تبدو صورة أحزاب وقوي المعارضة في انتخابات2010 مختلفة ظاهريا عما كانت عليه في انتخابات2005 فالتوافق بين هذه الأحزاب والقوي علي المشاركة في انتخابات2005 تحول إلي انقسام بين مشاركين ومقاطعين في انتخابات2010 والتنسيق العام بينها في انتخابات2005 من خلال ما أطلق عليه جبهة وطنية أعلنت علي عجل, اختفي في انتخابات2010 إلي حد أن الاحزاب الأربعة المؤتلفة منذ2007 فيما يطلق عليه الائتلاف الديمقراطي لم تستطع الاتفاق علي تنسيق بين مرشحيها بل لم تحاول جديا من الأصل, كما انقسمت هذه الأحزاب بشأن المشاركة في انتخابات2010 إذ قرر أحدها مقاطعتها, ولجأ بعضها إلي مناورات سياسية بدائية عند اتخاذ قرار المشاركة ثم التهديد بالمقاطعة والنكوص عن هذا التهديد. غير أن هذا الفرق هو ما يظهر علي السطح وليس أكثر, فتحت هذا السطح, وبدون الحاجة إلي غوص في العمق يظهر أن حال أحزاب وقوي المعارضة في2010 لا يختلف جوهريا عنه في2005, فهي ليست أكثر انقساما تجاه الانتخابات الوشيكة مقارنة بحالها في الانتخابات الأخيرة, وهي لم تبرأ من مرض الانقسام قبل خمس سنوات لتصاب به مجددا الآن. كل ما في الأمر أن الصور التي التقطت وقت إعلان ما أطلق عليه جبهة وطنية أعطت انطباعا خادعا بأن المرضي صاروا أصحاء. غير أن الاصل كان مختلفا عن تلك الصور فكان التنسيق بين أحزاب وقوي المعارضة المتحالفة في جبهة وطنية استثناء من القاعدة العامة في انتخابات2005 بالرغم من أن مجموع مرشحيها القادرين علي المنافسة بدرجة أو باخري لم يتجاوز نصف عدد مقاعد البرلمان. غير أن ضعف المعارضة يجعل قلة عدد مرشحيها عقبة أمام التنسيق بينهم وليس العكس, فعندما يكون عدد القادرين علي المنافسة الفعلية محدودا يتشبث كل من أحزاب وقوي المعارضة بما لديه منهم فإذا كان اثنان منهم في الدائرة نفسها يصعب الاتفاق علي اخلائها لأحدهما. ولذلك وبسبب العجز عن التوافق بوجه عام, احتدم الصراع بين بعض مرشحي الاخوان والاحزاب والمستقلين في عدد من الدوائر في ظل اختلال شديد في ميزان القوي انعكس في نتائج الانتخابات فقد حصل الاخوان علي نحو اربعة أمثال المقاعد التي فاز بها مرشحو أحزاب المعارضة والمستقلون. غير أن اجمالي تمثيل المعارضة في برلمان2005 لم يزد إلا قليلا علي عدد مقاعدها في برلمان1987 وقد بات مرجحا عشية انتخابات2010 أن يتراجع هذا التمثيل في البرلمان الجديد مع تغير كبير في توزيعه, غير أنه أيا كان عدد المقاعد التي ستنالها المعارضة الحزبية في برلمان2010 فالارجح أنه سيكون أكبر من مساحة حضورها الحقيقي في الشارع ومستوي أدائها الفعلي في الانتخابات, فقد أظهر هذا الأداء حتي الآن ارتباكا بدأ في الظهور من خلال تضارب مواقفها تجاه مسألة المشاركة عندما دعت حركات احتجاجية في مقدمتها الجمعية الوطنية للتغيير إلي المقاطعة. وفي الوقت الذي ازدادت مظاهر الازدواجية الشائعة في سلوك كثير من احزاب وقوي المعارض تفاقمت الأعراض المتزايدة لمرضها المزمن, وفي مقدمتها شيوع الصراعات الصغيرة التي تنتج تشرذما لا حدود له. والحال أن أداء الاحزاب والقوي السياسية المعارضة في انتخابات2010 يفيد أن المرض العضال الذي تعاني منه يتفاقم وأن أعراضه تزداد, فقد افتقدت علي مدي عقود الطبيب الذي يستطيع تشخيص هذا المرض بدقة وايجاد العلاج لذي يداويه بالرغم من وضوح أعراضه التي تشمل الانقسام والتشرذم وعدم القدرة علي الحوار وهشاشة ثقافة التوافق وشيوع العجز عن الاتفاق علي سبل للعمل المشرك والتعاون في إطار ما يطلق علي برنامج حد أدني, فإذا أعلن فجأة اتفاق أو تفاهم أو تعاون من هذا النوع يكون الأمر مزيجا من ملهاة ومأساة, كما حدث مثلا عند إعلان ما أطلق عليهالجبهة الوطنية عشية انتخابات2005, فقد انتهي التحالف الانتخابي الذي سعت تلك الجبهة إليه عبر خوض الانتخابات بقائمة موحدة إلي ثلاثة أنواع من القوائم علي الأقل كانت هناك أولا قائمة التحالف القلقة التي أمكن الاتفاق عليها, وفي مواجهتها قوائم لمختلف الاحزاب والقوي المشاركة في هذا التحالف, أما النوع الثالث من القوائم فكان لاحزاب وقوي معارضة لم تنضم إلي ذلك التحالف, فكان المشهد إذن مثيرا حيث أحزاب وقوي معارضة تتحالف وتتصادم في اللحظة نفسها. كان المشهد يفيض بالانقسام بالرغم من شيوع الحديث عن التحالف الانتخابي والجبهة الوطنية في ذلك الوقت. ولم يكن ذلك المشهد جديدا أو خارجا عن التوقعات مثلما لا يمكن اعتبار مشهد الانقسام الراهن بشأن المشاركة في انتخابات2010 أو مقاطعتها غريبا أو مدهشا, فقد رأينا مثلهما كثيرا مع اختلاف بعض الممثلين وتغيير السيناريو ومنهج الاخراج. فهناك محاولات للعمل المشترك بين أحزاب وقوي المعارضة كلها أو بعضها منذ1948, وفي كل مرة كانت المحاولة تفشل أو تسفر عن صيغة غير منتجة, فالعمل المشترك يظل بعيد المنال حين يكون الساعون إليه عاجزين عن مد جسور مع من يختلفون معهم في داخل احزابهم أو جماعاتهم, فضلا عن الخلافات الواسعة وضعف الثقة المتبادلة بينهم منذ أول تجربة تحالف انتخابي عام1984 بين الوفد والاخوان المسلمين فكانت تلك التجربة مؤشرا واضحا وقويا علي هشاشة ثقافة التحالف السياسي والانتخابي في بلادنا بالرغم من أن نظام الانتخاب بالقائمة الذي اجريت تلك الانتخابات علي أساسه يوفر فرصة موضوعية أكبر لمثل هذا التحالف مقارنة بالنظام الفردي. ومع ذلك لم يستوعب قادة الاحزاب والقوي المعارضة دروس تلك التجربة, سواء من تحالفوا عام1984 أو غيرهم, كما لم يستمع بعضهم إلي أصوات في داخل أحزابهم حاول أصحابها أن يستخلصوا تلك الدروس وها هي النتيجة بعد أكثر من ربع قرن وخمسة انتخابات أجريت منذ1987 فأحزاب وقوي المعارضة مازالت في المربع رقم1 متعثرة في خطواتها ومرتبكة في حركتها وعشوائية في موقفها علي نحو يجعلها موضعا للرثاء والشفقة.