هذه حكاية من حكايات الوطن.. حكاية فنية وتاريخية ووثائقية تعكس معها لمحة من لمحات مصر الحديثة الثقافية خلال القرن التاسع عشر.. حكاية ترويها أصابع وأيادي فنانين وخطاطين ساهموا في بناء هذه النهضة, وربما لم يلتفت التاريخ إليهم بشكل كاف.. آن الأوان كي نرد اليهم الاعتبار.. فنستمع الي شهاداتهم ورواياتهم التي تعرض معها لتاريخ مصر.. هذه الدراسة الوثائقية الجادة التي بين أيدينا اليوم( ديوان الخط العربي في مصر) تحمل بين صفحاتها وسطورها قصة فنية عذبة لمسيرة الخط العربي في مصر بداية من عهد محمد علي باشا مؤسس الأسرة التي حكمت مصر منذ أوائل القرن التاسع عشر الميلادي والتي ازدهر في عهدها الخط العربي وتطورت فنونه البديعة ليتعدي دوره الوظيفي التقليدي ويصبح أساسا جماليا في العديد من مناحي الحياة وحتي عام1952 م. فترة زمنية عريضة وثرية وجديرة حقا بالبحث.. وتضم الدراسة كذلك بين صفحاتها أساليب ونماذج الخطوط المختلفة للنصوص الكتابية علي الآثار والتحف والعمائر إبان حقبة محمد علي, وتبرز أيضا أسماء الصناع والفنانين والخطاطين الذين ساهموا في تأصيل هذا الفن البديع عبر الأزمنة المختلفة. نحن إذن أمام عمل وثائقي مهم وحيوي, ومرجع جاد وعميق يتتبع عن كثب مسيرة الخط العربي فنيا وتاريخيا.. مرجع لا يتوقف فقط عن الخلفية الفنية والتقنية للخط العربي وإنما يرصد كذلك الخلفية التاريخية والأثرية لهذا الفن العظيم. وأكثر ما يلفت الانتباه في هذه الدراسة انها تروي سطور التاريخ وترصد أحداثه العديدة عبر ايادي وأصابع الخطاطين والفنانين. هذه الكتيبة الفنية العظيمة التي كان لها الفضل في ترسيخ ألوان وفنون الخط العربي والتي ظلت تتناقل فنونه وأشكاله جيلا وراء جيل وظلت تعمل بجهد وإخلاص وصمت دون ان تعرض لجهدها ودورها الدراسات والوثائق. ويهدف الكتاب علي حد كلمات الدكتور إسماعيل سراج الدين في سطور المقدمة الي إعادة دراسة فنون الخط العربي عبر إطار تاريخي وحضاري يستوعب معه التحولات السياسية والثقافية في عصر أسرة محمد علي ويستكشف معه تلك العوالم الرحبة التي تتواري خلف زخارف وألوان الخط العربي. فالخط العربي يحتاج كما تؤكد الدراسة التي بين أيدينا إلي أكثر من مجال معرفي لفهم تطوره وفنياته.. ومن هنا تحديدا تكمن صعوبة دراسته. هناك الجانب الفني والتقني.. ذلك الجانب الذي دأبت معظم الدراسات علي الخوض فيه.. ولكن هناك أيضا الخلفية التاريخية والأثرية التي تحتاج منا الي مزيد من البحث والدراسة.. دراسة التاريخ عبر الخط العربي التاريخ كما يرويه الخطاطون تري كيف تكون سطوره وكلماته؟ مدخل جديد ومختلف.. أليس كذلك؟ الدكتور خالد عزب, هذا الباحث الدؤوب الأمين الذي تصدي لهذه الدراسة العميقة ومعه رفيقه الباحث الشاب محمد حسن ومن خلفهما مكتبة الاسكندرية بكل اسهاماتها القديرة المخلصة التي تعني بحفظ ذاكرة الوطن وصيانة تاريخه وانجازاته الثقافية والحضارية يقدمان هنا عبر هذا المجلد الضخم البانورامي الذي يبلغ550 صفحة من الطباعة المصقولة الملونة دراسة موسوعية تتكون من خمسة فصول تحمل هذه العناوين: الخط العربي في مصر قبل أسرة محمد علي الباشا والخط العربي أسرة محمد علي والخط العربي( الخط العربي بين التغريب والاحياء) الملك فؤاد الخط العربي في الاسكندرية وتحفل الدراسة بالصور النادرة والمخطوطات واللوحات والجداريات التي تضم جميعها نماذج مختلفة للخط العربي فضلا عن الأبواب القديمة والأسبلة والجوامع والجدران والمقابر وواجهات الأبنية التاريخية القديمة والدواوين والعمائر الضحمة. إنها شهادة تاريخية فنية من نوع خاص جدا شهادة الخط العربي في مصر تحية الي مكتبة الاسكندرية وتحية الي جهد الباحثين اللذين تصديا لهذا الانجاز العظيم