كان يمكن, بل كان يجب أن تكون هزيمة جماعة الإخوان المسلمين( المحظورة قانونا) في الانتخابات البرلمانية الأخيرة نقطة تحول نوعية وايجابية في الحياة السياسية المصرية, وكان ذلك ممكنا بشرط واحد هو ألا تكون هذه الهزيمة لحساب الحزب الوطني وحده ولكن أن تكون لحساب المجتمع والديمقراطية وكان ذلك يتأتي من خلال ائتلاف حزبي معلن يقوده الحزب الوطني الديمقراطي, ويلتزم ببرنامج أو ميثاق مكتوب, يتسع لكل قوة تؤمن بالدولة المدنية, وحقوق المواطنة ومتطلبات الأمن القومي, والعدالة الاجتماعية, ويحاصر كل القوي الداعية للدولة الدينية والمهددة للوحدة الوطنية والأمن القومي. وكنا قد كتبنا في هذا المكان بتاريخ20 سبتمبر الماضي تحت عنوان الجميع ضد الاخوان ندعو إلي قيام مثل هذا الائتلاف, وقلنا إن الظرف يبدو مثاليا لتجربة قد تصل بنا إلي هذا التوافق التاريخي, فنحن مقبلون علي انتخابات برلمانية بالغة الأهمية, لأنها تسبق انتخابات الرئاسة من ناحية, ولأنها تأتي بعد انتخابات برلمانية حققت فيها الجماعة انتصارات غير مسبوقةب, وأضفنا: والذي نقترحه ببساطة هو حصار الجماعة بأقوي الضغوط السلمية والديمقراطية المشروعة قانونا لاجبارها علي مراجعة تاريخها وفصل العمل السياسي الذي هو متغير ونسبي بطبيعته عن القيم الثابتة أو المطلقة.. ولتحقيق ذلك يجب علي الحزب الوطني ألا يجد غضاضة في عقد صفقة مع سائر الأحزاب الشرعية المؤمنة بالديمقراطية, وبنسبية السياسة, وبمدنية الدولة لخوض انتخابات حرة تأتي ببرلمان توافقي تقل أو تنعدم فيه فرص الفوز للاخوان, ما لم يلتزموا بالشروط التي اتفق عليها الجميع, وفي ذلك التاريخ الذي لم يبعد كثيرا, لم نتوقف كثيرا عند الهواجس التي تعتبر الصفقات السياسية عملا معيبا, فقلنا إنه علي الرغم مما تثيره كلمة صفقة من حساسية لدي البعض, فإنه لا عيب في مبدأ الصفقات السياسية من حيث الأصل, بل إنها في بعض الأحيان تكون عملا محمودا, ولكن يشترط لكي تكون الصفقة غير معيبة أن تكون علنية ومعروفة المبادئ والأغراض, وربما تكون محددة المدة. وتأكيدا علي عدم وجود عيب في مثل هذا النوع من الصفقات السياسية تذكرنا أن مصر قد جربته في مراحل مهمة من تاريخها, أبرزها ائتلاف الوفد والأحرار الدستوريين بزعامة سعد زغلول وعدلي يكن في الائتلاف الكبير الذي تلا سقوط حكومة زيور باشا, وائتلاف الحزبين معا مرة أخري بعد وفاة سعد زغلول بقيادة مصطفي النحاس باشا. ومحمد محمود باشا, وتطلب الأمر وقتها من حزب الأغلبية( الوفد) اغلاق عدد متفق عليه من الدوائر لمرشحي الأحرار الدستوريين كشريك في الائتلاف, وقد كان هذا بالضبط هو ما نطلبه من الحزب الوطني, أي أن يدخل في اتفاق معلن ومكتوب مع الأحزاب الشرعية ذات الثقل النسبي لاغلاق دوائر بعينها علي مرشحها, بحيث لا ينافسهم الحزب الحاكم فيها, وكان يمكن قياس ثقل الأحزاب المرشحة بمعيار وحيد وموضوعي, هو