قد لا تكون لهذه السطور مناسبة غير أني التقيت مصادفة وبعد طول غياب بالشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي, وكنت اعتدت أن أراه مرة علي الأقل اسبوعيا عندما كنا نتنفس معا أجواء الغربة الباريسية. لم يتغير الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي, فذهنه متوقد كعادته ووطنيته وحبه لمصر يفوق الحد, وحماسته للفكر الليبرالي لا سقف لها.. فقط لازمته عصاه التي يتوكأ عليها واعتمر البيريه بشكل دائم وكان سابقا يعتمره لبعض الوقت.. واشهد أني عندما سافرت الي باريس في اوائل ثمانينيات القرن الماضي كان اسم الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي يملأ سماء بلاد الفرنجة واذا ماجلس علي مقهي في الحي اللاتيني كان يتحلق حوله المثقفون والمبدعون والطلاب العرب ومحبو الشعر كل واحد منهم ينظر اليه بإعجاب وينتظر دوره لكي يجيبه عن استفساراته وكانت تدور حول حركة الأدب والشعر.. والسياسة ولم لا؟! وكنا نحن الطلاب( المحدثين) في جامعة السوربون نفاخر العالمين به ونزج باسمه في غير مناسبة. مؤكدين أنه مصري وأنه ابن الشعب وليس من أبناء الباشوات! وآشهد أن الرجل كان شديد التواضع يخالط الجميع ويستمع الي ملاحظاتهم عما كان يكتب في ذلك الزمان في جريدة الشرق الأوسط.. لكن الأهم أننا معشر الطلاب العرب كنا نسمي الشارع الذي يسكن فيه باسمه وكان اسمه الحقيقي شارع الصحة! واقسم والله علي ماأقول شهيد أن الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي كان يفتح لنا بيته وقلبه في كل الأوقات ولا يبخل علينا بإضاءة عقولنا حول الأمور والقضايا والاشكاليات التي نسأله فيها.. وكم كانت سعادتي عندما حدثني عنه شيخ المستشرقين جاك بيرك( صاحب أصدق ترجمة لمعاني القرآن الكريم) بقوله: إنه من فحول الشعر العربي المعاصر ولقد كسبته جامعة( السوربون الجديدة) عندما وافق علي تدريس مادة الشعر لطلبة قسم اللغة العربية.. واذكر أني نظمت ندوة حول عملاق الفكر العربي عباس محمود العقاد بالمركز الثقافي المصري في باريس ودعوت الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي والمفكر المغربي علال سيناصر والمستشرق الفرنسي روجيه آرنالديز والشاعر السوداني الراحل صاحب ديوان شجرة الأبنوس صلاح ابراهيم. واذكر أن كلمته قد لفتت انتباه الحاضرين, وقد عقد في جزء منها( مقاربة) بينه وبين العقاد مؤكدا التشابه الكبير بينهما في المعارك الأدبية التي خاضها كل منهما.. لكن الأهم في الجانب الشخصي والعصامي باعتبار أن الرجلين صنعا مجدهما الأدبي اعتمادا علي القلم والفكر ولاشيء غير ذلك.. واعترف بأن حياة الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي ونضاله في دنيا الأدب والشعر والفلسفة سيبقي نبراسا في ضمير الأجيال العربية لايخبو أواره مع تقادم السنين, فلقد كان يغمس ولايزال القلم في صدره ليضيء الدنيا بفكره مقابل الفتات مع أن أنصاف المتعلمين علي حد قول المفكر الجزائري محمد أركون كانوا يحصدون الرواتب والامتيازات.. مقابل لاشيء!