أحلم بعالم بلافقر أو فقراء.. بهذه الكلمات تحدث البروفيسور محمد يونس في المؤتمر الصحفي الذي عقد في العاصمة الماليزية كوالالمبور. وذلك بمناسبة إقامة الاحتفال السنوي لتوزيع الجوائز العالمية التي يمنحها برنامج الخليج العربي الإنمائي أجفند للمشروعات التنموية الرائدة.العبارة التي قالها يونس كانت خير مقدمة وخاتمة لكل مادار علي مدي يومين كاملين مليئين بالأحداث في قلب مدينة كوالالمبور التي تعد هي نفسها من أفضل الأمثلة علي التنمية القادرة علي تحقيق نتائج اقتصادية واجتماعية مذهلة. بداية, فإن برنامج أجفند أسسه الأمير طلال بن عبد العزيز منذ عام, وسعي الي تقديم الدعم الي المشروعات التنموية الرائدة في الدول المختلفة, مع التركير علي فكرة أن مايقدمه البرنامج ليس معونة للفقراء, ولكنه دعم للجادين القادرين علي العمل وتنفيذ مشروعات وأفكار ناجحة يستطيعون من خلالها تحقيق أرباح كبيرة وتوفير فرص للعمل في بلدانهم بل والتوسع في هذه المشروعات أيضا, وهذه هي نفس فكرة بنك جرامين أو بنك الفقراء التي أطلقها البروفيسور محمد يونس في بنجلاديش في منتصف التسعينيات من القرن الماضي وانتشرت في عدد كبير من الدول النامية لتحقق نتائج رائعة وليحصل بعدها يونس علي جائزة نوبل للسلام عام2006 ولهذا لم يكن غريبا أن يصبح يونس فيما بعد شريكا لبرنامج أجفند بل وأصبح بعد ذلك أحد الاعضاء البارزين في لجنة تحكيم تلك الجائزة السنوية, و التي تنقسم إلي أربع فئات حسب الجهة المنفذة للمشروعات: الأولي للمشروعات التي تنفذها منظمات دولية أو إقليمية والثانية للمشروعات التي نفذتها جميعات أهلية والثالثة لمشروعات نفذتها جهات حكومية بينما الرابعة مخصصة لمشروعات الأفراد أو القطاع الخاص. وخلال مؤتمر صحفي كبير عقد في اليوم الأولي تم الإعلان عن اسماء المشروعات الفائزة بجوائز أجفند لعام2010 والتي كانت تدور حول فكرة استخدام تكنولوجيا المعلومات الكمبيوتر في التنمية الزراعية والريفية وكان علي رأس الفائزين فيها مشروع تطوير واحة سيوة في مصر باستخدام تكنولوجيا المعلومات والذي تحدث عنه الحاضرون باعجاب شديد, وقد حصل هذا المشروع علي المركز الثالث في الفرع الأول من الجائزة بعد كل من مشروع جنوب إفريقي وآخر مشترك بين أستراليا وتيمور الشرقية ونيبال. وفاز بجائزة الفرع الثاني مشروع فلسطيني بعنوان خطة لحماية الطفل من تنفيذ جمعية سوا الفلسطينية, وفاز بالفرع الثالث مشروع فلبيني بعنوان الاكاديمية المفتوحة للزراعة ونفذه المعهد الفلبيني لابحاث الأرز فاز بجائزة الفرع الرابع مشروع التدريب عن بعد لمحاربة مرض الملاريا في بوركينا فاسو. وكانت هذه المشروعات الأربعة الفائزة بجوائز2010 من بين إجمالي28 مشروعا تم ترشيحها في الفروع الأربعة من الجائزة تمثل25 دولة وكان من المشروعات التي دخلت قائمة الترشيح ولم تفز مشروع البرنامج الوطني لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أسيوط. وفي ختام اعمال اليوم الأول تم التصويت لاختيار فكرة جوائز العام المقبل2011 وكانت هناك أكثر من فكرة تستحوذ علي اهتمام المشاركين في اجتماع لجنة الجائزة مثل تعزيز ثقافة السلام والحوار ونبذ العنف ومواجهة الكوارث الطبيعية وتمكين المرأة ومحاربة العنف ضد النساء والأطفال ولكن في النهاية تم حسم التصويت