مصر تدخل نوعا فريدا من الحروب.. إنها حرب ضد أنفاس الزائرين من السياح التي تهدد ثروتها القومية. وإغلاق مقابر ملوك وملكات مصر الاصلية وإنشاء مقابر مقلدة تستوعب الزيارات. بهذا القرار الخطير, تحاول مصر إنقاذ ثروة قومية لا مثيل لها علي وجه الارض ولن يكررها الزمان وهي مقابر ملوك وملكات مصر من الدمار بعد أن أحاطت بها أنفاس9 آلاف زائر يوميا يتهافتون علي زيارة هذا الابداع الملكي الذي صممه ملوك مصر العظام ليكون مرقدهم الابدي بعد أن تسلل غاز ثاني أكسيد الكربون والرطوبة من انفاس الزائرين يدمر ألوان رسومات المقابر ونقوشاتها. مع النسمات الاولي للصباح يمتلئ البر الغربي بأكمله بسيل من البشر جاءوا من آخر الدنيا ليتسابقوا الي زيارة ملوك وملكات مصر في مرقدهم الاخير.. يلفهم ذلك السحر لرسومات ونقوش مقابر الملوك.. كيف صنعت هذه النقوش وتلك الالوان في ذلك الزمان الساحق القدم.. وتسجل خزينة الدولة دخلا هائلا يوميا لهذا التدفق الغريب من الزائرين الي الراقدين في أعماق البر الغربي. وإذا كانت خزينة الدولة تفرح بالدخل اليومي الهائل.. فإن دموع المسئولين عن حماية الآثار في بلادنا تتدفق خوفا ورعبا علي هذه الثروة القومية البديعة التي لن يكررها الزمان. * أنفاس الزائرين سوف تحطم هذه الثروة.. هكذا بادرني د. زاهي حواس رئيس المجلس الاعلي للآثار والمسئول الاول عن حماية هذا التراث القومي الخطير إن غاز ثاني إكسيد الكربون الذي يخرج من أنفاس الزائرين يدمر نقوش المقابر الملكية الرائعة ويسبب بهتانا في الوانها التي ظلت باقية تقاوم الزمن منذ آلاف السنين. .. والاجهزة التي تم وضعها في المقابر لقياس خطر هذه الانفاس, أكدت أن انفاس الزوار والرطوبة سوف تؤدي حتما إلي دمار هذه المقابر بعد مائة سنة.. وانها سوف تنتهي تماما خلال مائتي عام علي أكثر تقدير.. وتفقد مصر هذه الثروة القومية الخطيرة.. وبذلك فقد اصبحت السياحة كما يضيف د. حواس رغم اهميتها الا انها خطر يهدد الاثار ويدمرها! * ولكن ماذا يقول الخبراء عن ملامح هذا الخطر الذي يثير مخاوف رئيس هيئة الآثار؟ د. جمال محجوب رئيس الادارة المركزية للصيانة والترميم يشرح بصورة علمية كيف تؤثر أنفاس الزوار علي نقوش ورسومات المقابر الملكية ان دخول الزوار بأعداد كبيرة داخل المقبرة يؤدي كما أكدت اجهزة قياسية الي ارتفاع نسبة الرطوبة وبخار الماء وغاز ثاني أكسيد الكربون.. وقد تمكنت من إحداث تلف بيولوجي بعد أن تمكنت كائنات حية دقيقة من النمو فوق الرسومات والنقوش.. كما أدت إلي تفتيت في الأحجار نتيجة ذوبان المادة الرابطة للأحجار خاصة الأحجار الرملية والجيرية.. كما أن نسبة الرطوبة تشجع علي عوامل( التجوية الكيمائية) وهي عمليات تؤدي إلي تفتيت الصخور وتحول معادنها كيميائيا.. إنقاذ الملك الذهبي لقد أصبحت63 مقبرة ملكية في وادي الملوك بجانب100 مقبرة لملكات مصر بوادي الملكات مهددة بالدمار. وكانت الدراسات قد أعلنت عن وجود خطر داهم علي مومياء الملك الذهبي توت عنخ آمون وهي المومياء الوحيدة الموجودة الآن في مقبرتها بالبر الغربي بعد نقل كل المومياوات إلي المتحف المصري: ولذلك تم إنقاذ مومياء الملك الصغير بنقلها من داخل تابوته إلي فاترينة زجاجية في نفس المقبرة.. والفاترينة متصلة بكابينة بها مواد وأجهزة ضخ غاز النيتروجين الذي يعمل علي ضمان إستقرار درجتي الحرارة والرطوبة حول المومياء, الملكية.. وذلك بجانب رفع سعر دخول هذه المقبره بالذات الي100 جنيه للفرد وإغلاقها ساعة كاملة يوميا وتحديد حد أقصي لعدد الزوار اليومي ب500 زائر فقط. ومع ذلك فقد اكتشف الخبراء وجود بقع داخل مقبرة الملك توت وقد تسبب ذلك في إحداث موجة من الذعر والمخاوف علي المقبرة ذات الشهرة العالمية الطاغية مما دعا هيئة الآثار المصريه إلي استدعاء خبراء وأجهزة من معهد بول جت الامريكي للإطلاع علي هذه البقع الغامضة وتحليلها وعلاجها قبل استفحال الخطر. حرب الأنفاس ان المهمة القومية التي ينفذها