دعا السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق إلي منح الأكراد حق تقرير المصير, خاصة أن الأوضاع الحالية في العراق تسمح بذلك, أضاف أن كركوك ستكون للأكراد. وجاء ذلك خلال المؤتمر العام للحزب الديمقراطي الكردستاني, وبحضور جميع القيادات السياسية العراقية, التي لم يعلق أي منها علي دعوة السيد البارزاني, فما هي أبعاد هذه الدعوة, وإلي أين ستذهب بالعراق, وماذا يحدث في العراق الآن؟! بداية من الضروري أن نشير أن إلي دعوة السيد مسعود البارزاني لم تأت فجأة ولكنها محصلة جهود ونشاط كردي استغرق عدة سنوات واستهدف الحصول علي أكبر قدر من المكاسب خاصة من النظام السياسي الجديد في العراق لتحقيق الطموحات القومية للأكراد وقد سبقه خطوات أخري من أهمها ما يلي: تجاوز مرحلة العداء والحرب التي جرت بين الحزبين الكرديين, الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني والحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني, والاتفاق علي صيغة تحالف, وتوحيد الخطاب السياسي للتعامل مع الحكومة المركزية في بغداد. توحيد الإدارتين الحاكمتين, في السليمانية وكان يسيطر عليها حزب الاتحاد الوطني, والتي في أربيل ويسيطر عليها الحزب الديمقراطي في حكومة مركزية لكل إقليم كردستان, وإن تأخر دمج القوات العسكرية والأمنية التابعة لكل إدارة قياسا بالوزارات الأخري. إقامة نوع من التعددية السياسية في الإقليم تضمنت تداول المناصب الرئيسية بين الحزبين الرئيسيين. وإتاحة مساحة مشاركة للأحزاب الأخري. المشاركة بقوة في إعداد الدستور الدائم للعراق وتضمينه مواد تخدم التطلعات الكردية, وتؤكد فيدرالية النظام السياسي بما يحافظ ويحصن تلك التطلعات. استثمار الخلافات المتصاعدة بين التكتل الشيعي والقوي السنية العربية العراقية, الأمر الذي رتب في النهاية أن يصبح الائتلاف الكردستاني هو القوي المرجحة لأي تحالف سياسي مؤثر, وربط الانضمام لأي تحالف لتشكيل الحكومة بمدي تجاوب أي منها مع المطالب الكردية. اللافت أن كل القوي السياسية العراقية تنافست علي تقديم التنازلات للائتلاف الكردي, وعلي حساب ما سبق أن أعلنوه من مواقف خاصة في قضية كركوك. هكذا جاءت دعوة السيد مسعود البارزاني متوافقة مع ما شهده العراق من تطورات, وتعني التحرك خطوة إضافية للأمام. في هذا السياق يمكن الاشارة إلي أن الخلاف الكردي العربي داخل دولة العراق تركز منذ إنشائها في العشرينيات حول ثلاث قضايا أساسية. هي حدود الاقليم وطبيعة الحكم الذاتي الذي يتمتعون به, ومدي سيطرتهم علي ثروات الاقليم, وقد شهدت السنوات الماضية ومنذ إسقاط النظام السابق تطورات كثيرة فيما يتعلق بالقضايا الثلاث, فلم تعد حدود الاقليم مشكلة, ولكن المشكلة في ضم مناطق أخري للحدود, التي سبق أن حددتها الولايات منذ حرب الكويت والتي حظرت علي القوات العراقية خلال الحكم السابق تجاوزها, وأهم هذه المناطق هي كركوك الغنية بالبترول وما جاورها من مناطق تشهد تداخلا عرقيا. وفيما يتعلق بسلطات الحكم الذاتي, فالواقع أن الاقليم يتمتع بسلطات كاملة تسمح لحكومته بادراته مستقبلا. هكذا يتضح أن دعوة السيد البارزاني ليست أكثر من خطوة جديدة للأمام مبنية علي واقع, أرسي قواعد وأسسا لمزيد من الاستقلالية, وتؤكد في النهاية أن الأكراد هم أقوي القوي السياسية تأثيرا في النظام السياسي العراقي, وكانوا حريصين علي توفير كل ما من شأنه دعم مطالبهم في الوقت الذي انشغلت فيه القوي العربية الشيعية والسنية بمن يتولي رئاسة الحكومة دون الاهتمام بتحقيق المصالحة الوطنية. من ناحية أخري فإن صدور هذه الدعوة من السيد مسعود البارزاني تشير بوضوح إلي مدي حرصه علي تجسيد الطموح الكردي والسعي لاكتساب مزيد من الشعبية والمزايدة علي الرئيس جلال طالباني داخل المجتمع الكردي, من الضروري ايضاح أن الطموح الكردي لايزال يواجه معارضة إقليمية حادة سواء من جانب تركيا أو ايران وغيرهما من دول الجوار التي تخشي تأثير ذلك علي الأوضاع الداخلية فيها, وإذا كان الأكراد عينهم علي ماتم في جنوب السودان من نموذج يمكن الاقتداء به, خاصة أنه يضم نفس القضايا والمشاكل, إلا أن الواقع الإقليمي لايزال مستعصيا عليه عكس ما جري في السودان, كما أن الموقف الأمريكي لايزال غير واضح, فبينما تبني نائب الرئيس الحالي مشروعا لتقسيم العراق قبل توليه منصبه, عاد مع إدارة الرئيس أوباما لتأكيد ضرورة المحافظة علي تماسك الدولة العراقية, الأمر الذي يدفع لترجيح أن القادة الأكراد يدركون جيدا طبيعة الموقف الاقليمي والدولي. بالتالي فإن مثل هذه الدعوة يمكن تفهمها في إطار رفع سقف المطالب الكردية من الحكومة المركزية بما يحقق حدا أدني من المكاسب, ويحافظ علي التماسك الكردي بخصوص الطموحات القومية, ولكسب القيادات الكردية في النهاية المزيد من الثقل والنفوذ, والقدرة علي استيعاب لقطاعات تطالب بالانفصال. كما يمكن تفهمها في إطار التعامل مع تركيا ومحاولة تعديل سياستها تجاه العراق التي لم تكن متوافقة مع التوجهات الكردية خاصة مساندتها لإياد علاوي والضغط عليهم للتنازل عن بعض المناصب السيادية. المزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات