توفي صباح أمس السيد كمال الشاذلي المشرف العام علي المجالس القومية المتخصصة وعضو مجلس الشعب عن دائرة الباجور بالمنوفية, بعد صراع طويل مع المرض. وأقيمت صلاة الجنازة علي الفقيد الذي يعد أقدم برلماني في العالم بعد ظهر أمس بمسجد رابعة العدوية قبل أن يواري جثمانه الثري في مدافن الأسرة بالباجور. وتقدم الرئيس حسني مبارك مشيعي جنازة الفقيد بالقاهرة, وصافح أسرة الراحل وفي مقدمتهم نجلاه محمد ومعتز مقدما لهما واجب العزاء. شارك في الجنازة كبار رجال الدولة وفي مقدمتهم رؤساء مجالس الوزراء والشعب والشوري وشيخ الأزهر وعدد كبير من الوزراء والمحافظين والشخصيات السياسية والبرلمانية من الأحزاب المختلفة, إلي جانب السيد جمال مبارك الأمين العام المساعد أمين السياسات بالحزب الوطني. وفي مشهد جنائزي مهيب ودع الآلاف من أهالي المنوفية الفقيد إلي مثواه الأخير في مدفنه الذي بناه بجوار مسجد آل الشاذلي بمدينة الباجور. وكانت حشود غفيرة من أبناء محافظة المنوفية تجمعوا في شوارع الباجور منذ الصباح الباكر لاستقبال جثمان الراحل الذي وافته المنية بالقاهرة. ونعي الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الشاذلي قائلا: رحمه الله, كان من رجال مصر المخلصين, والبرلمانيين الذين يشهد لهم بالكفاءة. وتابع يقول: إنه أفني عمره كله في خدمة مصر كنائب عن الشعب, فهو لم يكن نائبا عن دائرته فقط, بل كان نائبا عن مصر كافة, وكانت له آراء سديدة, وكان حكيما, ويحترم الرأي والرأي الآخر.. رحم الله الفقيد. كما نعي الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب فقيد مصر قائلا: لقد فقدت الأمة سياسيا بارعا أسهم في الحياة الحزبية والسياسية إسهاما كبيرا. وأضاف قائلا: إن فقدانه خسارة كبري للحزب, ولمصر كلها, فمهارته وقدراته الكبري جميعنا نعترف بها, وقال: رحم الله الفقيد وألهم أسرته الصبر. وبدوره, قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر: إننا ننعي إلي الشعب المصري السيد كمال الشاذلي, الذي كانت بيني وبينه صداقة عميقة. وتابع يقول: رحمه الله وغفر له, فهو توفي يوم العيد, وهي إشارة إلي أنه إن شاء الله من المقبولين عند الله والمغفور لهم ومن أهل جنته. وقال علاء أبو الروس عضو هيئة مكتب الحزب بالمنوفية إن كمال الشاذلي القيمة والرمز والظاهرة سيظل باقيا. أما عاطف الحلال نائب الباجور عن مقعد العمال فأبدي حزنه الشديد علي فقد رمز من رموز الحزب أعطي بلده الكثير وتفاني في خدمة دائرته علي مدي نصف قرن, قائلا: الباجور ستظل حزينة علي الشاذلي للأبد. وقال سامي فتح الباب رئيس مجلس مدينة الباجور: إن الشاذلي هو الأب الشرعي للمدينة, فجميع الأهالي هنا يحبونه ويعتبرونه مثلا وقدوة. شهاب: يعز علي كثيرا فراق صديق العمر الاسكندرية- مكتب الأهرام: أعرب الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية عن حزنه العميق لوفاة كمال الشاذلي المشرف علي المجالس المتخصصة. وقال شهاب الذي تلقي نبأ الوفاة بينما كان يؤدي صلاة العيد مع جيرانه وأبناء دائرته بشارع الرصافة في دائرة محرم بك بالاسكندرية- يعز علي كثيرا فراق صديق العمر, مشيرا الي أن الراحل قيمة برلمانية نادرة أفني عمره كله في خدمة قضايا