ونحن في سياق فرحتنا بالنصر الرياضي المؤجج الذي حققه فريقنا القومي لكرة القدم, من الأهمية بمكان توظيف هذا الحدث الرياضي توظيفا تربويا في مدارسنا, التي تفتقر الي المنهج التربوي الرياضي المناسب. فالطلاب يجعلون من حصة الألعاب فرصة للتزويغ واللهو لاسيما ان التربية الرياضية ليست مادة للنجاح أو الرسوب ولا تضاف إلي درجات أعمال السنة... الخ, ولم تعد المدارس أو الجامعات تحرص علي تكوين الفرق الرياضية التي تشارك في مسابقات الدوري علي مستوي المحافظة أو الجمهورية, كما كان يتحقق هذا في الخمسينيات, وأتذكر جيدا مشاركتي مع فريق مدرسة بلقاس الثانوية عام1957 في دوري المدارس في المباراة مع مدرسة العباسية الثانوية بالقاهرة, وبدأ دوري المدارس يتلاشي في السنوات الأخيرة, ولعلنا نتذكر أن الأندية الرياضية الكبري منذ الخمسينيات كانت تعتمد أساسا علي نجوم الكرة في دوري المدارس الثانوية أو الجامعات. وليس الهدف هنا إحياء حصة التربية الرياضية في مدارسنا فحسب وإنما اضافة التربية الرياضية الي مناهج النجاح والرسوب عندئذ تصبح المدارس منابع تفريخ الأشبال والمواهب الرياضية. {{{ ومفهوم التربية الرياضية لايعني الممارسة الرياضية فقط وإنما يعني أيضا المنهج الدراسي التربوي بأبعاده الفكرية الذي يجب ان يتلقاه الطالب في الحصة الي جانب كورس التمرينات الرياضية المقررة, منهج يستهدف تعليم النشء مختصر أصول اللعبات وقواعدها وتاريخ نشأتها وتطورها وممارسة هذه اللعبات والتدريب عليها لتحقيق الصحة البدنية والعقلية معا. ومثل هذا المنهج له أبعاده المهمة في السلوكيات لأن الطالب وهو يمارس الرياضة لابد أن يحاط علما بالروح الرياضية وميثاقها المكتوب ليكون انسانا متزنا عقلا وخلقا وبدنا.ومن خلال هذا المنهج أيضا سوف يتعلم النشء منذ نعومة أظفارهم ان الاشتراك في الأولمبياد والمسابقات الرياضية الدولية الأخري ليس رهانا علي ميداليات ذهبية وإنما حركة سلام وحب واخوة وزمالة وصداقة بين الشعوب والتنافس الشريف خلالها ينمي في الرياضي الانتماء الوطني وهو يسعي لابراز الوجه الحضاري لبلاده. وعندما يتقرر للتربية الرياضية منهج دراسي في مدارسنا نرجو ان يكون مادة نجاح ورسوب لا مادة للتعويض أو خارج المقرر. وفي سياق الإشارة الي الاهتمام بالتربية الرياضية كمنهج دراسي في مدارسنا يكفي الاستشهاد بنموذج أمثل, لهذا وهو عبارة عن موضوع للقراءة تحت عنوان( الروح الرياضية) من كتاب القراءة للصف السابع من التعليم الأساسي عام1988 1989 وجاء موضوع القراءة علي شاكلة الحوار بين اخوين وأوضح الأخ الكبير للصغير المفهوم الشامل للروح الرياضية واستأذن القاريء الكريم بنقل فقرات من هذا الحوار نظرا لأهميته. (كان أيمن تلميذا ذكيا مقبلا علي التعليم, راغبا فيه, يسأل عما يري ويسمع, ليزداد علما ومعرفة, قال لأخيه الكبير يوما: يا أخي اسمع بعض الناس يقولون: هذه روح رياضية, أو تقبل هذا الأمر بروح رياضي, فماذا يقصدون بالروح الرياضي؟ فأجابه أخوه: انهم يعنون يا أيمن أن الرياضي لا يزدهيه( لا يحمله علي التكبر والاعجاب بنفسه) ما يسره, ويحتمل ما يسوؤه: فإذا انتصر سره النصر ونظر في أسباب نصره ليزداد منها, ولم يدخله العجب( الكبر) أو الغرور, وإذا هزم لم يجزع( يشتد حزنه) ولم يحقد علي من انتصر عليه, بل نظر في سبب إخفاقه( فشله وعدم نجاحه) وفوز منافسه, واجتهد في ممارسة التدريب الذي يعده للنصر في الجولات المقبلة, ولا يدع اليأس يستولي عليه, أو يضعف من عزيمته). (ويعنون أن الرياضي إذا كان عضوا في فريق اعتز بفريقه أكثر من اعتزازه بنفسه, فإذا تحدث عن مباراة انتصر فيها فريقه لم يقل: أنا ولكن يقول: نحن, ولا يقول لعبت بل يقول لعبنا, ولا يقول انتصرت بل يقول انتصرنا. وإن كان هو الذي أصاب الأهداف التي حققت النصر). (والروح الرياضي يدعو الي التضامن والتعاون, ففريق الكرة مثلا يمارس لعبته, ولكل فرد مركزه الذي ينطلق منه, أو يدافع فيه, وكلهم متضامنون متعاونون في تحقيق النصر, يبذل كل منهم أقصي ما يستطيع من جهد, ويتلقي العون من سائر زملائه, ويتبادلون الكرة وهم يهجمون علي الفريق المنافس, ويناولونها لمن تتاح له إصابة الهدف, فالنصر منسوب إليهم جميعا, والهزيمة تلحقهم جميعا). (والروح الرياضي يطالب اللاعب بأن يثبت في ميدان, ولا يضعف إن هزم في جولة, بل يستمر في الكفاح, أملا في النصر بعد الهزيمة وكثيرا ما يتحقق النصر للثابتين المثابرين, وإن كانوا في أول المباراة من المهزومين..... الخ. ولذلك عنيت الأمم قديما وحديثا بالرياضة, وأصبحت من الوسائل التي تصل الشعوب بعضها ببعض, وتؤلف بينها, فنري الفرق الرياضية تجوب الدول المختلفة, وتقوم بمباريات متعددة عالمية بين الفرق الرياضية في مختلف الدول, وتخصص لها جوائز أدبية ومالية كبيرة وذلك فيما يعرف بالدورة الأوليمبية, التي تقام كل خمس سنوات, بإحدي الدول التي تولي الرياضة اهتماما كبيرا, ويكفي دليلا علي عناية الأمم بالرياضة أن وسائل الإعلام بها, من مقروءة ومسموعة ومرئية تعطيها مزيدا من عنايتها وبرامجها, كما تصدر لها صحفا خاصة). {{{ وأخيرا.. لعل هذا النص التربوي المقرر علي مدارسنا عام1989/1988 يعد كما أشرنا نموذجا مبسطا للتربية الرياضية المبكرة, والتي يجب أن تحظي باهتمامات وزارة التربية والتعليم وبالتنسيق مع المجلس القومي للرياضة. [email protected] المزيد من مقالات د. أحمد يوسف القرعى