منذ أسبوعين طرحنا علي هذه الصفحة سؤالا وصفناه بالتاريخي إدراكا لأهميته وخطورته, السؤال يقول: ماذا عسانا أن نفعل إذا استيقظنا يوما علي إعلان إسرائيل نفسها دولة نووية. أي دولة نووية عسكرية وليس مجرد دولة نووية مدنية أو سلمية؟, هذا السؤال كان محاكاة لسؤال مشابه استدعي من أجله أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي أطقم واضعي الاستراتيجيات في وزارته لوضع مسودة خطة للسؤال الذي يقول: ماذا سنفعل إذا استيقظنا واكتشفنا أن الإيرانيين يملكون سلاحا نوويا؟ الاجتهادات الإسرائيلية بهذا الشأن كثيرة لكن الأرجح أن تكون هناك حزمة من السياسات أو الردود أبرزها الرد العسكري المباشر لتدمير المنشآت النووية الإيرانية, وفقا لما يسمي عندهم بعقيدة بيجن أو مبدأ بيجن الذي يلزمهم بتدمير المنشآت النووية لأي دولة في المنطقة بضربة استباقية قبل أن تتحول إلي واقع أو خطر حقيقي, وهذا الرد هو ما يشغل الإسرائيليين الآن, هناك أيضا رد آخر قد لا يكون بديلا للرد العسكري, والأرجح أن يكون استكمالا له وهو التخلي عن السياسة النووية الإسرائيلية التقليدية القائمة علي مبدأ الغموض النووي, هذا الرد الذي يمكن أن يتضمن إعلانا إسرائيليا رسميا يكمل به الإسرائيليون مؤشرات الإفصاح التي تعمدوا إعلانها علي مدي الأعوام القليلة يؤكدون فيه امتلاكهم أسلحة نووية ضاربين عرض الحائط بكل القرارات الدولية التي تحرم امتلاك هذه الأسلحة. وإذا كان الإسرائيليون جاهزين بردودهم علي سؤال ليبرمان من منطلق اصرارهم علي أن يكونوا وحدهم, دون غيرهم, من يملك هذا السلاح, وأنهم مستعدون لتدمير المنشآت والقدرات النووية لأي دولة في المنطقة يمكن أن تتحول في يوم من الأيام إلي قدرات نووية عسكرية وفقا لتقديراتهم هم, ووفقا لحساباتهم الخاصة, فإننا نحن في مصر أولا وفي معظم الدول العربية لم نعد نملك ترف التراخي في الإجابة علي السؤال الذي طرحناه والخاص بإعلان إسرائيل نفسها دولة نووية كأمر واقع, وخروجا علي كل القرارات الدولية. ولكن قبل الإجابة علي هذا السؤال أري أنه توجد العديد من الاعتبارات التي يجب أن تؤخد في الاعتبار. أول هذه الاعتبارات ضرورة تحقيق اجماع وطني عالي المستوي يشمل أطراف الحكم والمعارضة وكل القوي السياسية والشعبية حول خطورة السلاح النووي الإسرائيلي علي الأمن الوطني, واعتبار هذا السلاح تهديدا شديد الخطورة للأمن والمصالح الوطنية العليا, ليس فقط علي ضوء الاحتمالات المؤكدة لجدية النوايا الإسرائيلية في استخدام هذا السلاح ضد مصر سواء من خلال المعلومات المنشورة في إسرائيل علي لسان كبار الخبراء والتي أكدها وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر في مذكراته عن حرب أكتوبر3791, أو ما تلاها من تهديدات وردت علي لسان وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي افيجدور ليبرمان قبل أن يدخل الحكومة بتدمير السد العالي, وإغراق مصر, وما يعنيه ذلك من جدية في التفكير في إعادة استخدامه في المستقبل لسبب أو لآخر يعتبره الإسرائيليون مبررا كافيا لاستخدام هذا السلاح ضد مصر, ولكن أيضا لأن الإعلان الرسمي عن امتلاك هذا السلاح يعني وضع نهاية للاستراتيجية المصرية الخاصة بالتسلح النووي, وهي استراتيجية الالتزام بسياسة منع الانتشار النووي والعمل علي جعل الشرق الأوسط خاليا من هذه الأسلحة, ويفرض علي مصر ضرورة البحث عن استراتيجية بديلة في وقت لم توقع فيه مصر فقط علي معاهدة حظر الانتشار النووي بل وصدقت عليها رسميا أيضا عام1891, ولكن وقعت أيضا علي اتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية في ديسمبر6991, وهو ما يعتبر التزاما مصريا رسميا بالتخلي عن خيار امتلاك