أعادتني رسالة زوجتي كرومبو الي بعض ذكريات الماضي البعيد عندما دعيت لحضور ندوة عقدت منذ أكثر من خمسة عشر عاما تحت عنوان( الطلاق أسبابه ودوافعه وتداعياته) برعاية أديبنا الراحل جسدا والموجود معنا دائما بروحه وعلمه وخلقه القويم الأستاذ عبد الوهاب مطاوع, وحضرها لفيف من الأصدقاء والكتاب وبعض المجتهدين في علم النفس والاجتماع.. وبعد أكثر من خمس ساعات من الحديث والمناقشة في هذا الموضوع الشائك خرجنا بمجموعة من التوصيات أهمها ان الطلاق يمكن تعريفه وقتئذ بأنه عبارة عن جراحة مؤلمة لاستئصال ورم خبيث مزمن بسبب علاقة زوجية فاشلة. أما عن أسبابه ودوافعه وتداعياته فكانت عبارة عن سلسلة طويلة من العوامل تصدرتها المؤثرات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.. أما الآن وبعد أن دخلنا عصر الكمبيوتر وزواج النت ومجموعات الشات وثورات الفيس بوك يمكن تعريف الطلاق بأنه عملية نزع ضرس أصابه السوس بعد أكل قطعة تورتة شيكولاتة دسمة والمعني واضح, وهو أن هناك فرقا شاسعا بين الطلاق وقتئذ والطلاق الآن.. وتؤكد الاحصاءات أن نسبة حالات الطلاق قد تجاوزت في السنوات العشر الأخيرة نسبة40% من حالات الزواج التي تتم كل عام وهي نسبة بشعة لها دلالات كثيرة تستدعي أن نتوقف عندها طويلا عسي أن نحد من ارتفاعها المتزايد وربما نجد لها حلولا ممكنة.. وأعود إلي صديقنا بطل أو ضحية رسالة زوجتي كرومبو وهو فعلا راح ضحية زواج عاجل في شهر واحد زواج تم ليصلح مافسد نتيجة علاقة آثمة كانت كافية للقضاء علي كل مشروعات الارتباط المستقبلية للطرفين.. والحقيقة أننا أحيانا مانضطر إلي أن نصبر علي تناول العلاج المر أملا في شفاء من داء أمر, وهو ماحدث فعلا مع صاحب الرسالة, مع فارق بسيط, وهو أنه اكتشف بعد أن شرب المر ان العلاج لم يضمن له الشفاء من الداء الأمر.. ونسي أنه كان يجب عليه قبل أن يجرب هذا الدواء أن يستشير بعض الأطباء والمتخصصين عن الداء والدواء ليكتبوا له روشتة شاملة بكيفية تناوله ومراحل العلاج وآثاره الجانبية أو علي الأقل كان لابد أن يسترشد برأي بعض المجربين عملا بالمقولة المتداولة اسأل مجرب ولا تسأل طبيب.. ولكن لم يفعل حتي السؤال, وبلع الدواء فكان ماكان.. ولعلني اتفق مع حكمة محرر البريد في أنه ليس من الضروري عند الدخول في علاقة زوجية أن نحكي لزوجاتنا تجاربنا السابقة تحت شعار الصراحة راحة لأنها غالبا لا تكون راحة بل وبالا علي صاحبها وسرعان ماتنقلب علي صاحبها باعتبارها سيرة ذاتية سيئة السمعة وتظل تطارده خاصة إذا كانت الزوجة من النوع الغيور وكلهن كذلك واذا كان من الضروري أن نفعل ذلك في علاقات شرعية سابقة مثل خطبة أو مشروع زواج لم يتم من باب الاحتياط فيجب أن يكون في أضيق الحدود دون أي تفاصيل لا داعي لها لأن تلك الاعترافات والخطايا السابقة علي الزواج شرعية كانت أو غير شرعية عادة ماتكون ثقوبا في ثوب الزفاف الأبيض تتسرب منها الثقة المتبادلة بين الطرفين تدريجيا حتي تنتهي تماما فعادة ماتبدأ بنيران صديقة تحت الرماد ولا تلبث ان تنفخ فيها الزوجة حتي تتحول الي نيران محرقة.. ولقد حار علماء النفس في تفسير ظاهرة أن هناك من يتباهي بتلك العلاقات السابقة حتي يبدو كرجل خبير في تلك الأمور وحتي لا يتهم بأنه راجل خام وينسي أن زوجته لو حكت له أنها قبل الزواج نظرت فقط وبالمصادفة البحتة إلي ابن الجيران من خلف الشباك لكانت هي النهاية.. ودعني أسألك ياصديقي كيف لم يتسن لك أن تكتشف في زوجتك كل هذه العيوب والتي سردتها برسالتك وهي زميلة لك في العمل لمدة طويلة ولماذا لم تمنح نفسك فرصة أكبر للتعرف عليها عن قرب والسؤال عن عائلتها أو الدخول في علاقات أسرية تتيح لك الاندماج والتعرف علي الأسرة وعاداتهم وثقافتهم ؟؟ أغلب ظني أن ماأشرت إليه في رسالتك من اصابتك بحالة من الاكتئاب له دور في ذلك لدرجة أنك لم تنظر حولك ولم تنتبه جيدا لبعض التصرفات الصغيرة التي عادة ماتكون لها دلالات كبيرة وأخذت بالمظاهر الشكلية علي حساب الجوهر الفعلي وهوالأهم والأبقي ولعل وفاة والدتك رحمها الله كان سببا رئيسيا في رغبتك بتعويضها وبأسرع وقت ممكن بزوجة قد تجد عندها بعض ماعودتك عليه من حنانها الفريد ونسيت أن المولي عز وجل اختص الأمهات بحب وحنان فريدين للأبناء دون أي مقابل ودون انتظار لأي مصلحة أو منفعة.. هذا لا ينفي أن هناك زوجات اجتهدن في إعطاء أزواجهن من الحنان والمحبة مايكفي لبناء حياة زوجية سعيدة لكنه في كل الأحوال لا يقارن بعطاء الأمهات. وردا علي سؤالك ياسيدي.. ماهو الحل الآن؟؟ أولا: أعتقد أنكما في حاجة الي مراجعة كل تصرفاتكما السابقة والحالية حتي تستطيع أن تجيب عن بعض الأسئلة الصعبة.. هل الماضي بكل مايحمله من آلام وآمال يسمح باستمرار علاقتكما الزوجية دون الدخول في تفاصيل تلك الأحداث مستقبلا وتحليلها وافتراض تداعيات غير مرئية حاليا ولكنها قد تطل برأسها في المستقبل ؟؟ وهل لايزال هناك رصيد من الثقة المتبادلة التي تدعم تلك الزيجة كي تستمر دون الاستعانة بكرومبو أو غيره من المخبرين ؟؟ وهل انتما علي استعداد لطي صفحة الماضي بكل ماتحويه من تجاوزات لبدء حياة جديدة ؟؟ ثانيا: اذا كانت الأشهر الأربعة التي تمثل عمر زواجكما ليست كافية لاتخاذ القرار فلا بأس من اعطاء الحكم علي هذا الزواج فسحة مناسبة من الوقت ولتكن حتي نهاية العام الأول بحيث يجتهد كل منكما خلال تلك الفترة في أن يبذل أقصي مالديه لانجاح هذا الزواج وتوفير كل العوامل المساعدة لاستمراره واختبار الطرف الآخر بحرية كاملة ودون أي ضغوط نفسية وبشرط تأجيل اتخاذ قرار الانجاب حتي يتأكد كل طرف من صدق مشاعره نحو الطرف الآخر بكل الصدق والأمانة, حتي لا تأتي الأطفال في ظروف غير مواتية لتزيد الأمور تعقيدا وحتي لا يكون وجودهم السبب الوحيد لاستمرار الزواج. ثالثا: دعني أهمس في أذن زوجتك التي جذبتك بشكلها وربما بمداعباتها لك حتي تم الزواج. ياسيدتي لقد انتهي عصر المظهريات والشكليات مع ضغوط الحياة الاقتصادية ولابد أن ننتقل الي عصر الحياة العملية.. وفي اعتقادي ان الزوجة عليها أن تتحمل العبء الأكبر في إنجاح الحياة الزوجية بسعة أفقها وبتصرفاتها المنطقية وأن تكون علي استعداد لبناء مسكن الزوجية بما هو متاح من إمكانات اقتصادية محدودة, والأهم هو بناء أواصر الثقة والمحبة مع زوجها وتعويضه ولو بقدر ضئيل عن حنان ام رحلت وتركت وراءها وعاء فارغا كانت تملؤه حبا وحنانا فهذه فرصتك لاثبات ذاتك ومساعدة زوجك لتخطي هذه الأزمة والحفاظ علي بيتك.. وتذكري دائما أن بناء البيوت يستغرق أعواما أما هدم أي بيت فيمكن أن يتم في لحظة غضب أو اختلاف حاد في وجهات النظر والزواج ليس مجرد فسحة علي النيل أو علي حد قول زوجك المسخ الأعمي المسمي بشهر العسل في فندق خمس نجوم ولكنها حياة مشتركة تحتاج الي تدبير وتعاون وتعب وصبر وعطاء من كلا الطرفين. وأخيرا الطلاق هو أبغض الحلال عند الله وهو أسوأ الحلول في حالة العلاقة الزوجية غير السوية والتي نجد أن كل مؤشراتها سلبية.. ورغم أني لا أنتمي الي فريق اقرار الطلاق في تلك الحالات الصعبة ولكني أري أنه أحيانا مايكون أفضل الخيارات الصعبة اذا تبين استحالة الحياة خاصة في حالة عدم وجود أطفال أبرياء يشكلون الضحية الحقيقية لتلك المأساة.. أرجو من الله ألا يكون هذا هو أحد الحلول المطروحة في علاقة زوجية جمعت بين طرفين أنا علي ثقة أنهما سيحاربان من أجل استمرارها, ولا بأس من أن تذهبا الي رحلة عمرة لتقفا بين يد الله وتسألاه الرحمة والمغفرة وأن يبارك لكما في زواجكما, ويرزقكما الذرية الصالحة.. أمين يارب العالمين.. دكتور هاني عبد الخالق أستاذ إدارة الأعمال [email protected]