سابقة التمثيل البرلماني لها في أية انتخابات سابقة. لو أن ذلك قد حدث لكانت هزيمة الاخوان المسلمين قد أصبحت هزيمة أمام جبهة مؤتلفة من الأحزاب المجمعة علي رفض منهج الاخوان السياسي, ولما كانت هناك أسباب لاتهام الحزب الوطني وحكومته وانصاره بتزوير الانتخابات, ولما خسر الحزب الوطني أحزابا شرعية مدنية يمكن أن تنضم تحت وطأة الاحساس بالظلم أو العجز إلي الأخوان وغيرهم من التيارات غير المنظمة بعد, وغير المصرح بها قانونا لتشكيل كتلة أعرض, وربما تكون في لحظة ما كتلة حرجة تتسبب في مشكلات تهدد برنامج الحزب الوطني ذاته للنمو, وتعكر الأجواء في عام نحن مقبلون فيه علي الانتخابات الرئاسية, ومن باب أولي فلم يكن الحزب الوطني ليتهم من بعض مرشحيه أنفسهم بأنهم سقطوا ضحية لتزوير لصالح بعض مرشحي المعارضة بمعني آخر كان الأمر سيكون بيدي لا بيد عمرو وبعد ذلك كله كانت النتائج سيكون مرحبا بها من الرأي العام, ومن المهتمين بالشئون المصرية في الخارج, ولكانت ذرائع المنتقدين للانتخابات المصرية في أوروبا والولايات المتحدة قد أبطلت من البداية. لكن ما حدث قد حدث, ولن يرجع الأسي مافات, وبما أن الحزب الوطني ظل هو المهيمن علي العملية السياسية في مصر بلا منازع أو مشارك, فلابد أن نطالبه بالاسترشاد بتجارب الأحزاب الكبري التي هيمنت لأحقاب مطولة من الزمان علي مجتمعاتها, وبالمناسبة فهذا النمط من الحزب المهيمن عرفته بلاد كثيرة منها ما هو ديمقراطي, ومنها ما هو غير ديمقراطي, ومنها ما كان يمر بالمرحلة الانتقالية من الحكم الشمولي إلي الحكم الديمقراطي ومن أمثلة الحالة الأولي حزب المؤتمر الهندي الذي ظل مهيمنا علي الحياة السياسية في البلاد منذ الاستقلال حتي أواخر سبعينيات القرن الماضي, ومن أمثلة الحالة الثانية الحزب الشيوعي الصيني, أما نماذج الحالة الثالثة, أي حالة الدول التي مرت بمرحلة الانتقال وهي الأقرب لمصر فهناك ماليزيا, وتركيا, وهناك طبعا نماذج أخري كاليابان واسرائيل في عصر هيمنة حزب العمل, الخ وقد نجحت معظم هذه الأحزاب في تطوير أساليب عملها من الداخل, وفي قيادة مجتمعاتها نحو التقدم الاقتصادي والتعدد السياسي بعد تجارب ونكسات, ومن الواضح ان النجاح تحقق بسبب استمرار التفاعل بين الحزب المهيمن وبين مجتمعه ككل, وما كان يمكن لهذا التفاعل أن يتحقق وأن يستمر دون اقرار مبدأ المساءلة السياسية داخل هيئات الحزب كلها, وعلي مرأي ومسمع من المجتمع, خصوصا القواعد الاجتماعية التي تشكل مصادر القوة السياسية لهذا الحزب أو ذاك. ان اقصاء الاخوان المسلمين في الانتخابات لا يكفي لكي يشعر الحزب الوطني, وغالبية المجتمع المدني بالاطمئنان, ما لم تكن هذه الهزيمة كما قلنا بداية لتقوية كل الأطياف المدنية في المجتمع السياسي بشكل يدفع الأخوان أنفسهم إلي قبول شروط الديمقراطية الكاملة بلا تحايل أو تقية. المزيد من مقالات عبدالعظيم حماد