أسلحة نووية. ثاني هذه الاعتبارات أن إسرائيل لن تتخلي عن سلاحها النووي تحت أي ظرف من الظروف لأنها تعتبر امتلاك هذا السلاح أحد أهم أركان تثبيت وجودها, وأن بقاءها ووجودها سيكون مهددا في حالة افتقاد هذا السلاح, كما أنها حريصة علي ألا تسمح لأي دولة أخري في المنطقة بامتلاك هذا السلاح, لكن الأهم أن هذين الالتزامين امتلاك السلاح النووي والتفرد بامتلاكه مدعومان أمريكيا, ولعل في التعهدات الأخيرة للرئيس الأمريكي باراك أوباما لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نيتانياهو ما يؤكد ذلك, فقد أعلن أوباما تجديد الالتزام الأمريكي بحماية القدرات النووية الإسرائيلية والحيلولة بينها وبين أي ضغوط, كما أعلن التزامه بدعم القدرات النووية الإسرائيلية غير العسكرية دون شرط التخلي الإسرائيلي عن القدرات النووية العسكرية, أسوة بسياسة أمريكية جديدة مع الهند. ثالث هذه الاعتبارات أن إيران يمكن أن تتحول إلي دولة أمر واقع نووية هي الأخري رغم كل ما يعنيه ذلك من إعلان مسبق بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وفقا للنموذج الكوري الشمالي وتحمل كل تبعات مثل هذا القرار. وسواء نجحت إيران في تحمل هذه التبعات والتحديات أو نجحت في عقد صفقة شاملة مع الولاياتالمتحدة والغرب عموما ذات أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية إقليمية ودولية تسمح لها بأن تحصل علي تمرير تحولها إلي دولة أمر واقع نووية هي الأخري, أو تحقق ذلك في إطار نظام سياسي إيراني آخر بديل لنظام الجمهورية الإسلامية ترضي عنه أمريكا وتقبله إسرائيل, وربما تتحالف معه علي غرار تجربتهما مع النظام الامبراطوري لشاه إيران, فإن الاحتمال يبقي واردا وقائما وعلينا في مصر والدول العربية أن نأخذه في الاعتبار ونحن نخطط استراتيجيا للإجابة علي ما أسميناه ب السؤال التاريخي. وفي كل الأحوال فإننا سنجد أنفسنا بعد وقت قد لا يطول كثيرا, أمام أحد احتمالين: إما الخضوع لنظام إقليمي أحادي القطبية تنفرد فيه إسرائيل بامتلاك السلاح النووي, وإما الخضوع لنظام إقليمي ثنائي القطبية تسيطر عليه إسرائيل وإيران بامتلاكهما للسلاح النووي. هذه الاعتبارات المهمة وغيرها تفرض علينا تحديات هائلة ولكن رغم ذلك مازال في إمكاننا أن نفعل الكثير للحد من الخطر النووي الإسرائيلي وتداعياته غير المحدودة, شرط أن نصل إلي إجماع وطني وتماسك وطني حول حزمة من السياسات والإجراءات الضرورية بل والحتمية, في هذه الظروف شديدة التعقيد, لمواجهة هذا الخطر وغيره من الأخطار الاستراتيجية الأخري, وفي مقدمتها خطر الأمن المائي الذي بات مهددا وبأدوار وسياسات إسرائيلية أيضا. هذا الإجماع الوطني الضروري يجب أن يرتكز أولا علي إرادة سياسية وطنية قوية قادرة علي الدفاع عن المصالح الوطنية, إرادة صلبة تستشعر الخطر وتقرر مواجهته علي غرار ما فعلت باكستان عندما نجحت الهند في أول تفجير نووي عندها أدرك الباكستانيون الخطر, وقرروا مواجهته بقرار استراتيجي محدد هو سرعة امتلاك القنبلة لامتلاك القدرة علي الردع الاستراتيجي مع الهند. ويومها أعلن الزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو مقولته الشهيرة والتاريخية: سنأكل الشعب ونصنع القنبلة, ويجب أن يرتكز ثانيا علي قناعة أكيدة بأن إسرائيل عدو وأن السلاح النووي الإسرائيلي تهديد وخطر استراتيجي, وأن إعلان إسرائيل نفسها دولة نووية رسميا يفرض مراجعة كل مواقفنا المصرية, وأن نؤكد علي أولوية إنهاء التهديد النووي الإسرائيلي والقبول بسياسة منع الانتشار النووي, عندها سيكون الخروج وقتها عن هذا الإجماع ليس مجرد وجهة نظر بل خيانة وطنية, ومن هنا نبدأ في بلورة الرد المصري.