أمضيت اياما جميلة ورائعة بالمهرجان الوطني للفيلم بالمغرب الذي اختتم دورته الحادية عشرة يوم الاحد الماضي.. ورغم ان هذا المهرجان محلي بالدرجة الاولي. لكنه دعا إلي فعالياته أكثر من مائتي ضيف اجنبي من مجموع ضيوفه السبعمائة والذين كان من بينهم أهم السينمائيين العاملين بالمغرب من ممثلين ومخرجين واصحاب كل المهن السينمائية الاخري.. الكل كان يدور في فلك المهرجان في روح سينمائية ايجابية ووثابة تستمتع بالفن وبعالمه بكل رقي وذوق دون صراعات او اية اجواء مشحونة, ربما السر في مدينة طنجة الرائعة التي اقيم بها المهرجان التي تعد احد الابواب الرئيسية للمغرب علي اسبانيا وقارة اوروبا بموقعها الفريد الذي يلتقي فيه البحر الابيض المتوسط بالمحيط الاطلنطي. وبوجود( رأس سبارتك) بالمدينة وهي التي تصنف جغرافيا كأعلي نقطة بقارة إفريقيا.. بل وتضم المدينة ايضا كهفا يسمي كهف هرقل الذي تقول الاساطير ان البطل الاسطوري هرقل كان يعيش به.. بعد ان حكمت عليه الإلهة الاغريقية بسبع انواع من العقاب منها ان يفصل بين قارة إفريقيا واوروبا. لهذا تجد مدينة طنجة ملتقي حقيقي للأفكار والرؤي واللغات, وهذا هو السر في اقامة المهرجان الوطني للفيلم بها حيث جمهور وضعه الموقع الجغرافي والتاريخي شغوفا بالمعرفة والمناقشة. ورغم أن عروض المهرجان كانت تقام بسينما واحدة هي سينما روكسي فإنك تستطيع ان تستشعر حالة مهرجانية كاملة يتشارك فيها الجمهور وصناع الافلام والاعلام بشكل متكامل وبتواضع وتواصل متناهيين, فبالمغرب صحافة وطنية مستنيرة صاعدة منذ عدة سنوات استقطبت عددا كبيرا من الشباب المتحمس وأعطت له الحرية في النقد والتحليل بشرط الالتزام بالمهنيه وتعد تجربة الصحف المستقلة في المغرب تجربة محترمة مهنيا.. أما المهرجان نفسه فقد حفل بالعديد من الفعاليات كان علي رأسها بالطبع عرض مجمل الافلام الوطنية المنتجة بالمغرب عام2008.. ففي مسابقة الافلام الطويلة عرض15 فيلما طويلا هي كل انتاج المغرب العام الماضي, اما الافلام القصيرة فتم عمل تصفية بينها فعرض15 فيلما من بين36 فيلما انتجت العام الفائت, والمدهش ان لجنتي تحكيم المسابقتين تقومان بتحكيم الافلام المحلية ويرأس لجنة الافلام الطويلة مخرج من ساحل العاج وهو تيميتي باسوري والجزائري بوعلام لمحيد واللبناني منعم ريشا وثلاثة اعضاء مغاربة هم المنتجة نزهة الادريسي ومديرة سينماتيك طنجة ابتو برادة والناقدة حسن نرايس.. تنوع رائع بين العرب والافارقة وبين اصحاب المهن السينمائية المختلفة وبين الاجانب وبين اهل البلد.. و نفس المنهج تجده في لجنة تحكيم الافلام القصيرة التي ترأستها مونتيرة فرنسية وشاركت بها مسئولة كبيرة من هيئة الفرانكفونية وجنسيتها من جيبوتي.. ايضا بقية الضيوف كانوا متنوعين, ففي قائمة الصحفيين نجد نقادا من لبنان وموريتانيا وفرنسا وبقائمة مديري المهرجانات تجد من اسبانيا وبلجيكا وإفريقيا.. ومن المنتجين تمت دعوة وفد كبير من30 منتجا بريطانيا تم تنظيم لقاءات بينهم وبين نظرائهم المغاربة لفتح ابواب انتاج مشترك بين الدولتين وتوقيع اتفاق لهذا الشأن وايضا تقديم تسهيلات لمن يريد استخدام الاراضي المغربية كمكان لتصوير اعماله التليفزيونية او السينمائية المقبلة ومن المعروف ان المغرب هي أهم بلد حاليا بالعالم تصور بها أفلام أجنبية.. أما عن الافلام المعروضة والفائزة فقد استأثر بالجوائز فيلمان طويلان اغلب الظن انهما سيمثلان المغرب هذا العام في أغلب المهرجانات السينمائية اولهما هو فيلم البراق للمخرج محمد مفتكر الذي حصل علي خمس جوائز لأفضل فيلم وتصوير وصوت وموسيقي وتمثيل نسائي أول لممثلتيه الرئيسيتين سعدية الديب وماجدولين الادريسي.. والفيلم ينتمي للمدرسة الرمزية حيث تحتل الحدوتة البسيطة مساحة صغيرة من الاحداث. لا شك ان الفيلم هو أكثر فيلم أعجب جمهور المهرجان بل والنقاد ايضا الذين اعطوا له جائزتهم.. لكن من سمعتهم ينتقدون الفيلم كانوا مخرجين مغاربة متنافسين فرأوه مجرد قفزة في الهواء.. ومحاولة فنية غير مكتملة أو رمزية فجة تتخلي عن روح السينما.. اما الفيلم الآخر الذي حصد أكثر من جائزة فهو فيلم المنسيون للمخرج حسن بن جلوب, الذي حصل علي جائزة, وافضل ممثل رجال لأمير الناجي... وهو رؤية جريئة لسينمائي قوي يدين الغرب ولا يمالئه كنسبة كبيرة من السينمائيين الذي كل هدفهم العرض في المهرجانات الدولية.. مثلهم في ذلك مثل فيلم الرجل الذي باع العالم الذي كان الفيلم المغربي الوحيد الذي اختير للعرض في مسابقة مهرجان مراكش الماضي.. بل تم اختياره للعرض في مهرجان برلين المهم الذي سيبدأ خلال ايام وهو من اسوأ الافلام التي من الممكن ان تراها بحياتك وتنفس جمهور المهرجان الصعداء أنه لم يحصل علي أي جائزة.