جوهرة الإيمان هي مريم العذراء. هكذا أسماها المفكر الصوفي المهندس زين السماك. رئيس المركز الإسلامي لسيدي علي السماك بالإسكندرية. والشيخ زين كما يسميه أتباعه واحد من المجددين المجتهدين في الفكر الديني. وهو صوفي قادر علي التأمل والإيحاء والمناجاة والسعي, كما يقول نحو النور الإلهي فيقوده هذا السعي نحو حياة متكاملة يكون فيها العطاء متكاملا, فهناك مستشفي سيدي علي السماك بالإبراهيمية. والمركز الإسلامي الذي يعتبر واحدا من أهم منارات الفكر الديني المستنير بالإسكندرية, وهناك مشروعات اعالة للأسر المحتاجة ينظمها مسجده. لكن المهم لدينا هو محاضراته وكتاباته المستنيرية التي تتألق في زمان هو في أشد الحاجة إليها. ومن بينها كتابه الأخير مريم جوهرة الإيمان في القرآن وشأنه شأن الصوفيين الأصلاء تنساب أفكاره سلسة دون أن تحتك بأحكام الآخرين, وان كانت تضيء عقولا لتصبح قادرة علي نفي المواقف الخاطئة.. وفي تفسيره لسورة مريم يبدأ كل سورة من القرآن تأتينا ضيفة متألقة وجميلة, ونراها بأعيننا ونسمع وحيها بقلوبناوهو يؤكد صوفيته باعتبار تفسيره مجرد رأي من بين آراء أخري فتفسير آية ليس بديلا عن الآية, فالتفسير يختلف باختلاف النظرات والتطلعات والثقافات ثم في هذا المقام من القرآن أطلت سورة مريم, فهزت مشاعر المؤمنين ودخلت مريم في قلب كل مؤمن حتي ولدت المسيح ليكون أيضا في القلب الوجداني( ص3) ويمضي من أجل ذلك كله فإن من يقرأ هذا الكتاب عليه أن يلتزم بمحبة المسيح ونوره ثم هو يستدعي حالات منح الله فيها مولودا من لدنه قبل السيد المسيح. فزكريا عليه السلام توجه لديه بالدعاء فحملت امرأته وهي عاقر, ومن قبل بشرت الملائكة زوجة ابراهيم بالحمل وكانت عجوزا ثم وفي الطريق نحو الإيمان يرتب القرآن للمسيح عليه السلام واستقبال مولده وتلك إرادة الرحمن( ص7) وتتم إرادة الرحمن عبر المناجاة النورانية فكما يقول الكاتب كما تحدث زكريا في قلبه, حدثه الله في صميم قلبه فالقلب يتحدث ويتلقي( ص11) ويأتي الكتاب إلي مريم ففي اللحظة التي ولد فيها المسيح عليه السلام, وأصبحت مكانة مريم سامية, وأحتفل بها القرآن فلها عليها السلام سورة باسمها, لدوام ذكرها, وكان المسيح فيها كالشمس المشرقة, وكيف ولا وقد تربي علي يديها واهتمت بشئونه وصلي كما رآها تصلي. وكرم القرآن سورة مريم, فأمر بتذكر ابراهيم وموسي وإدريس عليهم السلام( ص16) ثم نقرأ وفي اطار النور الأعظم الذي تجلي به علي مريم وملكها قرأت مريم بحاستها الروحية أن الله يقول لها هو علي هين( ص20) ثم ولقد وصلت مريم في علاقتها بالله إلي أعلي مراتب الحب, وكانت مؤمنة بقضاء الله وقدره, وصادقة بما لا يدع مجالا للشك, ووثقت من كلماته وإرادته وبطاعتها التامة حملت السيد المسيح عليه السلام فإنتبذت به مكانا قصيا ونواصل رحلتنا لفهم المعجزة وبدأ المسيح يتكلم وأيقنت أنه يستطيع بعينيه ولسانه جذب البشر إليه وتعاطفهم للدفاع عنها, وهو دفاع عن الحق الذي لا يأتيه الباطل, لقد أضاف المسيح لأمه خلقه, فتتجلي صوفية الكتابة عند تفسير الآية وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والتفسير يقول كان المسيح بارا بوالدته, وتلك هي العبادة المتكاملة, فالعبادة ليست طرفا واحدا, ولكنها من طرفين أحدهما الله والطرف الآخر حب الوالدين, وحب الناس, ورعاية الأرض وما عليها من مخلوقات نافعة. ثم يتوقف مولانا عند الآية الكريمة ذلك عيسي ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ويفسرها قائلا يوصي القرآن بضرورة رؤية المسيح في رسالته الروحية والتأثر بها, ليكون في قلبك وعبادتك ومسعاك, وقد علم الناس الزهد وبساطة العيش الكريم, والعفو عمن أساء ومن سوف يسيء, وذلك من الرحمة, وكان المسيح في الأرض كلمة من كلمات الله, وحكمته من حكمة الله فهو الرسول والمبعوث الإلهي فكان نعمة إلهية, ومن الناس من يكتفي بالنعمة وينسي أو يتناسي المنعم وهو الله.. ولكن من أين يأتي التفريق علي أساس من الدين؟ ومن أين يأتي هذا التأسلم الذي يتكاثر في أيامنا هذه كبثور سوداء علي وجه وطن مصاب في كثير من واقعه بالتعصب المقيت الذي هو بعيد عن روح الدين؟ يقول الشيخ زين ولازال الشيطان يعمل علي الوقيعة بين أمة المؤمنين( ونلاحظ انه اعتبر أن المؤمنين بالله من كل الديانات أمة واحدة) فيقول أن هذا يهودي وذلك نصراني, وذلك مسلم, وكان علي المؤمنين بالله ألا يتبعوا خطوات الشيطان, فإنه لهم عدو مبين, كما ليس علي الإنسان أن ينتقد دون علم الرسل والأنبياء ويعمل علي تكذيبهم, وهو يدعي الإيمان بالله الذي أرسلهم جميعا فلابد من اسراع الخطي من جانب المؤمنين الصادقين للتفاهم والتلاقي, في عصر يتنافس سكانه علي امتلاك الأسلحة النووية, فمن أجل رسالات المحبة والسلام يجب أن تعلو الأصوات المؤمنة في العالم بضرورة تلاقي المؤمنين علي الأرض, مع تصحيح المفاهيم الخاطئة بلغة ودية ومقبولة تخلو من الأحقاد والمنازعات. ومن أجل ذلك أعلن القرآن قول الحق الذي أعلنه المسيح في أول خطاب له حيث كان في المعهد, مؤكدا جعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا( ص33). ثم هو يهاجم وبشدة برغم الرفق الصوفي المفعم بالحنان المبتدعين والمخرفين الذين حولوا الحب الأصيل إلي وهم ويقول علي جميع المؤمنين أن يعودوا إلي المرجع الحقيقي صاحب المجد الروحي الذي نذر حياته سائحا بين الناس فكان المسيح, وساعيا إليهم فكان اليسوع. الله عليه يا مولانا. فبهذه الكلمات المضيئة يمكن أن يعم النور قلوب المصريين دون مواعظ جافة أو كلمات غليظة أو تبادل القبل دون محبة راسخة في القلب الجمعي لهذا الوطن. ويبقي أن نتمني عليك يا مولانا أن تواصل هذا الفيض من الكلمات المفعمة بنور ايمان حقيقي, فإن أتي النور سيذهب الظلام حتما.