يعد كمال الشاذلي أقدم برلماني في مصر, وربما في العالم كله, فقد بدأ مسيرته البرلمانية عام1964 واستمرت حتي الآن علي مدي46 سنة متواصلة. كان خلالها نموذجا فريدا في الأداء البرلماني والمشاركة بصورة أكثر فعالية في أعمال التشريع والرقابة علي الحكومة, ونظرا لتراكم الخبرة البرلمانية الطويلة وعمله السياسي في الأمانة العامة للحزب الوطني الديمقراطي ومن قبل في حزب مصر بعد التحول من نظام المنابر التي أعقبت نظام الاتحاد الاشتراكي الذي كان معمولا به قبل دستور1971. فقد كان كمال الشاذلي مرجعا سياسيا حيا لمن يريد الاستفادة من خبرته البرلمانية والسياسية الطويلة, ونظرا لهذه الخاصية التي تميز بها كمال الشاذلي, فقد كان محل تقدير واحترام كل من يتعامل معه في المجالين السياسي والبرلماني, سواء كان في صفوف المعارضة أو الأغلبية البرلمانية. وتقديرا لنشاطه وجهوده السياسية, فقد تم اختياره كوكيل برلماني عام1971 في تنظيم علاقة الاتصال بين النواب في مجلس الشعب والحكومة لحل مشاكل النواب مع الوزراء, وانجاز المطالب الشعبية في الدوائر الانتخابية, الأمر الذي كان له أعظم الأثر في حل مشاكل المواطنين وتفرغ النواب للعمل البرلماني بدلا من الانشغال في انجاز طلبات المواطنين بالأجهزة الحكومية واستمر في هذا الموقع حتي عام1984 وقد عمل بكل إخلاص. وفي عام1984 حتي عام1996 شغل موقع زعيم الأغلبية البرلمانية للحزب الوطني الديمقراطي, وقد أدي دوره في هذا الموقع بكفاءة واقتدار, وتجلت خبرته السياسية في الدفاع عن الحزب الوطني صاحب الأغلبية البرلمانية في كل موقف مواجهة مع المعارضة البرلمانية بتشكيلاتها الحزبية والمستقلين, وكان أسلوبه في مواجهة المعارضة أسلوب الإقناع بالحة والمنطق.. فعبر بأغلبيته البرلمانية دائما إلي شاطئ الأمان في كل مرة كانت توجه فيه المعارضة استجوابا إلي الحكومة أو تنتقد سياستها التنفيذية. ولعل ما يميز كمال الشاذلي كسياسي أولا وبرلماني ثانيا, أنه كان علي علاقة ودية وتربطه صداقات حميمة مع مختلف القوي والأطياف السياسية المصرية, من منطلق أن جميع المصريين وطنيون أولا, مهما تعددت مشاربهم السياسية والحزبية, وكان البعد الإنساني عنده عميقا, فلم يكن يلجأ إليه أحد حتي لو كان يختلف معه سياسيا, إلا وكان الشاذلي له نعم الأخ والمعين. كما كان الشاذلي يرتبط بعلاقات وطيدة مع كل رؤساء البرلمان الذين عاصرهم, بدءا من عبداللطيف البغدادي وأنور السادات, ومرورا بلبيب شقير وحافظ بدوي وسيد مرعي وصوفي أبوطالب وكامل ليلة ورفعت المحجوب, ثم الدكتور فتحي سرور, وكانت للشاذلي علاقات دولية وطيدة مع برلمانيي العالم من خلال مشاركته الدائمة في جميع المؤتمرات البرلمانية الدولية أو العربية والإفريقية والإسلامية أو الأورومتوسطية, وقد أسهم بدور كبير في تعزيز دور البرلمان المصري في هذه المحافل الدولية, حيث تبوأ رئيس مجلس الشعب المصري رئاسة البرلمان الدولي ورئاسة الاتحادات البرلمانية العربية والإفريقية والإسلامية عدة مرات, بفضل جهود الشاذلي في هذه الأوساط البرلمانية. وفي الفترة من عام1996 حتي عام2005, شغل كمال الشاذلي منصب وزير شئون مجلسي الشعب والشوري, وكان خلال هذه الفترة ممارسا فذا في الدفاع عن الحكومة وفي مواجهة أعمال الرقابة البرلمانية التي كان يمارسها النواب في مجلس الشعب علي الحكومة, سواء كانوا نواب الأغلبية من الحزب الوطني الديمقراطي, أو المعارضة بأطيافها الحزبية أو المستقلين, وقد أكد جدارته في هذا الموقع بحكم خبرته السياسية والبرلمانية الطويلة. وفي عام2005, تم تعيين كمال الشاذلي رئيسا للمجالس القومية المتخصصة, بجانب عضويته في البرلمان عن دائرة الباجور بالمنوفية منذ بدء مسيرته عام1964, وكعادته أكد جدارته في الأداء بالمجالس القومية المتخصصة وتحرك بها خطوات أوسع نحو مناقشة القضايا القومية بشكل علمي وموضوعي, مما كان له الأثر الإيجابي في دعم مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وبعد مسيرة طويلة من العطاء الوطني علي مدي46 عاما في الحياة النيابية والسياسية, يرحل كمال الشاذلي إلي العالم الآخر, تاركا خلفه رصيدا كبيرا من العطاء الوطني الذي يجعله في مصاف أبناء مصر المخلصين للشعب والوطن, وهو بذلك يستحق الدعاء له بالمغفرة وأن يسكنه الله فسيح جناته.