أثارت نتائج الاجتماع الذي عقده وزير التعليم العالي الدكتور هاني هلال ووزير التربية والتعليم والدكتور أحمد زكي بدر مع عمداء كليات التربية وأساتذتها ردود أفعال متباينة في أوساط التربويين الذين تعنيهم قضية إصلاح كليات التربية بشكل مباشر, وخارج هذه الأوساط من أولياء أمور ومهتمين بشأن التعليم بأشكاله ومراحله. وفي خضم هذه الآراء المتباينة أخشي ما أخشاه أن يتم اختزال هذه القضية في المفاضلة بين نمطين من أنماط إعداد المعلم, وهما: الإعداد التكاملي وهو الشائع لدينا في مصر حيث يتكامل تدريس ما يطلق عليها المواد التخصصية أو الأكاديمية مثل العلوم واللغات والدراسات الاجتماعية والرياضيات مع المقررات التربوية والثقافية خلال أربع سنوات. أما النمط الآخر فهو النمط التتابعي, وفيه يتم إعداد الخريجين من الحاصلين علي الدرجة الجامعية الأولي إعدادا تربويا لمدة عام دراسي, يفترض بعده أن يصبحوا مؤهلين لممارسة مهنة التدريس. وترتفع حمي النقاش حول هذين النمطين, كلما دار الحديث حول اصلاح كليات التربية وكأن أحدهما لابد بالضرورة أن يكون بديلا عن الآخر, ولكن واقع الحال يشير إلي عكس ذلك تماما فالإعداد التكاملي والإعداد التتابعي تجمع بينهما بالفعل معظم كليات التربية ومعاهدها في مصر, ومع ذلك فمستوي المعلمين من خريجي هذين النظامين لا يرضي أحدا في حين أن هذين النظامين تأخذ بهما منفردين أو مجتمعين معظم دول العالم المتقدم, ومستوي المعلمين فيها يستحق الاعجاب والاحترام. إذن ارجو ألا نختزل القضية في المفاضلة بين النظامين, بل علينا أن نبحث عن إصلاح كليات التربية في مكان آخر نتجاهل ونتعامي عنه عندما تحين ساعة الجد, وهو كليات التربية ذاتها وسائر الكليات الأخري التي يعد خريجوها لممارسة التدريس, وما يدور فيها من عملية تعليمية بعناصرها كافة, فالعبرة ليست في النظام, وهل هو تكاملي أم تنابعي, بل العبرة بالكيفية التي يتم بها تنفيذ هذا النظام أو ذاك, ومدي ما نأخذه بجدية واخلاص نابعين من إيماننا برسالة المعلم والتعليم ويغفل الفريقان في إطار المفاضلة أيضا أن عملية إعداد المعلم ليست عملية معرفية تركز علي حشو ذهنه بالمعلومات في تخصص معين, وإنما هي عملية بناء وتكوين إنسان سوف توكل اليه أخطر مهمة, وهي تعليم أبناء الأمة, فالمعلم لم يعد مجرد ناقل للمعرفة, بل أصبح منتجا لها, والمعلم ليس عاملا فنيا يمكن تدريبه علي مجموعة من المهارات, ثم يطلب منه أداؤها أمام تلاميذه, بل هو قبل هذا وذاك إنسان سيتعايش مع مجتمع من الطلاب متفاعلا معهم ومنميا, لهم يبادلهم الحب والاحترام يحفزهم ليس فقط علي اكتساب المعرفة من مختلف مصادرها, بل يحثهم علي الابداع والحوار المثمر والخلاق حول مختلف القضايا مدركا أن له دورا في مجتمعه, ومشاركا في كل المناشط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والسؤال المطروح هنا هل وفرت كليات التربية أو هل يتوافر لها الامكانات التي تمكنها من إعداد هذا المعلم؟ وبشكل أكثر تفصيلا هل تهييء كليات التربية لطلابها فرص ممارسة الأنشطة المطلوب منهم أن يمارسوها مع تلاميذهم؟ هل تتيح لهم برامجها المثقلة بالزبد النظري فرصة تطبيق ما تعلموه منها سواء كان تخصصيا أو تربويا أو ثقافيا؟ هل تتاح للطلاب المعلمين( تكامليا أو تتابعيا) في ظل الأعداد الكبيرة وضيق المساحة, فرصة ممارسة النقاش والحوار والتفكير النقدي الذي نطالب به المعلمين من خلال التعرض لمختلف ألوان الفنون الراقية من موسيقي ومسرح وفنون تشكيلية؟ الإجابة معروفة ولا تحتاج إلي دليل أو برهان أكثر من أن ننظر إلي ما يجري داخل كليات التربية وما يجري في مدارسنا في مختلف المراحل. وأيضا ما يجري خارج المدرسة من شيوع ثقافة التعصب والعنف والتطرف, كان آخرها جريمة كنيسة الاسكندرية. إن اصلاح كليات التربية لابد أن يكون جزءا من عملية اصلاح شامل للتعليم الجامعي والعالي في مصر, فضعف مستوي الخريجين ليس مقصورا فقط علي كليات التربية بل هو عام وشامل لكل خريجي التعليم الجامعي, وسواء أخذنا بالنظام التكاملي أو التتابعي, فالمشكلة مستمرة وسيستمر ضعف مستوي أداء المعلمين, وتهافت ثقافتهم, وستزداد مشكلات التعليم تعقدا. الأسئلة كثيرة, وعلينا أن نجيب عنها بصدق. إن رفع مستوي أداء معلمينا لن يتم خارج كليات التربية ومن ثم لن يتحقق من خلال إشعال النار فيها, وإنما من خلال إصلاحها وجعلها( تتابعيا أو تكامليا) بيئة صالحة لتكوين المعلمين بمختلف مستوياتهم وتخصصاتهم, وهذا رهن باصلاح التعليم الجامعي في مصر بشكل عام.