لصالح فكرة تمكين الشباب من خلال مبادرات توسيع الفرص الوظيفية. وفي تصريحاته للصحفيين, أكد الأمير تركي بن طلال أنه يأمل في ان يقوم الإعلام بدوره في تعريف الناس بفكرة الجائزة في كل عام حتي يتسع الباب امام مشاركة اكبر عدد ممكن من المشروعات التنموية الناجحة, وقال إن هذا الدور سيساعد مسئولي الجائزة علي تذليل الكثير من العقبات التي يمكن ان يواجهوها خلال أعمالهم, وقال ان الجائزة لايمكن ان تفرق بين مشروع في دول عربية ودول غير عربية لأنها في النهاية جائزة عالمية تعني بالدول النامية بصفة عامة, ولكنه أشار إلي أن هذا لايعني أنه لاتوجد مشروعات فائزة من دول عربية, بدليل جوائز مشروعات هذا العام والذي سبقه, كما أشار إلي أن من بين أبرز المشروعات التي يشارك فيها أجفند في الفترة المقبلة مشروع مبني الجامعة العربية المفتوحة في بيروتالجنوبية. كما قدم ناثر القحطاني المدير التنفيذي ل أجفند شرحا لتلك النقطة قائلا: إن المملكة العربية السعودية هي أكبر المساهمين في ميزانية البرنامج, حيث تقدم250 مليون دولار وهو مايمثل90% من حجم الميزانية, إلي جانب مساهمات أخري كبيرة من دول مثل الكويت وقطر وعمان وأضاف انه اذا كان أجفند قد ركز جهوده ونشاطه في المرحلة الماضية علي تحقيق حلم الاقتصاديات الضخمة المايكروفاينانس فإن الحلم الجديد المقبل هو تقديم أول منتج اقتصادي إسلامي, غير انه لم يشأ أن يكشف عن التفاصيل الآن. والتقط محمد يونس خيط حديثه من فكرة لحلم فقال ان مشروع بنك الفقراء نفسه كان حلما ولكنه الآن أصبح امرا واقعا وتجربة رائدة يحتذي بها, وقال إن حلمه الشخصي هو أن يري عالم بلافقر أو فقراء مؤكدا أنه حريص, ومستعد أيضا لنقل فكرة بنك الفقراء إلي أي مكان في العالم. وردا علي سؤال حول تأثير الأزمة المالية العالمية الأخيرة علي بنك الفقراء, أجاب يونس قائلا: الأزمة المالية لم تصب بنك الفقراء لأنه قائم علي أساس فكرة التمويل للمشروع الذي يحقق نجاحا, بينما الأزمة أصابت بنوك الأغنياء بالفعل, والسبب هو الصراع الطبيعي الذي يدور بين هذه البنوك علي رأس المال. وفي اليوم الثاني والأخير من تلك المناسبة السنوية, أقيم حفل توزيع جوائز أجفند للفائزين في مسابقة عام2009 والذي شمل عرضا مصورا لأبرز اللقطات التي توضح طبيعة عمل هذه المشروعات الفائزة والنتائج الإيجابية التي حققتها في المجتمعات التي تنتمي إليها. وقد صفق الحاضرون طويلا لرئيس الوزراء الماليزي وهو يعلن أمام الحاضرين بلهجة حاسمة أن بلاده مصممة علي تحقيق هدف التحول من مجرد نمر اقتصادي إلي دولة متقدمة بحلول عام2020 وهي الخطة التي بدأت منذ عهد رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد, ومازالت تنفذ بنجاح منقطع النظير رغم تغير الحكومات والأسماء, ثم صفق الحاضرون أيضا طويلا للأمير تركي وهو يعلن أسباب اختيار ماليزيا لاستضافة حفل جوائز أجفند, باعتبار أن هذا البلد يمثل في حد ذاته أبرز دليل عالمي علي نجاح فكرة التنمية. ولكن كان التصفيق حادا عندما وقف محمد يونس ليوجه كلمة مؤثرة للغاية أكد فيها ان حلم الفقراء في العالم لم ينته بعد, ولن ينتهي مهما كانت الظروف, وجدد إصراره علي تحقيق حلمه الشخصي عالم بلا فقراء سواء عن طريق شراكته مع أجفند أو عبر مشروعه بنك الفقراء, أو بأي وسيلة أخري.