عاشت مصر ليلة ربما لم تمر عليها من قبل.. ليلة خرج فيها المصريون بدافع الفرحة ليس إلا, شاهدت بعيني الشيوخ يعانقون القساوسة لكنه عناق غير المألوف الذي تعودنا عليه في شعار عاش الهلال مع الصليب في المناسبات المفجعة, رأيت ذوي الاحتياجات الخاصة وهم يطوفون الشوارع علي الكراسي المتحركة. ويرفعون العلم المصري, اندهشت عندما وجدت النساء يطلقن الزغاريد من كل مكان, والأطفال يهتفون الشعب خلاص أسقط النظام هكذا عبر المصربون عن فرحتهم بنجاح الثورة التي شكك الكثيرون في صمودها وبقائها حتي تتحقق مطالبها, لكن من وطأت قدماه ميدان التحرير كان لابد أن يعلم أن النصر قادم لا محالة. ومن بين غمرة الفرحة عشت لحظة تأمل في أسبابها فلم يفرح المصريون هكذا طيلة ثلاثين عاما, وكأن الفرح كان دفينا في أعماقهم لم يخرج إلي النور إلا مع الحرية.. نعم هي الحرية التي حلم بها الناس بعيدا عن القمع وتكميم الأفواه, بعيدا عن الفساد والسرقة والنهب المنظم, بعيدا عن الموت في عبارة أو الاحتراق في قطار أو إهدار الكرامة في أقسام الشرطة وربما القتل نتيجة التعذيب أو اسفكسيا الخنق علي يد أحد المخبرين. بحثت في عيون المصريين عن سبب هذه الفرحة فوجدت لغة العيون تقول لن يكون هناك سرطان من المبيدات المسرطنة ولا فشل كلوي من المياه الملوثة, بحثت فوجدت الرفض لتزوير الانتخابات, لم يعد هناك حزب حاكم كان شعاره الظاهر عشان خاطر أولادك وفي الباطن عشان خاطر أولادهم يسود الفقر والظلم بين الناس, حيتان بشرية عاشت بيننا وسلمتنا عنوة لليأس من الحياة وما فيها, ألم يكن كل ذلك يجعل المصريين يخرجون في ثورة كان شرارتها الأولي هم الشباب الذين واجهوا رصاصات الشرطة ودفعوا الثمن باهظا من أرواحهم لتكتب دماء الشهداء بحروف من نور نجاح الثورة. عادت لي الذاكرة من حياة سوداء إلي أخري لن يعود فيها ما سبق, وأيقنت أنها فرحة الحرية وفرحت مع الشعب وأنا أقول تحيا مصر.