينعمان بثروته وقصره, في مقابل إلغاء حكم إعدامه, وتحقيق افتتانه برغبته الوحيدة في الحياة, وذلك بحصوله علي الوشاح الأكبر من الأمير. لا خلاف أنه في ظل حكم نظام الأهواء, الملحد بكل ما هو نبيل سياسيا, لا يمكن للمرء أن يرتقي, إذ ينقلب معني الارتقاء ليكشف عن فواجع المفارقات, فقد أصدر الأمير قرارا بتعيين الجنرال فابيو كونتي رئيس حزب الأحرار حاكما لقلعة بارم التي يسجن فيها ضحايا النائب العام المرتشي, وذلك ليكون في موقف دائم الالتباس, فإذا ما أظهر الجنرال تسامحا مع السجناء, اتهمه الأمير بأن آراءه السياسية تطغي علي واجباته, وإن أظهر القسوة والصرامة, فلن يكون رئيسا لحزبه, وسيعادي كل أسرة لها سجين في القلعة. هذا الواقع الخارق للواقع يعكس دلالة أن السلطة تعتبر رغباتها هي الواقع, استنادا إلي يقين أنها في عالم بلا مرجعية, يحكمه سلطان الأهواء, والأمير الحاكم المطلق هو مركز هذا العالم; لذا نراه ينفي الماركيزة رافرسي زعيمة حزب الأحرار خارج بارم حتي إشعار اخر, ممارسا منطق الإقصاء مهما كانت علاقة الأمر بالشأن العام, وإن كان السبب ترضية زائفة للدوقة سانسفرينا عشيقة رئيس الوزراء, كيلا ترحل عن بارم, حتي لا يجهض خطة انتقامه منها وإذلالها, لعدم استجابتها لأهوائه الماجنة رغم محاولاته معها التي تصدت لها بعدم الامتثال; لذا أراد الأمير استبقاءها لمساومتها, وابتزازها بالتلويح لها بأنه سيرفع حمايته عن قضية ابن شقيقها المتهم في جريمة قتل ممثل هزلي, وذلك كي يحقق الوصول إلي ما تمنعت عنه وتعالت به علي سلطته المطلقة.
يعتقد حزب الأحرار أن الكونت موسكا ليس صالحا للحكم, إذ الصلاحية للحكم في مفهوم الحزب, تتأسس علي مواصلة السعي نحو الخير الأعظم لإسعاد أكبر عدد من الناس. وعلي الجانب الآخر, فإن الحزب الحاكم الذي يتزعمه الكونت موسكا, يؤكد بطلان هذه الدعوة, بل يري أنها محض جنون خالص, إن لم تكن شعوذة تقوم علي الخداع والتغرير, حيث يعلن الكونت موسكا شخصيا, أنه يؤمن أولا وقبل كل شيء بالسعادة والخير الأعظم لشخصه أولا: لذا كان الرجل مرفوضا من حزب الأحرار, بل مكروها لتطرفه غير المنصف, ومع ذلك لم تفلح محاولات الحزب في النيل منه وإسقاطه, حتي عندما قادت زعيمة حزب الأحرار الماركيزة رافرسي حملة تسويق لاتهامه بعرقلة القانون, وذلك لحماية فابريس ابن شقيق عشيقته, الذي ارتكب جريمة قتل, مدعيا أنها كانت دفاعا عن النفس, لم تنجح حملتها, إذ كان قد تم القبض علي فابريس بالفعل, وأصبح رهن المحاكمة. لا مراء أنه في بلد تقوم سياسته علي تحكم الأهواء, وممارسة الخديعة, والمكر, والالتفاف, وغياب مؤسسات الحقيقة, ينخرط الجميع في الاستبداد الخفي, والتواطؤ فرضا لاختلال الحقوق, والتمايز دون استحقاق; لذا إرضاء لعشيقته, حصل الكونت علي توقيع الأمير بتخفيف الحكم عن فابريس. صحيح أن الدوقة عندما أدركت أن الأمير يتلاعب بها, وتركها صريعة تأويلات متناقضة غامضة بشأن مصير فابريس, إمعانا في ابتزازها لإرواء أهوائه, تولت بنفسها إدارة خطة هروب ابن شقيقها من القلعة الحصينة, ومارست الأساليب كافة, من اختراق, وتجنيد, ورشا, وفخاخ, كما أن