وطنه. وأضاف شهاب- الذي تربطه علاقة صداقة وطيدة بالراحل منذ عملا معا في منظمة الشباب في أواخر الستينيات- أن الشاذلي يتميز بحس وطني عال وقدرة علي اقامة علاقات طيبة حتي مع المختلفين معه في الرأي, مشيرا الي أن الفقيد كان يحمل عبء الدفاع عن الوطن علي عاتقه في كل اللقاءات الدولية والعربية ومراحل العمل السياسي داخل الاتحاد الاشتراكي او الحزب الوطني والتي تزاملا خلالها. وتحدث شهاب عن الوجه النيابي للشاذلي, مشيرا الي أن الراحل اكتسب ثقة الجماهير خلال فترة ممارسته العمل البرلماني بالنظر الي ما قام به من خدمات خاصة للآلاف من أبناء الباجور وممن أتيح لهم العمل بالقرب منه داخل المواقع الحزبية او المناصب الوزارية المختلفة التي شغلها. وعن الشاذلي الانسان قال شهاب إن الراحل كان يحمل في قلبه ووجدانه مشاعر انسانية نبيلة نحو كل من يقترب منه ويطلب منه المساعدة, فلم يتخل عن أحد او رفض طلبا وكانت ابوابه مفتوحة للبسطاء. كمال الشاذلي.. كاريزما سياسية فقدها الحزب الوطني محمود معوض شاءت الأقدار أن يرحل كمال الشاذلي أول زعيم للأغلبية بعد ساعات من غلق باب الترشيح للانتخابات ليفقد الحزب الوطني ولأول مرة نائب الباجور الذي انتخبه أهالي الباجور طوال40 عاما بلا انقطاع.. وفي آخر مكالمة تلقيتها منه من مستشفاه بالخارج قال لي ان حكايتي مع المرض كشفت لي أن هناك رصيدا شعبيا من حب الجماهير في الباجور هو الذي يجعلني أومن بأن شعب مصر مازال بخير.. وكان واضحا أن اعتزازه الكبير بأنه نائب الباجور هو الذي جعله يتحامل علي نفسه وعلي مرضه ويصر علي ترشيح نفسه في دائرة كتبت وستكتب باسمه وإلي الأبد. تاريخ كمال الشاذلي النائب والزعيم والوزير يمكن بلورته في صفة نادرة انفرد بها من أبناء جيله.. وهي الشعبية التي تحققت بفضل كاريزما شخصية وسياسية وإنسانية فرضت وجودها علي حياتنا السياسية والحزبية طوال30 عاما ابتداء من الاتحاد الاشتراكي الذي احتل قمة المسئولية فيه باختياره أمينا عاما للاتحاد الاشتراكي بمحافظة المنوفية, ثم حزب مصر الذي شكل من خلاله أول جبهة برلمانية للنواب الشبان الذين فرضوا كلمتهم علي الحزب.. وأخيرا الحزب الوطني الذي وهبه كمال الشاذلي حياته وإخلاصه وولاءه منذ أن اختاره حسني مبارك نائب الرئيس والأمين العام للحزب مديرا لمكتبه. وحتي بعد دخوله الوزارة كان ممثلا شعبيا للجماهير في أروقة الحكومة.. فقد أوقف كثيرا من التشريعات التي تفرض ضرائب ورسوما جديدة علي المواطنين.. وكان يتحدث دائما في مجلس الوزراء عن الحس السياسي الذي يجب أن تأخذه الحكومة بعين الاعتبار قبل اصدار قراراتها وقوانينها.. كان يؤمن بأن المواءمة تتطلب الاعتدال وعدم استفزاز الجماهير بتصريحات رنانة لا تسمن ولا تغني من جوع, وكان يطبق نظرية الحلول الوسط التي تقرب المسافات من صانع القرار والمستفيد من القرار. وقد شهدت المعارضة عصور الاستقرار وعدم الخوض في مهاترات وفسادات بعد أن نجح الزعيم في الاقتراب من زعماء المعارضة ونيل ثقتهم في الإيمان بضرورة نزع كل الألغام السياسية قبل أن تنفجر في البرلمان.. رحم الله كمال الشاذلي الذي سيظل شئنا أم ابينا رمزا من رموز النظام الذي أسهم في صنع الاستقرار في حياتنا السياسية طوال ربع قرن من الزمان.