مرت جمعة الرحيل وحل محلها يوم رحيل الغضب والدماء, وهما شعاران أطلقهما شباب المتظاهرين أنفسهم عند إعلان بداية الغضب, ثم بعد اكتشاف فئة كبيرة من هؤلاء الشباب محاولة انفضاض بعض القوي السياسية المتشددة علي غضبهم المشروع الطاهر ومناداتهم بالتغيير المنشود لصالح مصر وشعبها. ذهب يوم الرحيل والحال في ميدان التحرير كما هو عليه إلا قليلا, فقد استجابت غالبية القوي السياسية في الشارع المصري لنداء الحوار بعد اقتناعها بأن الاطاحة بالدستور الحالي والتشريعات المكملة له سوف تؤدي بنا إلي طريق مليء بالعقبات بل والسدود التي قد تؤدي في النهاية إلي ضياع المكاسب الأساسية التي ارتضاها الشعب المصري كله حتي هذه اللحظة. وبالرغم من أن البعض قدم بقصد أو بدون قصد تفسيرات متنوعة لبعض مواد الدستور, إلا أن غالبية القوي السياسية كما قلنا أصبحت علي قناعة كبيرة بأن الحوار حول المكاسب الأساسية في الفترة القصيرة الماضية أجدي وأقوي للحوار حولها خلال الفترة القصيرة المقبلة, ثم يقوم من يتولي السلطة بعد ذلك بالتعديلات التي نتمناها جميعا علي كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وقد لا يرضي هذا الحديث الآن فئات كثيرة من الشعب الذي يتمني أن يري قرب بداية النهاية لآلامه وأحزانه, وأن يري بداية نهاية هذا الخراب الذي حل بأموالهم وأرزاقهم, وأن يري بعض ملامح المستقبل القريب بعد هذا الانهيار الاقتصادي الخطير, ومدي إمكانية سداد فاتورة الخسائر الفادحة التي ستظهر حجمها بعد أيام قليلة ومدي زيادتها أو ارتفاعها يوما بعد يوم أو ساعة بعد ساعة, ومدي إمكانية عودة الاستثمار بعد استعادة الثقة فيما يجري في مصر. أؤمن بحق من يريدون الاستمرار في التظاهر والبقاء في ميدان التحرير, فهذا حقهم وليس منة من أحد, ماداموا قد بقوا ملتزمين بالوجه الحضاري للتعبير عن الموقف والرأي حتي لو كان متصلبا, وعندي يقين أن أعدادا غفيرة من المتظاهرين بدأت يسكت عنها ثورة الغضب, وبدأ العقل الواعي يفكر وينظر ويتعامل مع الواقع الجديد, بما في ذلك الاستجابات التي تمت بالفعل, والتعهدات القطعية التي أظنها صادقة والتي لا يمكن أن تتم دون الدخول في حوار موسع وسريع لا يستثني أحدا, وفي المقدمة الشباب وممثلوهم حتي ولو كانوا منقسمين إلي كتل غير موحدة وهذا لا يعيبهم, فهم يمثلون كل طبقات المجتمع أغنيائه وفقرائه. الآن ندائي المخلص لأبنائي أن يذهب كل منا إلي عمله, ويعطي السياسة نصيبا عادلا من وقته, انتظارا للنتائج المرجوة من جلسات الحوار, لنبدأ بالفعل علي طريق الاصلاح الذي نرتضيه جميعا دون إخلال بمصلحة أي طرف وطني, وكذلك بما يحقق تماسك هذا الوطن الداخلي, وما يحمي مصالح العليا في الإقليم, وما يصون شرعية علي الخريطة العالمية. المزيد من أعمدة ابراهيم نافع