علي مرمي عدة ساعات من الآن, تأتي ذكري يوم الشهيد الذي صعدت فيه روح الفريق عبدالمنعم رياض الي السماء حاملة شعاعا من أمل في أن النصر قريب, وكان ذلك في يوم التاسع من مارس من عام.1996 وها هي السنوات تجري لنتذكر دم شهيد الأمل في تحرير تراب الوطن من هزيمة يونيو7691, وليتصل في الذاكرة ما جري علي أرض الواقع حين ارتوت أرض الميدان الذي يحمل اسم عبدالمنعم رياض بدماء شهداء جدد وهم يتظاهرون سلميا من أن يتوقف استنزاف مصر ويعود عائد العمل بالعدل لعموم أهل المحروسة. والأمر المتوقع أن يتدفق نهر التاريخ بكل الإجلال وهو يكتب أحداث حياة من استشهدوا دون رهبة وهم يوقظون الحق في الكرامة, هذا الحق الذي حاولت قلة مات منها الضمير أن تدفنه تحت صخور الكبت والقهر, ولكن شباب هذا الوطن كشف عن قدرته بفصاحة أذهلت العالم منذ الخامس والعشرين من يناير الي لحظاتنا هذه. ومع مضي الوقت, يزدحم بالقلب هواجس الخوف علي مصير الحرية إن ظلت أسنان المطالب الصغيرة تأكل في لحم الوطن. كنا منهوبين, نعم, ولكن هل يقوم المنهوب بالسباحة في نهر دمه طلبا للنهاية أم يعيد ترتيب واقعه كي يصل الي مرحلة القدرة علي استرداد ما تم نهبه, والثقة في أن التآزر مع قليل من إنكار الذات يمكن أن تدير عجلة الإنتاج المتوقفة؟ وبين قراءتي لتفاصيل الاتهام الواضح بقتل الشهداء, وبين النظر الي زحام الباحثين عن مطامع صغيرة, بين هذا وذاك يمتلئ القلب بالأسي, أسي يتذكر قدرات من وهبوا الروح فتمتليء غرف الروح بموسيقي سلام سلاح في وداعهم وهم من سالت دماؤهم علي الأرض لتزرعها مقاومة لكل فساد, تماما كما سالت دم عبدالمنعم رياض وهو يفتتح صفحة حرب الاستنزاف المنتصرة والتي تحققت نتائجها عندما ارتفعت رايات النصر في اكتوبر.3791 ويعلو في القلب عميق الامتنان لمن أزاحوا من قمة إدارةمصر رموزا أدمنت احتقار حق البشر في كرامتهم, بجانب استنزافهم لثروات هذا البلد الطيب. ثم يمتليء القلب بالحيرة عندما أري ضجيج الأطماع الصغيرة التي تتناسي أن عجلة الحياة والانتاج يجب ألا تتوقف في انتظار تصفية الحسابات, فتحقيق كل الأحلام في طرفة عين أمر مستحيل. ولعل سقوط كمبيوتر أحمد عز علي سبيل المثال الذي أدمن التزوير يعلمنا أننا لا نملك عصا سحرية تزرع الأرض قمحا وتوزع العدل علي كل بيت, بل لابد من خريطة إنتاج جاد. ومنذ سقوط أحمد عز وما يمثله وأنا أبتسم دون شماته لصورته وهو يتنصل من مسئولياته عما حدث لا من تزوير في الانتخابات ولكن أيضا في مسلسل نهبه هو وأقرانه لثروات مصر, ومن عجائب الأمور أنه في نفس وقت إذاعة كلماته علي قناة العربية جاء علي قناة أخري صورة الفريق المتقاعد محمد الشحات محافظ مرسي مطروح الأسبق, وهو يحكي علي سبيل التذكر كيف حدثه المهندس أحمد عز في الانتخابات قبل الأخيرة طالبا منه تحديدا إنجاح نوعية معينة من المرشحين, كان فسادهم يزكم الأنوف, ولم يمتثل الفريق محمد الشحات لتلك التعليمات, ونجح من أرادهم أهل مرسي مطروح, وما هي إلا أيام حتي جاء للفريق محمد الشحات قرار استبداله بمحافظ جديد, وطبعا لم يهتز الرجل الذي سبق له وأدار سلاحا من أهم أسلحة القوات المسلحة وهو الدفاع الجوي, وشاء القدر أن تأتي لحظة يكشف فيها الرجل بعضا من الأسرار لا بغرض التشفي أو الانتقام, ولكن بهدف رصد المثالب التي تحولت الي كوارث. واذا كانت جمرة ثورة الخامس والعشرين من يناير قد اشتعلت بكلمة سلمية, وبهدف وصول العدل مع الكرامة الي أبسط إنسان في أي موقع من مواقع المحروسة بإذن الله مصر, فلابد لنا أن نتذكر كرامة من استشهدوا وتواصلت دماؤهم مع دماء رمز التضحية في مصر المعاصرة الشهيد عبدالمنعم رياض, وهو الذي دارت تحت تمثاله أكبر مهازل التخلف من بلطجة وقتل علني, ولكن ذكري الشهيد وهبت الشباب قدرة علي مواصلة العمل من أجل التغيير السلمي, ورفع هذا الجيل العلم المصري كنداء حقيقي لحق العيش في وطن يحترم آدمية أهله. لقد شاء أبطال مهزلة الاعتداء بالجمال والخيول مع الرصاص الموجه للرءوس, شاء هؤلاء هزيمة ما لا يمكن هزيمته وهو إرادة الجيل الشاب, ولعل غباء هؤلاء لم يختلف عن غباء البلطجية الذين اعتدنا أن نراهم في الانتخابات السابقة. ومع تذكر يوم الكرامة وهو يوم الشهيد المقاتل عبدالمنعم رياض, لابد لنا أن نتذكر حقيقة واضحة وهي أن الجيش المصري الذي شارك في إعادة صياغته عبدالمنعم رياض بعد هزيمة7691 هو نفس الجيش الذي وقف مساندا لأحلام الجيل الشاب الذي خرج ينادي بالتغيير السلمي للسلطة, ومناديا بضرورة العدل الاجتماعي والحرية في آن واحد, واذا كانت ثورة يوليو قد عجزت عبر تاريخها عن تحقيق المبدأ السادس من مبادئها وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة فقد كان من نتيجة هذا العجز أن ذابت مكاسب يوليو ضحية لعبة متعارف عليها في التاريخ المصري, وهي لعبة اختزال الوطن في شخص قائد ما أيا كان اسم هذا القائد. واذا كان الجيل الشاب قد تحرك في الخامس والعشرين من يناير ليزيح أطنانا من أكاذيب محاولة اختزال الوطن في شخص رئيسه, وليجعل مطلب الديمقراطية أساسا للتقدم بهذا البلد, فمن طبائع الأمور أن الديمقراطية لن تتحقق إلا اذا أقبلنا علي العمل الجماعي, وأن يلتقط كل منا جوهر أفكار المختلفين معه والمشاركين له في صناعة مستقبل الوطن, ونستخلص من جوهر كل فريق خريطة مفصلة لصناعة المستقبل دون ترهل أو ركود أو استسلام لاستنزاف فئة لغيرها. أما إن ظللنا ندمن السباحة بين أمواج الصوت العالي, أو بادعاء أن فريقا منا يملك في الوطن أكثر من غيره, فقد نغرق في خطايا وآثام العجز عن دفع عجلة الحياة المنتجة, وطبعا لن ينفعنا الضجيج الذي لم يصبح قمحا أو كرامة أو إحساسا بالحرية. إن الأحلام التي رسمت خريطتها دماء الشهداء وتواصلت علي نفس الأرض التي تحمل تمثال شهيد رسم بقدراته بدء رحلة النصر العظيم في حياتنا المتمثل في أكتوبر3791, هذه الأحلام تطالبنا بتقديم الاستقالة من أي ضجيج, كي نطعم أنفسنا ونغزل راية كرامتنا بعيدا عن العبودية والتزوير, والحرية أمامنا فلماذا لا نعمل لصيانة وصناعة مستقبلنا بمشاركتنا جميعا؟ المزيد من مقالات منير عامر