كليليا, ابنة الجنرال حاكم القلعة التي أوقعها فابريس في علاقة عاطفية, قد حمته من الموت بالسم, وأسهمت سرا في إتمام خطة عمته لهروبه من السجن, فغادر فابريس وعمته بارم معا, لكن الصحيح والمثير أن الدوقة قررت افتراس رأس نظام الاستبداد بالاتفاق مع فرانتيه بالا, الطبيب الشاعر الثائر, الهارب من حكم الإعدام, الذي تولي التنفيذ بأن دس السم في طعام الأمير ومن معه في أثناء رحلة صيد, فسقط الجميع قتلي, فسادت الفوضي, وانتشرت الثورة ضد الملكية, ونادي الشاعر فرانتيه بالجمهورية, وجري إطلاق النيران علي الثوار, وامتدت الحرائق لأموال الشعب لثلاثة أيام, كما توالت لخمسة عشر يوما عمليات السلب والنهب, وجرت محاولات لإحراق أبواب القلعة لإطلاق سراح المسجونين, وكذلك تحطيم تمثال الأمير, لكن الكونت موسكا رئيس الوزراء تصدي لحفظ النظام, وتولي حكم البلاد ابن الأمير المقتول.
عادت الدوقة يصاحبها فابريس إلي بارم, احتفي بها الأمير الجديد, وعينها وصيفة الأميرة الأم, ثم راح يتقرب إليها حتي اعترف لها بحبه المشبوب, فقاومته, لكنه تصرف معها تماما كأبيه, إذ حاصرها, وساومها, وأغواها بأن ينقذ فابريس من الإعدام مقابل وعد منها محكوم بمصير كارثي, يشكل خزيا روحيا إن قبلته, إذ يحرمها بالإجبار حق ممارسة حرية امتلاك ذاتها, حيث يمتلكها الأمير وفقا لهواه, وأيضا ليس لها من هذا الوعد ثمة انفلات, وأمام عبء الضرورة قبلت كي تمنح فابريس الحياة. أي هزيمة مخزية للروح ذلك الاسترقاق؟
إن الكاتب الفرنسي الشهير ستندال(1783 1842), في روايته دير بارم, صور واقعا مبتذلا تدار فيه الأمور بالأهواء, وتصاغ بهياج الرغبات, واستثارات الحواس, حيث تطرد الحقائق بالإقصاء, والدسائس, والتآمرات, والمساومات. والسؤال المسكوت عنه الذي يطرحه الكاتب: تري ما مستقبل بارم؟ لا خلاف أنه ليس هناك مستقبل دون تحولات, يتجلي من خلالها حس العدالة, حيث لا تغيب الفضائل السياسية التي تدعم المؤسسات العادلة للحفاظ علي مجتمع يدوم بتألق حرية مواطنيه دون استرقاق, في ظل مفاهيم ناضجة لمبادئ قادرة علي استيعاب الواقع, ومحاصرة تناقضاته, تستهدف بالأساس إسعاد الناس بإقرار ما لهم من الاستحقاقات. صحيح أن التحولات التي تشكل انعطافات قد تأتي نتيجة الثورات, لكن الصحيح أيضا أن الثورة بالأساس منظومة مبادئ تمثل مرجعية حاكمة, عندما تتحقق تحكم التفاصيل وتضبطها, وعلي مستوي الواقع والمنطق ليس العكس صحيحا; لذا عندما نسأل عن مستقبل مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير, لابد أن يتبدي في ضوء المسئولية والواقعية أن همنا الأول بالأساس تأمين عقد اجتماعي يصوغ الرؤية العامة للمستقبل, يتمثل في دستور يجسد المبادئ الجوهرية التي تتضمن القيم الأساسية للعقل المصري العام الذي أنتج ثورة الخامس والعشرين, بوصف هذا الدستور رهانا لفتح الإمكانات, وضمانة مرجعية لتفعيل الاستحقاقات التي تمكن الناس من التطور, وتفسح أمامهم ممارسات الفرص العادلة حماية لهم من خزي الروح, نتيجة تسلط أشكال الهيمنة والاسترقاق
المزيد من مقالات د.فوزي فهمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.