الآن المسئولون عن حماية الآثار في بلادنا هي حماية الآثار من أنفاس السياح والزائرين.. ومن أجل نجاح هذه المهمة بدأت حرب الانفاس بقرار بإغلاق ثلاث مقابر إغلاقا نهائيا لا رجوع فيه.. وقد تم إختيار مقبرة توت عنخ آمون لما لها من شهرة عالمية طاغية.. ومقبرة الملك سيتي الاول التي تتميز بوجود نقوش علي درجة هائلة من الجمال.. واخيرا مقبرة الملكة نفرتاري. والتي تتميز بدورها برسومات والوان تفوق التصور وحتي لا يحرم السائح من مشاهدة هذه المقابر بعد اغلاقها فقد تقرر تطبيق فكرة تنفذ الآن عالميا.. وهي إنشاء مقابر مقلدة طبق الاصل للمقابر الاصلية وذلك بحفر المقابر في جبل جنوب استراحة كارتر بالبر الغربي وعمل رسومات ونقوش وكل تفاصيل المقابر الثلاثة وذلك باستخدام الليزر.. وقد تم بالفعل تصوير مقبرة توت عنخ آمون بالليزر او مايسمي التصوير ثلاثي الابعاد تمهيدا لعمل النموذج المقلد.. وجار عمل التصوير في نفرتاري وسيتي الاول وسوف تغلق المقابرالثلاث نهائيا.. ولكن سوف يسمح بزيارتها برسوم خاصة تصل الي50 ألف جنيه للزيارة الواحدة بعدد محدود من الزوار. والفكرة تم تطبيقها في فرنسا وجلاسجو بانجلترا بأن أقاموا كهوفا مغايرة للكهوف التاريخية وحولوا الزيارة اليها.. ونجحت الفكرة تماما في هذه البلاد.. وسوف تقوم بتغطية نفقات إنشاء المقابر المقلدة كما يصرح د.حواس مؤسسة سميح سويرس وهو تقليد جديد يدعو رجال الاعمال الي المساهمة في إنقاذ آثار مصر. هل يهرب السائح ؟ ولكن يبقي التساؤل: هل سيرضي السائح بزيارة مقابر مقلدة بدلا من الأصلية ؟ وهل سوف يؤثر ذلك علي حجم السياحة الي مصر ؟ الخبراء يؤكدون ان الفكرة نجحت في بلاد أخري ولم تؤثر علي حجم السياحة اليها.. ومع ذلك فإن الاغلاق سوف يكون محدودا علي المقابر الثلاث فقط وهي مقابر لا يمكن تعويضها ولا يمكن ان تتكرر علي مر الزمن.. وسوف يسمح بالزيارة في باقي المقابر الاصلية.. كما ان السائح الاجنبي لديه وعي ثقافي هائل مما يدعو الي احترامه لهذه المخاوف علي هذه الثروة التاريخية العظيمة. ولكن الاغلاق سوف ينقذ فقط ثلاث مقابر ملكية وتبقي بقية المقابر في ذات الخطر.. ومن هنا كانت المعركة ضد أنفاس الزائرين قد أخذت حجما مهما من التنظيمات كما يشرح د. حواس لإنقاذ مقابر البر الغربي فقد تم مد ساعات فتح الزيارات بعد اتمام اضاءة البر الغربي وعمل فترتين للزيارات.. وعمل نظام تهوية في بعض المقابر ووضع أجهزة لخفض الحرارة والرطوبة.. وتطبيق نظام الغلق المتبادل.. بأن يتم فتح12 مقبرة واغلاق باقي المقابر واستبدالها بمقابر أخري كل موسم. للسياحة رأي آخر وعن التساؤل الحائر: هل يرضي السائح بالمقابر المقلدة دون الأصل ؟.. خبراء السياحة يؤكدون أن السائح لن يرضي بمشاهدة المقبرة المقلدة.. لأن السائح جاء الي مصر كما يؤكد د. خالد المناوي رئيس غرفة شركات السياحة حتي يشاهد الاصل وليس التقليد.. فقد كان بإمكانه أن يشاهد التقليد علي النت أو الصور ولكنه يأتي الي مصر بكل هذه التكلفة يري أصل هذه الاعمال.. وان ذلك سوف يؤثر حتما علي عدد السائحين الي البر الغربي وقد يكون من المناسب الاكتفاء بتحديد عدد الزوار وتغطية جدران المقابر بطبقة زجاجية لمنع وصول الرطوبة وبخار الماء الي الرسومات والنقوش مع عمل نظام تهوية لشفط الرطوبة وفتح المقابر بالتبادل. الكشف بأيد مصرية وفي البر الغربي بالاقصر الآن جهود يقودها د. حواس للكشف عن باقي مقابر ملوك مصر وملكاتها بأيد مصرية مائة في المائة. والمهندس المجتهد مصطفي وزيري رئيس آثار البر الغربي يؤكد لي أن البحث جار الآن عن المقبرة رقم64 في وادي الملوك وان الجهود المصرية تزيل الآن مشكلة تركها الباحثون عن مقابر الملوك خلال السنوات الماضية حيث كان الرديم الذي يخرج من الحفر يوضع فوق مقابر أخري لملوك آخرين.. الجهود الآن تنصب في إزالة هذه الكميات الهائلة من الرمال حتي يمكن الكشف عن المزيد من المقابر لملوك وفراعنة مصر الذين لم يكتشفوا من قبل.