بعيدا عن الجدل الذي يثيره أحمد عثمان الباحث في التاريخ المصري القديم ومحاولته الربط بين شخصية موسي وإخناتون إله التوحيد في مصر يقدم مؤلفا جديدا حول حضارة مصر القبطية.. الذاكرة المفقودة. أحمد عثمان مؤلف يثير الجدل.. قوبلت نظرياته بالرفض من علماء المصريات.. ولد في مصر عام1934 عمل صحفيا في بداية الستينيات قبل أن يهاجر إلي إنجلترا لكي يستقر في لندن.. قدم كتابه الأول عام1987 باللغة الإنجليزية غريب في وادي الملوك.. ثم عمله الثاني موسي.. فرعون مصر عام1990, ثم كتابا ثالثا بعنوان مسيح مصر. هو يبدأ كتابه الجديد بالإشارة إلي أن تقسيم التاريخ المصري إلي ثلاثة أقسام: العصر الفرعوني من3150 إلي332 قبل الميلاد, ثم العصر اليوناني الروماني من332 قبل الميلاد إلي641 ميلادية, ثم العصر الإسلامي من641 وحتي وقتنا هذا هو تقسيم خاطيء إذ لا ذكر فيه للعصر القبطي, وبرغم أن البعض بدأ في الحديث عن العصر القبطي فإنه لا وجود للعصر القبطي في أحداث التاريخ المصري الذي يدرس في المعاهد والجامعات, أو فيما تنشره الجامعات العالمية. يتضح من هنا أن تجاهل العصر القبطي ليس مسألة مصرية داخلية, وإنما لها علاقة بكيفية تقسيم الباحثين في الغرب للتاريخ المصري القديم والحديث. ويقول إنه حتي بالنسبة إلي أولئك الباحثين الذين يتحدثون عن العصر القبطي فلايزال هذا العصر دون حدود تاريخية محددة, بل هو متداخل مع فترتي الحكم الروماني والبيزنطي, ومن أهم أسباب اختفاء العصر القبطي من التاريخ المصري أن الباحثين الكلاسيكيين اعتبروا القسم الثاني من التاريخ المصري يمثل تاريخ حضارة أجنبية وليست مصرية حضارة يونانية ورومانية. في هذا المؤلف حاول أحمد عثمان أن يوضح سبب هذا الوضع الشاذ, وأن يبين أن ما يسمي الآن بالعصر الروماني للتاريخ المصري30 قبل الميلاد 641 ميلادية هو في الحقيقة يمثل العصر القبطي من تاريخ مصر. وقدم تقسيما جديدا للتاريخ يحل محل التقسيم القديم وينقسم أيضا إلي ثلاثة أقسام: فرعوني من3150 إلي30 قبل الميلاد, قبطي30 قبل الميلاد إلي641 ميلادية, ثم إسلامي641 إلي الوقت الحاضر. واستخدم عثمان كلمة قبطي كما كانت تستخدم في العصور القديمة ليس للدلالة علي المسيحي المصري وإنما للدلالة علي المصري بشكل عام. الأقباط بشكل عام بمن فيهم المسيحيون والمسلمون هم أحفاد المصريين القدماء.. كلمة قبطي مأخوذة من الكلمة اليونانية أجيبتوس وهي شكل الصفة للاسمAiguptia أي مصر. ومن المفهوم أنAiguptia هي بدورها مأخوذة عن اسم مدينة منف في مصر القديمة ها كا بتاح أي مقر روح بتاح, الكلمة التي استخدمها اليونانيون للدلالة علي مصر كلها, وبينما استخدم العهد القديم من الكتاب المقدس الكلمة العبرية مصرايم للدلالة علي مصر استخدم القرآن الكريم كلمة مصر, ومع هذا فقد أطلق المؤرخون العرب الأوائل علي المصريين كلمة قبط, وهي الكلمة التي صارت الآن ذات دلالة دينية وليست قومية. ويشير الكتاب إلي أن الكلاسيكيين الأوروبيين هم الذين قاموا بتحديد عصور التاريخ المصري خلال القرن التاسع عشر ليس علي أساس التطورات الداخلية والتغيرات التي حدثت في مجالات الثقافة والإدارة, بل علي أساس تصورهم الخاص لطبيعة التاريخ المصري القديم, حيث اعتقدوا أنه خلال تلك الفترة عندما سقطت البلاد تحت حكم أجنبي للمقدونيين والرومان ثم البيزنطيين اختفت عناصر الحضارة المصرية القديمة وحلت مكانها عناصر جديدة لحضارة هيلينية يونانية, وهم يرون أن الحضارة المصرية القديمة انتهت من الوجود مع وصول الإسكندر الأكبر إلي أرض مصر في332 قبل الميلاد. وينسب إلي الباحث رودلف بلوم مقولته التي يشير فيها إلي حرص بطليموس الأول وحلفائه علي إظهار تفوق الثقافة اليونانية بطريقة أفضل عن طريق العمل علي ازدهار الفنون والعلوم اليونانية في الإسكندرية حتي يمكن تبرير الحكم المقدوني اليوناني علي مصر. ويرد عليه عثمان بأن ادعاء بلوم يتعارض تماما مع الأدلة الأثرية الحديثة التي تؤكد أن الثقافة الفرعونية المصرية استمرت خلال فترة حكم البطالمة. يستغرق المؤلف في كتابه في تقديم الأدلة التاريخية علي مصرية الإسكندرية ودحض مقولات المؤرخين في يونانية مصر ما بعد مرحلة وصول الإسكندر الأكبر فيتحدث عن اكتشاف قصر كليوباترا والعثور علي معبد فرعوني داخل منطقة القصور الملكية البطلمية. ثم يتحدث عن بدء العصر القبطي بوصول القديس مرقص وتأسيس الكنيسة القبطية المصرية, وكان هو أول البطاركة في كنيسته التي أقامها في الإسكندرية. وأفرد المؤلف فصلا عن الكتابات القبطية وآخر عن تدوين الكتاب المقدس و ظهور الرهبنة في مصر, واعتمد بشكل كبير علي عدد من المراجع أهمها موسوعة تاريخ الأقباط لزكي شنودة, وقدم فصلا عن الحج المسيحي إلي مصر.. ثم الفن القبطي.. ووجوه الفيوم. الحقبة القبطية كما قدمها أحمد عثمان عبارة عن تأريخ لدخول الديانة المسيحية إلي مصر, وهو لا يكفي لتقديم رؤية متكاملة لحضارة مجتمع.. ويبدو أنه معذور في ذلك إذ لم يقدم الغرب باحثيه وعلماءه ما يدون تلك المرحلة بشكل كامل. الكتاب يقع في166 صفحة استهل بمقدمة جيدة كتبها منير غبور ومن إصدار مكتبة مدبولي صفحات من تاريخ مصر.