كتب:طارق الشيخ كعادتها كل صباح استيقظت الأم يوم25 يناير لإعداد وجبة الإفطار للأسرة.. ولكنها فوجئت بأن ابنها الشاب وابنتها يتأهبان للمغادرة وتعجبت الأم كثيرا بل واصابها الذعر عندما جاء صوت ابنها هادئا وهو يقول:'لقد اتفقنا مع اصحابنا مساء امس عبر التليفون علي ان نخرج معا..ونحن ذاهبان الي ميدان التحرير معهم للمطالبة بإسقاط النظام الحاكم. لم تكن المفاجأة من نصيب الأم فقط بل كانت من نصيب الجميع.. الأسرة والحكومة وخبراء الأمن بل وحكومات دول العالم. فما الذي اخرج الشباب المصري بأعداد هائلة الي الشوارع ودفعهم الي الإتجاه لميدان التحرير تحديدا في وقت متزامن للمطالبة بإسقاط النظام الحاكم والإطاحة برئيس البلاد وذلك دون حمل اي سلاح او وسيلة للدفاع عن النفس علي الرغم من العلم المسبق بوجود جحافل من قوات الأمن المزودة بشتي انواع وسائل المواجهة بدءا من المياة وصولا الي الطلقات المطاطية وقنابل الغاز؟ وتأتي الإجابة من الخبراء لتؤكد ان الغضب وحده لم يكن الدافع الوحيد لهذا التحرك وكذلك لم يكن الفيسبوك,بل كان الغضب مصحوبا بعدة عوامل اخري. فقد اشارت جوديث فين في تحليل لها نشر بمجلة'سيكولوجي توداي'الي ان سقوط نموذج' الزعيم الأب' لدي جانب كبير من شباب الجيل الحالي في مصر كان عاملا رئيسيا من عوامل نجاح مرحلة التعبئة والحشد الجماهيري في الطريق الي ميدان التحرير. فنموذج' الزعيم الأب' لا يعد حكرا علي ثقافة او دولة بعينها او شخص بعينه.فالولاياتالمتحدة بها من يلقب جورج واشنطن ب' ابو الولاياتالمتحدة',وفي تونس كان الحبيب بورقيبة' ابو البلاد'قبل ان يأتي زين العابدين بن علي ليكون الأب الجديد,وهناك غاندي الملقب ب'أبو الهند' وخوزيه دي سان مارتين'أبو الأرجنتين'وموبوتو الذي كان يلقب بأبو زائير وكيم ايل سونج' ابو كوريا الشمالية'. وفي مصر كان عبد الناصر أبو الأمة وتبعه الرئيس السادات الذي كان يتعامل مع الشعب والجيش بوصفهم أبناء له وعند الإشارة اليهم كانت تتكرر علي لسانه كلمة' أولادي'. ويري الخبراء ان' الزعيم الأب'قد يكون مقبولا لفترات زمنية طويلة ولكن بعض الزعماء يتسم سلوكهم تجاه الشعب بالصرامة الي جانب العدل وبعضهم يفضل استخدام القبضة الحديدية وهناك من يقدم علي اتباع سياسات وحشية. وينظر' الزعيم الأب'الي البلاد وشعبها علي انهم اسرة واحدة فهو الأب وزوجته هي الأم والشعب كله هم الأبناء. وبالتالي يجنح' الزعيم الأب'الي حماية الأسرة والعناية بها وضمان أمنها. وبمرور الزمن يجنح الزعيم الأب الي زيادة جرعة الحماية وهو مايصيب الأبناء(الشعب) بالغضب.