أعترف بأنني أشعر بعدم الارتياح إزاء بعض ما يصدر من ردود أفعال عربية وإسلامية تجاه الحملات الأوروبية والأمريكية المتصاعدة في الآونة الأخيرة باسم القلق علي أوضاع المسيحيين في الشرق لأن الإسراف في الرد علي هذه المزاعم من خنادق الدفاع والتبرير فقط يعني تسليما بصحة هذه المزاعم. ولست أظن أننا مطالبون بأن نثبت عكس ما يفترضه هؤلاء وإنما يتحتم علي الذي أطلق الفرية وروج لهذه الأكذوبة أن يثبت صحتها فلم يكن الإسلام دينا وحضارة وأمة ممن يصنعون الشر ويحرضون علي الأذي ويضعون قيودا علي حرية العقيدة حيث يشهد تاريخ الشرق بأنه كان منبع الديانات السماوية ومازال وسيظل نموذجا لتعايشها معا! أريد أن أقول بوضوح إن الاستسلام لمثل هذه المزاعم والسعي الحثيث من جانبنا لإثبات عدم صحتها ينبغي أن يجيء بحساب وفي إطار وضع النقاط علي الحروف فقط ودون الانزلاق في فخاخ الجدل المنصوبة بخبث لكي تضعنا كعرب ومسلمين في خنادق الدفاع وكأننا متهمون فضلا عن أن ذلك يستهدف استدراجنا إلي القبول بالزج بالأديان في أتون صراعات سياسية لا تخدم سوي أهداف من يسعون لإخضاع العالم كله تحت مشيئتهم. وإذا كنا قد تفهمنا ما أعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 من تداعيات وفرت الفرصة لدعاة صراع الحضارات وتحملنا وقتها كل السهام المسمومة ضد كل ما هو عربي وما هو مسلم تحت رايات مضللة تسعي لتصوير الشرق كله علي أنه أصبح ساحة للأصولية الإسلامية التي تنبت الإرهاب والتطرف وتبذر بذور العداء والكراهية للحضارة الغربية المسيحية فإن الأمر الآن جد مختلف ومن الظلم للحقيقة أن تتجدد مثل هذه الحملات بسبب حادث إرهابي يقع هنا أو هناك علي مسرح الشرق بمثل ما يحدث في عقر دار من يطلقون الفرية ويروجون للأكذوبة. لقد كان حريا بالذين يروجون لأكذوبة اضطهاد المسيحيين في الشرق ويعطون لأنفسهم حق مراقبة الأحوال الدينية لدي الآخرين أن يروا أنفسهم في المرآة, ليعرفوا أن واقع الحال عندهم الآن ليس صحوة دينية بعد طول ابتعاد عن الدين وإنما الذي يجري عندهم تزمت ديني يسمح بطغيان التوجه الديني علي جميع شئون الحياة وبالتناقض المطلوب مع العلمانية التي تقول صراحة بالفصل بين الدين والدولة. وليس أخطر في العلاقات الدولية من محاولة توظيف الدين لخدمة السياسة خصوصا إذا كان احتكار هذا الحق في التوظيف مسموحا به للأقوياء فقط من أصحاب ثقافة الفكر الامبراطوري الجديد. وليس مقبولا أن يسمح بابا الفاتيكان لنفسه بدس الأنف في أدق الشئون الداخلية لأي وطن باسم العباءة الدينية لأن ذلك يفتح أبوابا قد يصعب إغلاقها بعد ذلك. وليحفظ الله مصر والشرق كله من محاولات زرع الفتنة التي باءت بالفشل علي طول التاريخ بفضل روح التسامح والاعتدال والوسطية التي تمثل عنوانا ثابتا للحياة فوق أرض الكنانة! *** خير الكلام: ** لا جدوي من الحوار عندما يتحول اللسان إلي خنجر!