يكتمل بناء الدولة بتوافر إقليم وشعب وحكومة واعتراف دولي, ويجمع العلماء علي ان الولاء والانتماء اللذين يمكن ترجمتهما إلي حب الوطن, يعتبران الأساس المتين لقدرة ومكانة الدولة في النظام الدولي, ويعني حب الوطن التفاني في خدمته وإيثار مصالحه علي المصالح الخاصة والالتزام برؤاه وتقاليده وقيمه وأهدافه والابداع من أجل تقدمه وارتقائه, فإذا كانت قدرات الدولة, والتي تحدد مكانتها في النظام الدولي تتمثل في القدرات الاقتصادية والبشرية والعسكرية والتكنولوجية وطبيعة النظام السياسي, فان الروح المعنوية هي الرابطة التي توجد تماسكا لا ينفصم بين هذه العناصر, وفي كثير من الاحيان, تتفوق علي ماعداها في شحذ همم الافراد والجماعات والأمم وتميز بينهم وبين ما عداهم, وفي حقيقة الأمر, فإن ضعف الروح المعنوية أو القومية يودي, ليس فقط بالدولة, وإنما ايضا بالحضارة لما يعنيه ذلك من اولوية مصالح الفرد أو الجماعة أو الفئة أو المذهب أو الطائفة علي المصالح العامة. وقد شهد المصريون وقائع تاريخية اثبتوا فيها مدي ايثارهم للمصلحة العامة وتفانيهم في حب الوطن ولعل أبرزها حرب أكتوبر عام1973, والتي شهدت التزاما مطلقا بالمصلحة العليا لمصر وتفانيا كاملا في حبها والدفاع عنها والاخلاص لها دون انتظار أي مقابل أو عائد, علي العكس من ذلك, كانت هناك رغبة شديدة في الاستشهاد في سبيلها, فلا يمكن أن أنسي شخصيا السائق مسعد والجندي مغاوري اللذين اصيبا في المعارك بشظايا إسرائيل الغادرة ومع ذلك, اصرا علي الاستمرار في القتال جنبا إلي جنب مع زملائهما, ولايمكن ان أنسي الجندي ميخائيل الذي رفض رفضا باتا ان ينزل إلي الحفرة البرميلية لتجنب الطائرات الإسرائيلية واصر علي ملازمتي وملاصقتي جسديا, لايمكن كذلك ان انسي قائد كتيبة المشاه الميكانيكي, والذي كان زميلا لي في الدراسة الثانوية, والذي كان يقاتل مع جنوده الذين اصروا علي الصيام, وهو ما لا نستطيع ان نقوم به نحن, وأكاد اجزم ان هؤلاء الأبطال لم يتم تقديرهم حتي الآن, وهم لاينتظرون ذلك, هذه هي الروح المعنوية التي اقصدها, والتي تسمو علي كل ما يمتلكه الوطن من مصادر قوة مادية لانها تعني ببساطة التلاحم والتضامن والتكامل الشعبي الذي لايمكن لدولة ان تتقدم وتتطور بدونه. ويستلزم خلق وبناء الروح المعنوية, والتي تترجم عمليا بحب الوطن احساس المواطن بالمساواة والعدل بينه وبين أقرانه, ويقينه بعدم التمييز ضده لاي سبب من الأسباب أو التحيز لغيره خروجا علي القانون, ويتطلب ذلك بلا شك رؤية واضحة من جانب الدولة وبرامج محددة لغرس هذا الاحساس بصورة طبيعية, سواء بطريق التنشئة أو السياسات بما فيها القدرة التوزيعية لها, وأول ما ينبغي النظر إليه هو البرامج التعليمية التي تدرس للتلاميذ في مرحلة التعليم الاساسي, والتي ينبغي ان تتوافق مع رؤية الدولة من ناحية, ومع احتياجات المجتمع من ناحية اخري, والذي يقرأ مقررات الدراسات الاجتماعية أو اللغة العربية أو التربية الدينية لابد وان يشعر بالفزع من ابتعادها الكامل عن خلق اتجاهات وطنية إيثارية تكاملية لدي التلاميذ, فعل سبيل المثال فإن تقسيم التلاميذ في مادة التربية الدينية إلي فصلين منفصلين تماما يتناولان الديانتين الرئيسيتين أوجد لدي التلميذ في وعيه وفي اللاوعي بأن هناك اختلافا بين طرفين وإلا فلماذا يوجد فصل واحد لجميع المقررات دون التربية الدينية, ومما لاشك فيه ان في الديانتين من مباديء التوحيد والايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ما يبرر جلوس الطلاب جميعا في فصل واحد اساسه التأمل والتدبر في خلق الله ورحمته بالبشر ودعوته إلي الحق ذلك بان الله هو الحق وأن مايدعون من دونه هو الباطل . ومما لايغرب عن البال, ان آفة الإعلام الحديث وتسيب وسطحية الفضائيات يستلزم وقفة صارمة, لاتحد من حرية الإعلام, ولا من حرية التعبير عن الرأي, ولاتفرض رقابة بالمعني التقليدي, وانما تعيد إلي الإعلام دوره الايجابي في وقاية السلام الاجتماعي ولعله مما يثير الغضب قيام مذيعين غير متخصصين وشخصيات دينية أو شخصيات مدعية بالاجابة علي تساؤلات اسرية خاصة ودينية ليس مقامها الإعلام المفتوح, ومما يثير حفيظة المشاهدين تلك الجرأة المتناهية لهؤلاء المذيعين وشيوخ الفتاوي ومتخصصي الرد علي الاسئلة في الإجابة علي سؤال موجه من طرف واحد بما يعني بالقطع عدم الموضوعية وبما يوجد تشككا لدي المشاهدين, وفي هذا الإطار, فانه ينبغي أن تقتصر البرامج الدينية جميعها علي تفسير القرآن والسنة أو الانجيل دون تدخل من مذيعين غير مؤهلين وشيوخ غير موضوعيين. ويبقي الرهان الأخير علي النظام السياسي الذي ينبغي ان يقدم قدوة تحتذي من جانب المواطنين ويدفع بهم إلي مشاركة فاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية, أليس من الممكن مثلا ان تقوم وزارة الداخلية بإصدار بطاقات التصويت في الانتخاب وارسالها إلي الشباب دون تحملهم مشقة الذهاب إلي اقسام الشرطة لاستلامها؟ اليس من الممكن العودة مرة اخري إلي عام الخدمة العامة الذي ينبغي ان يتوجه إلي قضية مصرية مثل محو الأمية آو حماية البيئة من التلوث أو الانطلاق إلي العشوائيات وتوعية قاطنيها؟ وإذا كنا نستمد هويتنا من مصر ونستظل بمكانتها, فهل من الممكن ان نخلص لها, ونسعي إلي زيادة تقدمها, فهي اهم وأرقي من الحكومة التي من حق المواطن دستوريا ان ينتقدها ويخاصمها خصوصا اذا لم تضع السياسات التي من شأنها ان تعلي من مكانة الوطن والمواطنين, بهذا المعني يصير حب الوطن فرض عين علي الجميع.