ويتم كبت الغضب او يستسلم البعض لمشيئة الزعيم الأب واحيانا ما تظهر الأم( زوجة الزعيم)لتخفف من غضبة الأبناء وفي احيان اخري تؤيد أفعال الزعيم الأب انطلاقا من اعتقاد بأن تربية الأبناء تتطلب بعض القسوة. قد يستمر الأمر لسنوات وسنوات ولكن مع ظهور جيل جديد من الشعب( الأبناء) ونمو هذا الجيل تبدأ عملية التقييم ومعها يبدأ اتصال متبادل بين ابناء الجيل الجديد(المحمول والفيسبوك والتويتر)بعيدا عن الزعيم الأب,وتنشأ لغة خاصة بين ابناء الجيل ويزداد التقارب ويتلاشي الخوف من غضبة الزعيم الأب حتي وان تسرب الخوف الي جيل الكبار. وعند تلك المرحلة تكون جماهير الأبناء مهيأة للخروج والإحتجاج لمواجهة قسوة الأب وعندها يجد من تخطوا مرحلة الشباب وكبار السن الشجاعة اللازمة للخروج مع الأبناء الشباب الذين يشكلون الأغلبية. وقد اشاد العالم بالوجوه المصرية الشابة التي ظهرت علي شاشات الفضائيات وشبكة الإنترنت لتحتج علي قسوة الزعيم الأب.فلأول مرة منذ سنوات تظهر وجوه مصرية جديدة شابة تتحدث الي وسائل الإعلام العالمية باللغات الأجنبية وبذكاء وصفاء ذهن وحماسة واضحة.فقد كانت تلك الوجوه محتجبة وراء وجه الزعيم الأب احتراما له في البداية ثم خشية من غضبته في وقت لاحق. ومن وجهة نظر' الزعيم الأب'كان مايفعله الأبناء خطأ كبير ضد' والدهم'وضد الأسرة(الأمة) ومن ثم كانت المواجهة. وهناك عامل اخر وهو المتمثل في عنصر المفاجأة التي تصل الي درجة عدم علم غالبية المشاركين في المظاهرات خلال مراحلها الأولي بما يمكن ان تنتهي اليه. فثورة25 يناير بمصر كانت ثورة مفاجئة وكان من الصعب التكهن بنتيجتها خلال الأيام الثلاثة الأولي علي الأقل. فالثورة يمكن تصنيفها علي انها ثورة شعبية اعتمدت علي أعداد الجماهير الغفيرة التي خرجت.وهناك من الخبراء من يري ان نسبة نجاح الثورة الشعبية تتزايد بتزايد حجم الحشد الجماهيري المشارك بينما تتناقص فرص النجاح بتراجع أعداد المشاركين. واشارت مجلة' مواطن أوتاوا'الكندية الي ان الأسئلة التي تطرق رأس كل فرد في المرحلة السابقة علي انفجار الثورة هي:هل اذهب للمشاركة في المظاهرة؟هل انضم للإضراب؟وفي الغالب يتخذ الفرد قراره بعمل' ما يظن' ان كل الناس ستفعله.ويظل اتخاذ القرار في حالة تأرجح وصولا الي لحظة الفعل المادي. وبالتالي كانت لهتافات حشود الجماهير السائرة في المظاهرات والمتجهة الي ميدان التحرير(إنزل إنزل)اثارها في حشد المزيد والمزيد من المتظاهرين وبالتالي تزايدت معها فرص النجاح وفي مراحل تالية لعبت الأغاني الحماسية وأبيات الشعر المتداولة بين المتظاهرين دورا أكبر. وخلال مرحلة التعبئة تكثر الشائعات والأعمال المثيرة للمشاعر حيث تعد بمثابة الشحنات الكهربائية التي تعطي المزيد من الدوافع والمبررات لدي المتظاهر وتصل به الي مرحلة اعتبار الأمر' حياة او موت'.فعلي سبيل المثال ظهرت في مصر الشائعات التي تتناول تقدير ثروة الرئيس( تراوحت التقديرات بين70 مليار لدي الإعلام البريطاني و3 مليارات لدي الأمريكي). ولكن وعلي الرغم من الحشد الجماهيري ظلت النتيجة متأرجحة فالهدف النهائي الذي تطالب به الجماهير في المظاهرات والثورات الشعبية يعتمد علي ما يظن كل مشارك ان بإمكانه تحقيقه..وكان الهدف في ميدان التحرير هو'إسقاط النظام',ولم يتأكد المشاركين من النجاح الا في مساء يوم11 فبراير.