في هذه المقالة أريد أن ألفت النظر إلي موضوعين بالغي الأهمية. أولا: المطالب الفئوية: أنا لا أمثل أو أتحدث باسم الشباب الذين قاموا بثورة52 يناير, لكني لا استطيع أن أصدق أن الشهداء الذين قتلوا أو ماتوا من أجل مصر جديدة أرادوا أن يستبدلوا فقط حفنة من الانتهازيين بآخرين يقودون الدولة إلي حافة الانهيار. نحن نواجه ظاهرتين اليوم: الشباب الذين قاتلوا من أجل مصر جديدة من ناحية, والاضطرابات العامة والعصيان المدني في القطاع العام والخاص والذي يطالب الآن بمرتبات ومزايا أعلي. فلننظر إلي الشكاوي التي سمعناها مؤخرا ومدي مشروعيتها: 1 مرتبات متدنية, هنا لو نظرنا إلي متوسط الإنتاجية للعمالة المصرية نجدها ثلث مثيلتها في الصين, أو بمعني آخر أن كل جنيه تحصل عليه العمالة في مصر, فإنها تنتج في المتوسط ثلث مثيلتها في الصين, ولهذا أنا اقترح قبل أن نهرول لنقول إن مطالب زيادة الأجور عادلة, فإننا يجب أن نقوم بتقييم هذا الأمر مربوطا بالإنتاجية. 2 الفجوة بين مرتبات الذين في القمة الحاصلين علي دخول كبيرة, وباقي العاملين.. ألا يوجد مرتب عال أو قليل إلا بالمقارنة بمدي مساهمة الفرد في نجاح المؤسسة, فإن المرتبات من أعلي الهرم الوظيفي إلي أسفله يجب أن تقيم في ضوء مدي ما يقدمه إلي المؤسسة التي يعمل بها. 3 ومع احترامي لهذه المطالب: فإن توقيت هذه المطالب يوحي بعدم النظر إلي الصالح العام, ويمثل أمرا غير مقبول في ظل هذه الظروف. ولكنني الآن لا ألومهم وحدهم فلسنوات كانت الحكومات السابقة ترسم صورة وردية للاقتصاد المصري, بينما كانت الدولة في كساد, فعندما تأتي في وسط موجة من العجز لترسم صورة وردية عن الاقتصاد المصري فالناس يتساءلون عن حق لماذا لا يحصلون علي مميزات هذه الصورة الوردية؟. ولكن ما يعلمه قليل من الناس أن الاقتصاد كان يعاني مشاكل حقيقية في السنوات السابقة, وهذه بعض الأدلة: 1 بنظرة إلي أرقام وارداتنا بنشرة البنك المركزي المصري في أكتوبر0102, يتضح انخفاضا في استيراد المواد الخام والسلع الوسطية, والاستثمارية, وأن المكون الوحيد للواردات الذي ارتفع هو للسلع الاستهلاكية, وهذا يعني أن الاستثمار كان يتناقص مما يضعف فرص النمو الإنتاجي, أو فرص عمل جديدة مستقبلا. 2 زيادة البطالة كنتيجة مباشرة لتراجع الاستثمار. 3 عجز الموازنة الكبير والمتزايد.. فالمشكلة هنا أنه كلما زاد حجم الدين المحلي استنفدت موارد الدولة في سداد فوائد هذا الدين. 4 نسبة تضخم تواصل الارتفاع بدون أي مجهود لمواجهتها مما يشكل ضريبة علي الفقراء, ويشجع الاستهلاك علي حساب الاستثمار. هذه صورة من الاقتصاد قبل أن يزيديها سوءا الاضرابات الفئوية, فإذا لم تعد عجلة الإنتاج إلي الدوران فالاقتصاد المصري سوف يواجه خطر الانهيار التام. يجب علي الحكومة أن تأخذ وقفة الآن فمن الخطوات التي اقترحها الآتي: 1 إعادة الناس للعمل أولا ثم التفاوض لاحقا. 2 التحدث إلي الناس ومواجهتهم بالحقائق وهذه مسألة سياسية أيضا تتسم بالحكمة, فالناس في حاجة أيضا ليفهموا أن الحكومة لا تستطيع تحقيق متطلباتهم الآن, وبشكل كلي في ظل محدودية الموارد. 