لا يستطيع أحد انكار أن مصر قد تغيرت وأن صاحب هذا التغيير هو الشعب المصري.. الذي ظللنا لسنوات طويلة نري أنه قد مات بل شبع موتا فاتهمناه مرة بالعقوق ومرات أخري بالموالاة, وفي كل الأحوال كنا نقول ان الانتماء قد هرب من دمه أو أنه أصبح كالماء لا لون ولا رائحة ولا طعم له. قبل سنوات قرأت كتابا بعنوان أؤمن بالانسان ظننت أنه يوتوبيا من تلك التي تتحدث عن أشياء لا واقع لها.. وحسبها أن تتدغدغ مشاعر الناس وكفي! مارأيته في حركة الناس في شوارع مصر وماتابعته من أحداث الثورة ثورة25 يناير وشهداء الثورة الذين كشفوا عن صدورهم واستوي عندهم العيش بكرامة أو أن يواروا التراب: أقول انني تذكرت هنا الكتاب وكأنني كنت قرأته بالأمس فالانسان المصري العادي هو بالفعل صانع المعجزات وليس الأحزاب التي تحاول ركوب الموجة وليس النقابات أو الاتحادات التي تحاول كسب النقاط.. إنني أؤمن بالانسان المصري الذي حرك المياه الراكدة منذ سنوات! لم يقل أحد إنه فقد الوعي للحظته وعاد إليه هذا الوعي كما قال أحد الكتاب يوما أو أن هذه الثورة التي انفجرت جاءته من بعيد.. فالثابت أننا كنا نقرأ علي استحياء أن الوعي كامن في عروق الشعب المصري وهو الذي استدعاه الي حاضره اكثر من مرة, حدث ذلك في ثورة1919 عندما تغني الشعب بالبلح الزغلول وكان يقصد سعد زغلول زعيم الأمة الذي نفاه الانجليز وحرموا علي الشعب المصري تذكره!! كما حدث بعد نكسة1967 عندما خرج الشعب بتلقائية في أحداث9 و10 يناير يطالب الرئيس عبدالناصر بعدم التنحي وازالة آثار العدوان, وحدث مرة ثالثة في ثورة25 يناير2011 عندما تجمع الشعب بمختلف فئاته يطلب تغيير النظام! وكنا قد تأثرنا بالأيديولوجيات وكفرنا بحركة الشعوب بعد سقوط الشيوعية في نوفمبر1989 عندما سقط حائط برلين, وكأن الشيوعية هي التي تصنع الشعوب فخرج الشعب المصري يرفع الاعلام ويحدد مطالبه. ويصنع وعيا باللحظة.. افتقدناه لسنوات! إن مايحدث في ليبيا.. ثم اليمن.. وقبل كل ذلك في الأردن وما ننتظر حدوثه في السودان والجزائر وعدد من الشعوب العربية إن هو إلا تكرار للوعي العربي المفقود الذي عاد.. ولابد أن ينتصر! فالشعوب العربية واعية وتعرف أن ماقالته أوروبا يوما صحيح مائة في المائة عن فزاعة الداخل وعن أن احتلال اسرائيل للأراضي العربية إن هو إلا سبوبة يتاجر بها من أراد من حكام الدول العربية باختصار ان الشعوب العربية لا تموت.. فقط قد تركن الي الراحة وتخلد الي السكون, لكنه السكون الذي يسبق العاصفة ولا يمكن تفسير ماحدث في مصر وقبلا في تونس واليوم في اليمن وليبيا بغير ذلك, فالشعوب التي ظنها البعض قد ماتت.. أبدا لم تمت انها يقظي تسجل انجازات لبعض واخفاقات الكثيرين وفساد الطبقات الحاكمة.. وما تحويل بعض الوزراء في مصر للتحقيق والقصاص من بعضهم في تونس إلا يؤكد أن ماحدث هنا لابد أن يحدث هناك وبالعكس وأن الشعب الذي صحا هناك لابد أن يصحو هنا ويجرف أمامه كل شيء كالنيل الذي يبدو هادئا علي السطح, لكنه يمور كالنيران في الأعماق. لقد سئمنا يوما أي حديث عن حركة الشعوب ودوران التاريخ الذي حدثنا عنها مؤرخ التاريخ توينبي وابن