ربما أكون قد تأخرت في نشر هذا المقال بعض الوقت وبما يواكب المناسبة التي دفعتني لكتابته.. ألا وهي تكريم جامعة القاهرة للسيدة سوزان مبارك.. لكن يظل الأصل في الموضوع. قائما مادام العمل مستمرا والعطاء مستمرا في كل وقت. فمن المؤكد أن منح جامعة القاهرة الدكتوراة الفخرية للسيدة سوزان مبارك كان عملا أكثر من رائع نتمني أن يكون بداية لسياسة ومنهج تستمر عليه أعرق جامعة مصرية, ألا وهو تكريم رموز المجتمع المصري في كل المجالات, وأن تكون بداية لكسر قاعدة أن علماءنا ورموزنا لا يتم تكريمهم سوي خارج الحدود المصرية وكأننا متمسكون, بل وملتزمون أشد الالتزام باتباع سياسة تجاهل العلاقات المضيئة في حياتنا والتركيز فقط علي مساوئنا لدرجة أصابت قطاعا كبيرا من جيل المستقبل بالإحباط. لقد ناديت أكثر من مرة ونادي غيري بضرورة أن تلتفت ليست الدولة فقط بمؤسساتها الثقافية أو العلمية بل والمؤسسات والكيانات الخاصة إلي ضرورة الإسهام وتشجيع الشخصيات المصرية المؤثرة في حياتنا وتكريمهم بأثر من شكل وأسلوب حتي لا يقتصر التكريم فقط علي ما تقوم به وزارة الثقافة وأكاديمية البحث العلمي من تقديم جوائز الدولة المختلفة. وليس الهدف هنا هو تشجيع العلماء ورموز المجتمع علي العمل والعطاء, فمن تعود علي ذلك لا ينتظر تكريما أو تشجيعا من أحد, بل إن المجتمع نفسه هو المستفيد من تكريم هؤلاء وتسليط الضوء عليهم وعلي سيرهم الذاتية ومشوار كفاحهم.. وهذا هو أفضل ما نقدمه إلي أبنائنا وشبابنا بدلا من تقديم الوجه الآخر من مشاكل وهموم وشخصيات اشتهرت بعد تسليط الإعلام الضوء علي الجانب الأسود في حياتنا اليومية! لقد جاء تكريم السيدة سوزان مبارك ومنحها الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة تقديرا علي مجمل ما قدمته من أعمال وخدمات للمجتمع المصري خاصة, وتعزيز دور المرأة وحماية الطفولة بصفة عامة.. ويعرف الجميع أن هذا التكريم المصري قد سبقه تكريم للسيدة سوزان مبارك من جهات عالمية عديدة سواء أكاديمية أو منظمات دولية عديدة نذكر منها جائزة موريس بث من المجلس التنفيذي لمنظمة اليونيسيف العالمية في عام1989 م, وذلك نظرا لاهتمامها وتكريس حياتها لقضايا الطفولة, ونالت أيضا الجائزة الفخرية للفولبرايت من أجل جهودها في قضايا الطفل والتعليم عام1992, وجائزة أيزك للصحة العالمية, وميدالية ابن سيناء من منظمة اليونسكو والعديد من درجات الدكتوراة الفخرية من جامعات بأسبانيا والجامعة الأمريكية وجامعة سول بكوريا الجنوبية وجامعة أذربيجان.. اضافة إلي العديد من الجوائز الأخري التي لا يتسع المجال هنا لذكره, وكان من البديهي أن يتم تكريمها في مصر وهي بلدها حيث تعمل فيه بكل جد وحب واخلاص قبل تكريمها في الخارج وإنما العكس هو ما حدث. وقد جاء الاحتفال من جامعة القاهرة رائعا بحضور العديد من الشخصيات التي تعرف عن قرب السيدة سوزان مبارك وبعضهم ممن عمل أو يعمل معها في عدد من المشاريع القومية, وعلي الرغم من أن بعضهم من أصحاب الفكر والاتجاه السياسي المختلف وسياسة الحكومة والحزب الحاكم إلا أنهم اجتمعوا علي تأييد وتشجيع النهج الذي اختارته السيدة سوزان مبارك لخدمة المجتمع المصري والعمل التطوعي حتي قبل أن تصبح السيدة الأولي لمصر.. حيث بدأت نشاطها في عام1977 بتأسيس جمعية الرعاية المتكاملة, والتي تعني بتقديم خدمات اجتماعية وثقافية وطبية للطفل المصري. وعلي الرغم من أن هناك وزارات وهيئات حكومية تعني بتقديم خدمات اجتماعية وثقافية وطبية للطفل والمرأة في مصر.. إلا أن دور السيدة سوزان مبارك كان دائما دعما لما تقدمه هذه الهيئات والجهات دون تدخل من أي نوع في سياسة أي وزارة أو جهة رسمية. وهذا النهج قد أكسبها احترام الجميع وساعد علي مشاركة القطاع الخاص بشكل كبير في العمل التطوعي وخدمة المجتمع بعدما لمسوا حب واخلاص فرق العمل التي تقودها السيدة الأولي لمصر. وعلي سبيل المثال لا الحصر ومن بين خدماتها.. أصبح الطفل المصري يجد مستشفي راقيا يحترم طفولته وآدميته ويقدم له العلاج بالمجان دون تحمل أي أعباء مالية.. بغض النظر عن حالة أهل الطفل المادية أو الاجتماعية.. وأصبحنا نجد في كل صيف مهرجانا عظيما للكتاب يطبع ويباع بأسعار زهيدة في كل مجالات العلوم والثقافة تحت شعار القراءة للجميع, بل وانتقل الكتاب في مكتبات متنقلة تجري علي عجل.. تذهب إلي كل مكان في الريف المصري بقري الدلتا والصعيد لكي يتفتح عقول شبابا وأطفالنا ونوفر لهم متعة مجانية نحن في حاجة إلي تشجيعهم علي استغلالها.. ولكن لايزال مطلوب منا دعم هذا المجهود بكل طاقتنا للحفاظ علي استمراره وتطويره بما يلائم ايقاع العصر ومتغيراته. إلي جانب دعم مكتبات المدارس والمكتبات العامة, وقد شهد عام1985 تنفيذ برنامج التدريب المكثف لأعضاء طاقم ادارة المكتبات ومسئولي الأنشطة وعلي يد هؤلاء تدرب العديد من الشباب لإدارة المكتبات, وقامت جمعية الرعاية المتكاملة بتنويع نشاطها وتركيزه في المجتمعات الصغيرة الذاتية والمحرومة من الخدمات الضرورية, وذلك بمشاركة الجمعيات الأهلية, وكان نتيجة هذا العمل انتشار العديد من مراكز الصحة التي تقدم خدماتها بالمجان. وقامت جمعية الرعاية المتكاملة بمساعدة هيئة الصحة العالمية واليونيسيف برعاية مشروع تنمية المجتمعات الصغيرة, وتشجيع برامج التعليم المهني للنساء, واستحداث أعمال تدر دخلا ماليا لكي يصبح دور المرأة في أسرتها أكثر فاعلية وتساعد علي ارتفاع مستوي معيشة الأسرة وذلك دون أن يؤثر علي دورها في رعاية أطفالها وزوجها, وذلك أيضا بالمشاركة الشعبية. وهناك مشروع دولي آخر أولته السيدة سوزان مبارك اهتماما خاصا وهو تشجيع مجال الكتابة للطفل, وتأليف كتب للأطفال, وكذلك ترجمة الأعمال العالمية إلي اللغة العربية, وتنظيم لقاءات وندوات لمناقشة قضية الكتابة للطفل المصري. حقيقة لابد أن يعلمها الجميع أن نشاط السيدة سوزان مبارك لخدمة المرأة المصرية قد ساعد بشكل ملموس علي تحسين أوضاع المرأة من عدة أوجه ومستويات.. فبعيدا عن ما ذكر سالفا من أنشطة اجتماعية وثقافية وطبية. فإن وضع المرأة في المجتمع المصري قد شهد تغيرا إلي النحو الأفضل بعد تعديل بعض القوانين الخاصة بالزواج والطلاق, وحق أطفال المرأة المصرية المتزوجة بالأجنبي في الجنسية المصرية, ومنع ختان الإناث, والمساعدة في وقف عمليات الاتجار بالبشر. استمعنا إلي الخطاب الذي ألقته السيدة سوزان مبارك بعد اعلان الدكتور حسام كامل رئيس جامعة القاهرة حيثيات منح درجة الدكتوراة الفخرية, فوجدنا في خطابها انكارا للذات وحديثا عن فريق العمل الذي يعمل تحت رئاستها في العديد من المهام, وكان كل اشادة بدور كل من عمل معها في انجاز أنشطة دولية واقليمية وخدمات اجتماعية وصحية, وأعتقد أنها لم تنس الاشادة بأي منهم في لمسة وفاء وتعظيم لدور العمل الجماعي. وعلي مدي خمس سنوات من العمل مع السيدة سوزان مبارك أؤكد اهتمامها في كل مشروع تتولي رئاسته بالحضور ومناقشة كل الأفكار والخطط المطروحة لتنفيذ العمل والسؤال عن أدق التفاصيل والمتابعة الميدانية لخطوات المشروع, ولذلك تجد حماسا متدفقا من كل أفراد فريق العمل. حتي انجاز المشروع علي أكمل وجه.. وأنا أتابع ذلك بنفسي وأنا أعمل معها في مشروع متحف سوزان مبارك للطفل, وبعد اجتماعات تتواصل بالساعات أجدها تقوم بالاتصال والاشارة بأن هناك لايزال بعض النقاط غير الواضحة والتي تحتاج إلي مزيد من الدراسة, أو تقوم بطرح أفكار جديدة.. الأمر الذي يعكس معايشتها لكل مشروع تتولاه, ولذلك تستحق منا جميعا أن نهدي لها وسام حب واحترام من قلوبنا.. أقول بعيدا عن المجاملة إن سوزان مبارك.. سيدة مصرية تعمل من أجل أبناء وشعب مصر بكل الحب, وحماسها للعمل هو في حد ذاته العصا السحرية التي تستعملها لتنفيذ مشروعات في صالح المجتمع المصري.. وهي نموذج مصري أصيل أجمع كل المصريين علي حبه واحترامه. المزيد من مقالات د. زاهي حواس