وضع جديد ومخاوف مستقبلية تخلقت بعد توقيع بوروندي علي اتفاقية عنتيبي لمفوضية دول حوض النيل والمعلنة في31 مايو من العام الماضي بخمس دول وهي إثيوبيا وكينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا فوصل عدد الدول الموقعة الي ست دول من إجمالي تسع دول فعلية تشكل دول حوض النيل حتي اليوم حيث مازالت إريتريا الدولة العاشرة تكتفي بدور المراقب فقط والتي ليس له حق التصويت. وبالتالي لم يتبق خارج حيز التوقيع سوي مصر والسودان والكونغو ولا أحد يستطيع أن يجزم حتي الآن عن الموقف المستقبلي لدولة جنوب السودان الوليدة والمتوقع إعلانها في منتصف هذا العام وفقا للسيناريوهات الثلاثة المفترضة لموقفها. المستفيد الأكبر من هذا الموقف الجيد هي إثيوبيا والتي تتواري خلف دول منابع الهضاب الاستوائية الخمس التي وقعت بالفعل, وبالتالي أصبح الضغط علي الكونغو الدولة السادسة من أجل التوقيع لا يضيف جديدا بعد تحقيق الأغلبية لأن إثيوبيا تخطط منذ سنوات عدة من أجل تحقيق هذا الموقف وهي تعلم تماما أن كمية المياه الواردة من دول هضاب البحيرات الاستوائية ليست ذات تأثير كبير علي مصر وإن ما يصل من إثيوبياهو المؤثر الفعلي. فمن المعلوم أن حصة كل من مصر والسودان من مياه النهر مقدرة عند مدخل بحيرة ناصر تبلغ48 مليار متر مكعب سنويا يرد منها51% فقط من دول هضاب البحيرات الإستوائية بما يعادل6.21 مليار متر مكعب عبر مياه النيل الأبيض وتأتي إلينا شتاء, بينما يبلغ ما يرد من إثيوبيا58% وبما يعادل4.17 مليار متر مكعب سنويا وتأتي صيفا عبر النيل الأزرق. هذا الأمر يبين كيف أن الأمر كان شديد الوضوح لأصحاب العلم والخبرات بأن إثيوبيا ترغب في استقطاع كميات كبيرة من مياه النهر المتجهة الي مصر والسودان عبر النيل الأزرق ولكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك بمفردها حتي لا تدخل في مواجهة مع الدول التسع الأخري لحوض النهر وأنها لابد أن تستقطب دول المنابع الاستوائية الست أولا للتواري خلفها حتي تستأثر هي بالجزء الأكبر من النهر لأن جميع كميات المياه الواردة من المنابع الإستوائية غير مؤثرة علي مصر والسودان وحتي إعادة توزيعها علي الدول الست لهذه المنابع لن يضيف لأي منها أكثر من مليارين فقط من الأمتارالمكعبة من المياه لأنها كما سبق نحو21 مليار متر مكعب فقط بينما الحصة الأكبر من المياه هي التي تأتي من إثيوبيا وسوف تكون لها خالصة ولن يشاركها فيها أحد من دول المنابع الإستوائية والتي لا تتصل بأي منها جغرافيا سوي بكينيا عبر صحاري قاحلة ونهر صغير يسمي نهر أومو وهو لا ينتمي الي أنهار وروافد حوض النيل والذي كان يصب في بحيرة توركانا الكينية وهي واحدة من أهم عشر بحيرات سياحية في العالم. وقامت إثيوبيا بإنشاء ثلاثة سدود علي هذا النهر وحرمت كينيا وبحيراتها السياحية من المياه العذبة اللازمة لحياة وحيد القرن المنتشر في هذه البحيرة. والغريب أنه في الوقت الذي كان زيناوي إثيوبيا يقوم بخداع دول المنابع الإستوائية حول استئثار مصر والسودان بنحو09% من المياه الجارية في النهر كنا في غيبوبة تامة, ولم نتواصل مع هذه الدول الست لشرح الخطة الإثيوبية ضد مصر وحتي ضد جارتها كينيا كما سبق ولم نوضح لهم بأنه يكفينا أن يتركوا لنا كمية المياه التي ترد من الكونغو الي بحيرة ألبرتا عبر نهر السمليكي أغزر أنهار هذه المنابع, وأن باقي حصص المياه الخاصة ببحيرة فيكتوريا أو إدوارد أو تنجانيقا وجميع الموارد