3 تشجيع المؤسسات والشركات علي ربط الأجور بالإنتاجية والأرباح فقط لا غير. دع الشعب يحلم فإن مشروعا عملاقا مثل مشروع الدكتور فاروق الباز العملاق المعروف بممر التنمية يمكن تنفيذه وتمويله في ظل استعداد العالم إلي مساندة مصر بعد الثورة إذا ثبتت جدواه الاقتصادية والمالية. ولكن في الختام هناك جانب آخر لهذا الحلم, ما تحتاجه مصر الآن هو الاستثمار في المشروعات التي تحتاج إلي عمالة مكثفة, والتي تخلق فرص عمل لأقصي قدر ممكن, وكذلك إلي عودة السياحة, ولكن كل هذا متوقف علي عودة الاستقرار للبلاد, فإذا العالم رأي وجها مضطربا للعمالة المصرية, وعدم استقرار فإنهم سيحجمون عن الاستثمار في مصر, مما سيؤدي إلي المزيد من البطالة وتزايد المشاكل في الاقتصاد إلي حد يفوق قدرة الحكومة في دفع النمو وإصلاح الاقتصاد. ثانيا: احذروا من عودة الأيدي المرتعشة في البنوك لقد قمت بسؤال أحد أصدقائي من القطاع المصرفي عن حالة البنوك هذه الأيام لكي استطيع تكوين صورة عن النشاط الاقتصادي الحالي, وفي المستقبل القريب. أجابني صديقي بأن البنوك تقوم بعمليات محدودة للغاية هذه الأيام علي كل المحاور, فالنشاط التجاري هابط جدا نتيجة لقلة الطلب علي السلع الاستهلاكية بسبب الثورة والاضرابات الفئوية الحالية, كما أن استيراد المواد الخام والسلع الوسيطة أيضا منخفض للحد الأدني مما يبشر بمعدل نمو استثماري منخفض في المستقبل. وأنا لست منزعجة من كل هذا, فكل هذه الأنشطة ستستعيد وضعها الطبيعي بعودة الاستقرار واستئناف النشاط الاقتصادي, ولكن ما يثير القلق فعلا هو أن البنوك ليست لديها فكرة عن كيفية التعامل مع المؤسسات التي لديها أملاك أو مساهمون رئيسيون في السجن, أو محددة إقامتهم أو متحفظ علي أصولهم ففي غياب أي تعليمات إرشادية للبنوك عن كيفية التعامل مع هذه الحالات, فإن البنوك جمدت منح أي ائتمان جديد أو تمويل لهذه المؤسسات. علي الحكومة والبنك المركزي المصري مسئولية اقتصادية واجتماعية وهم في حاجة إلي اتخاذ قرارات سريعة في هذا الشأن علي أن يضعوا العوامل التالية في الاعتبار: هذه الشركات خاصة المؤسسات الصناعية الكبري عندها آلاف العمال وأي توقف في إنتاج هذه الشركات سوف يمثل تهديدا لأرزاق هذه العمالة. هذه الشركات مدينة للبنوك وتستطيع سداد مديونايتها فقط إذا استمرت في التشغيل المربح, وأي اضطراب سيسبب خسارة ويتسبب في عدم قدرتها علي السداد. هذه الشركات تنتج سلعا تباع في السوق المحلية, كبديل لاستيرادها من الخارج, إجبارها علي تقليل أو إيقاف الإنتاج( خاصة عند عودة الطلب) سيتسبب في اللجوء لاستيراد السلع التي كانت ينتجها, مما سيضع المزيد من الضغط علي الميزان التجاري وسعر الصرف. معظم هذه الشركات ايضا تتداول اسهمها في البورصة, عدم اليقين عن مصير هذه الشركات سيتسبب في زيادة بيع اسهمها في البورصة, وحيث ان عمليات الشراء والبيع في البورصة لها جانب نفسي, فان بيع اسهم هذه الشركات بصورة كبيرة سوف يمتد آثاره لباقي الأسهم المتداولة في البورصة. مع آلاف فرص العمل والمليارات المقترضة من البنوك, فان الحكومة يجب عليها ان تقف وقفة سريعة, لايمكن السماح بانهيار تلك الشركات, ولهذا يجب رسم خط واضح يفرق بين هذه المؤسسات وبين مالكيها. وأخيرا يجب الحفاظ علي هذه الشركات من الانهيار بل دعمها, فبعيدا عن مؤسسيها, هذه شركات مصرية وتمثل جزءا لابأس به من الناتج القومي المحلي الذي من مصلحة الجميع ان ينمو ويجب ايضا الا تدفع البنوك والعمال والادارة فاتورة مخالفات وفساد الملاك.