حينما تنتابني لحظات الأرق.. حينما تعجز عيناي عن النوم.. حينما أشعر بوطأة الوحدة.. وحينما تكشر الدنيا عن أنيابها في وجهي.. لا شيء يعيدني إلي هدوئي وسكينتي سوي سطور رواية أخاذة تشدني نحو شطآنها وتدفعني دفعا إلي بحورها.. عندها فقط أشعر بالراحة.. وأستعيد من جديد توازني النفسي.. فالرواية لديها سحر خاص وأثير يعرفه عشاقها ومريدوها.. وهي عندي بمثابة كنز ثمين لا تضاهيه أموال الدنيا كلها. تري هل أقول هذه الكلمات لأنني تربيت في بيت يقدر القراءة بل ويكاد يقدسها؟ أم لأن الزمن الذي نشأت فيه لم يكن يعرف بعد الإنترنت والمواقع الإلكترونية والمدونات والفضائيات والسماوات المفتوحة وإلي آخر هذه التقنيات الحديثة التي تعد منافسة للقراءة وغريمه للكتاب المطبوع؟ لا أعلم حقا.. لكنني أحسب أن الكثيرين يشاركونني مشاعري هذه.. هل تراجعت عادة القراءة؟ هل تواري الكتاب؟ هل غابت الرواية؟ أسئلة كثيرا ما نطرحها في المحافل واللقاءات الثقافية ونبحث طويلا عن إجابة شافية لها وإحساس بالقلق يعربد في نفوسنا ويغمر قلوبنا.. ولعل العنوان الذي اختاره ملتقي القاهرة الدولي للإبداع الروائي العربي: الرواية العربية.. إلي أين؟ يعكس معه هذه المخاوف والهواجس من ناحية ويعرض كذلك للأزمات التي تعانيها الرواية العربية من ناحية أخري. الحضور المصري والعربي المكثف الذي واكب المناسبة الثقافية الكبيرة يؤكد معه كذلك أن الكل مشغول ومهموم بقضية الرواية العربية.. كلمات متفائلة تؤكد معها أن زمن الرواية لم ينته بعد وأنها مازالت ديوان العرب رغم الانكسارات والهزائم والمجتمعات القمعية التي نعيش في أرجائها.. فالرواية علي حد تعبير د.جابر عصفور بمثابة البوصلة المفقودة التي نحتاجها في هذا الزمن المتعثر.. وكلمات أخري متشائمة تؤكد أن هذا الزمن ليس زمن الروائيين والمبدعين.. فالكتاب كما تري سحر خليفة بات علي الرف.. ونحن أيضا أصحاب الفكر والإبداع والضمائر بتنا علي الرف! الأوراق والأبحاث التي قدمها002 مفكر وباحث من مختلف البلدان العربية تفند معها أحوال الرواية العربية علي مختلف الأصعدة وتجيب كذلك علي تلك الاسئلة الشائكة: من نحن؟ وإلي أين نمضي؟ ولمن نكتب؟ أسئلة قديمة جديدة.. كثيرا ما تناولتها الأقلام, وإن ظلت الإجابة غائمة وغائبة معا(!) وربما أكثر ما يلفت الأنظار هنا ليس فقط تنوع الأوراق ومن ثم تنوع وجهات النظر والرؤي التي تطرحها معها, وإنما أيضا العناوين والتناول الجديد الذي واكب ظروفنا المجتمعية والسياسية والثقافية المتغايرة.. الرواية الجديدة.. التجريب الروائي.. السرد وثقافة الصورة.. الرواية في ظل عصر العولمة.. الشكل المفتوح وإشكالية الإبداع العربي.. الحرية في الكتابة الروائية.. دراسة المستقبل والخيال العلمي.. نحو حركة روائية جديدة.. بعض من عناوين الأبحاث والدراسات التي اهتمت بآفاق الحاضر والمستقبل. هناك كذلك أوراق عنيت بالكتابة النسوية وتناولت بالتحليل والرصد الدقيق كتابات المرأة نذكر بعضا منها: صعود كتابة المرأة.. المرأة مشروعا روائيا.. كتابة المرأة ومؤنث اللغة.. صوت البنات شهرزادات معاصرات.. جماليات الكتابة النسوية للرواية التاريخية.. ظاهرة تكاثر الروائيات.. وغيرها.. لم يكتف الملتقي إذن بتناول تلك( التيمات) التقليدية التي قتلت بحثا.. لم يغرق في بحور الماضي.. بل كانت عيناه علي الحاضر والمستقبل معا وتلك مزية تحسب له بالتأكيد.. الجو العام الذي واكب الحدث الثقافي الكبير يبث معه بشرا واحتفاء بالرواية العربية وربما أيضا تشجيعا لشباب الروائيين الذين لديهم فرصة أفضل بكثير من الأجيال السابقة.. جالت عيناي في أرجاء قاعة المسرح الصغير حيث حفل افتتاح الملتقي ورأيت كبار الروائيين العرب من مختلف البلدان يجلسون جنبا إلي جنب يتحدثون ويتناقشون في مودة وحب ويتبادلون الضحكات والابتسامات.. فقلت في نفسي ربما تفلح الرواية فيما فشلت فيه السياسة(!) الرواية العربية.. مرحبا [email protected]