المائية داخل أوغندا والتي تختفي تماما داخل حدودها, ولا يخرج منها أي كمية خارج حدودها وبالتالي ما كان سينقص من هذه الدول نستطيع تحمله مناصفة مع السودان ويمكننا تعويضه عبر تنمية موارد نهر السمليكي مع الصديقة الكونغو والتي تعد واحدة من أغني دول العالم في المياه بنصيب للفرد يتجاوز32 ألف متر مكعب سنويا ويلقي نهر الكونغو بها بنحو ألف مليار متر مكعب من مياهه في المحيط دون استفادة, وإذا استفدنا بجزء قليل من هذه المياه يجعل مصر امنة مستقبلا خاصة وإن الكونغوا تتربع علي قائمة أفقر ثلاثين دولة في العالم ومعها أيضا باقي الدول التسع لحوض النيل وتبقي مصر فقط خارجها. الكونغو أيضا تمتلك ثاني أكبر مساحة غابات للأشجار الخشبية في العالم بعد غابات الأمازون بإجمالي مساحة022 مليون فدان ونحن دولة مستوردة للأخشاب والورق ومادته الخام وتعاوننا مع الكونغو في مجال استثمار الغابات وتنمية مواردها يمكن أن يساهم في تدعيم اقتصاديات بلدينا. وبالمثل أيضا كان الاكتفاء باستيراد الشاي والبن والكاكاو والذرة واللحوم من كل من كينيا وتنزانيا وأوغندا كفيلا بتحسين علاقاتنا مع هذه الدول وإيقاف تجاوبها مع المخطط الإثيوبي للاستثمار بالجزء الأكبر من مياه النهر لنفسها بعد أن تخدع دول المنابع وتستقوي بهم ويكفي التدليل بما حدث مع كينيا وحرمانها من مياه نهر أومو. الأمر الجلي والواضح كان شرح الموارد المائية الإثيوبية طبقا لما ورد في تقارير جميع المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة ومنها برنامج الأممالمتحدة للتنميةUNDP والذي أوضح أن إجمالي الموارد المائية لإثيوبيا من مصادرها الداخلية فقط يتجاوز مليار متر مكعب سنويا لا تستفيد بأكثر من01% فقط منها والباقي يهدر كاملا وحتي بعد فتحها لأبواب الاستثمار الزراعي الخارجي لاستغلال أراضيها الخصبة ومياهها الوفيرة لن تستفد إلا بجزء يسير من هذه الموارد, ويتبقي الجزء الغالب قيد الإهدار. المتابعة الدقيقة لدعوة إثيوبيا للمستثمرين الأجانب وإرساء موافقات الاستثمار الزراعي علي كل من الولاياتالمتحدة وإنجلترا وفرنسا وهولندا وإسرائيل والصين وكوريا والسويد كان يعني أن هناك فكرا محددا لاختيار الدول الكبري فقط للاستثمار داخل إثيوبيا حتي تكون حامية لها بعد تواريها خلف دول حوض النيل في اتخاذ موقف جماعي ضد مصر والسودان وحقهما في مياه النهر لأن الأمر سوف يتعلق بحماية استثمارات دول كبري عليها أن تحمي هذه الاستثمارات بنفسها!!.. نفس الأمر كان واضحا في الاعتماد علي الصين وإيطاليا في بناء جميع السدود الحالية والمستقبلية في إثيوبيا كحماية إضافية لإثيوبيا ضد الموقف المصري! فأين كنا من كل هذا!! فعندما ينشر صحفي إنجليزي مقالا في أشهر الصحف اللندنية من فترة قليلة بعنوان هل امتلكت مصر نهر النيل, ألم يكن هذا مقدمة لمصيبة كبري قادمة؟ فمن غيب مصر عن هذه الدول وأضعفها عربيا وإفريقيا؟! وكيف أن رئيس بوروندي وكان آخر الرؤساء الأفارقة الذين زاروا مصر قبيل ثورة52 يناير واجتمع مع رئيسنا السابق وبالتأكيد فإن ما حدث في هذا الاجتماع كان سببا مباشرا لتوقيع بورندي وانضمامها الي هذه المعاهدة فور عودته الي بلاده!! فمن غيب مصر إفريقيا وأضعفها عربيا الي حد المطالبة باختراق ميثاق إنشاء الجامعة العربيةو الذي ينص بأن يكون رئيسها مصريا ثم المطالبة الآن بأن يتم تدوير المنصب بين جميع الدول العربية الاثنتي والعشرين?! المزيد من مقالات د.نادر نور الدين محمد