خلدون فيلسوف علم الاجتماع لكن سرعان مااستدعيناهما الي العقل عندما رأينا محافل المحتجين في مصر والبحرين تهز الأرض تحت الأقدام هزا. إننا نؤمن ولا نزال بالانسان العربي القادر وحده بعون الله علي تحويل السكون الي حركة والهزيمة الي نصر! إن ماشاهدناه في تونس ومصر ومانشاهده الآن في البحرين واليمن يؤكد لنا ان الانسان العربي الذي كنا قد يئسنا منه لايزال قادرا علي صنع المعجزات, وأنه يفهم جيدا أن السلطة المطلقة يمكن أن يأتيها الباطل من تحت يديها ومن خلفها فتتحول الي مفسدة مطلقة! لابد أن نعترف بأننا كنا كفرنا بحركة الشعوب يوما ومللنا من الحديث عن الأجيال وصراعها والأرض ومن يزرعها لولا ان هب الشعب العربي في تونس وانتقل اللهب الي مصر وتحولت الكرة الي دول عربية أخري فتزلزلت أفكارا مثل التوريث والأبدية والطواريء وصارت بردا وسلاما.. كما ارتعدت فرائص الحكام في دول أخري وهبطت أسعار السلع الغذائية, ووعد المسئولون بانتهاء زمن الطواريء الذي هبط علي المنطقة يوما. ولا نعرف متي سيرحل كما رحل قادة بعض النظم! كلمة أخيرة في هذا الشأن العام والخاص أيضا, فالأمم لا تبني بالثورات وحدها وانما بالعمل وهذا معناه أن الثورة كما قال العقاد يوما تزيل في طريقها ماقد تجمد.. وثورة مصر قد فعلت فعلها وحولت الجمود الذي ران علي الأيدي والأرجل والعقول الي حركة مباركة.. علينا أن نضيف اليها بالعمل كل نشاط وحيوية وكفانا ماحدث من تغيير كنا نريده ونتوق اليه, فالعمل هو الذي يصنع الحضارات وليس الثورات والاحتجاج لا يصنع تقدما وانما مايصنع النهضة والرفعة هو العمل فلنعد الي عملنا في المدرسة والمصنع ونثق كثيرا كثيرا في جيشنا وفي قياداته ونؤمن بالانسان المصري الذي لا يلين ويظل ساهرا ينتقد وان لم يتكلم ويحمي ويري نفسه امتدادا لسيرة طيبة ورمزا لنضال شعب حاول البعض سلخه عن عروبته بشتي الطرق.. لكن هيهات. الساكت عن الحق: بعد أن تقدم عدد من الفاسدين الي المحاكمة سواء كانوا وزراء في مصر أو رموز الحزب الذي كان حاكما أتساءل: أين الآخرون مثل فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق بل أين زكريا عزمي الذي اعترف يوما في أمانة السياسات بأنه لا يعرض علي الرئيس إلا مايراه.. ومايراه للأسف مليء بالثقوب. افتحموا ملفات الفساد هذه هي الدعوة التي تقدم بها شباب ثورة النصر في أسبوعها الأول بعد الرحيل والفساد الذي يعنيه البعض هو فساد مجلسي الشعب والشوري إذ لا يكفي حله وانما علينا أن نفتح ملف المبيدات المسرطنة الذي برع فيه بعض البرلمانيين وكانوا يظنون أنفسهم فوق القانون. إن اسرائيل ترتعد خوفا من الشعب المصري الذي تجمع مرتين في ميدان التحرير مرة عندما اعلن شعاره ان الشعب يريد تغيير النظام والثانية عندما احتفل بجمعة النصر! وكان حكيما المجلس العسكري عندما أكد أن مصر تحترم كل المعاهدات والاتفاقيات الدولية.. وفهمت اسرائيل أن الشعب المصري يحترم اتفاقية كامب ديفيد, لكنها لم تنس أن الشعب المصري يضع عينا في الداخل وأخري علي اسرائيل التي تتحرك تحركات مشبوهة!! المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي