ليس المقصود بهذا العنوان الإشارة المباشرة لغرف العمليات بالمستشفيات بل إن ما نحن بصدده هنا هو ذلك التصريح الذي يطلقه المسئول أيا كان موقعه فور حدوث كارثة أو أزمة ليصافح الآعين والآذان عبر وسائل الإعلام, من انه قد تم تشكيل غرفة عمليات للمتابعة والسيطرة علي الموقف, حتي بات التعبير قرينا بتهدئة الخواطر ربما قبل النظر في كيفية تفعيله لاسيما حال كون الأزمة من قضايا الرأي العام, فضلا عن استقراره في الوجدان كتعبير مؤقت يرتبط باستمرار الحدث لينتهي بزواله. والواقع فإن غرفة العمليات تمثل ضرورة مؤسسية كعنصر من عناصر المنظومة الإدارية, علي اساس ان أي مجتمع صغر حجمه أو كبر عرضة للأزمات. بيد ان الأمر فيما نري لاينحصر فقط في مجموعة بعينها تمثل قوام تلك الغرفة في حالة الاقتناع اصلا بوجودها وفاعليته, بل يتعداه إلي تكوين مجموعات رئيسية وفرعية ربما تمثل وفقا لطبيعة التنظيم الإداري المصري قسما أو إدارة قائمة بذاتها, وتتأسس المنظومة في اغلب الاحوال حسب دراسة لجامعة ماكمستر الكندية في هذا الصدد علي اضلاع رئيسية ثلاثة أولها: مجموعة لدعم اتخاذ القرار مهمتها نظرية بحتة حيث تعني بالتنبؤ والرصد لكل الأزمات المحتملة بغض النظر عن طبيعتها أو حجمها, مع وضع الخطط الكفيلة بمواجهتها وفق آليات تتفق وحجم الازمة, اما الضلع الثاني: فيتعلق بمجموعة الإرشاد والتوجيه والتي تقف داعمة للمجموعة الأولي علي اساس ان الأزمة في حد ذاتها قد تمثل حالة استشرافية أو تهديدا قائما لثوابت مجتمعية أو مؤسسية, في حين تقف مجموعة الضلع الثالث في خندق الاستعداد للمواجهات المحتملة وفق آليات تنفيذية تبدأ من تلقي البلاغات, وانتهاء بالسيطرة المدروسة علي الموقف ومرورا بتوظيف وسائل الاتصال المتعددة والعلاقات العامة. ومما لاشك فيه أن غرف العمليات وفق المفهوم سالف العرض إنما يشي وجودها بعدد من الثوابت الرئيسية في ثقافة إدارة الأزمات, لعل أولها فيما نري هو الادراك اساسا باحتمال حدوث أزمة ومواجهتها, اما ترك الأمور وفقا للظروف فلا تقل في عشوائيتها الفكرية عن عشوائيات التجمعات السكنية أو السلوكيات المرورية مثالا لاحصرا, ومن بين الثوابت أيضا اعداد العنصر البشري القادر علي استيعاب المفهوم والدور الفضفاض نظريا والمحدد عمليا لغرف العمليات, ذلك ان ادراك الأزمة رصدا أو استشرافا انما يتطلب نوعية خاصة من القوي البشرية قادرة علي الحسم في اتخاذ القرار لاسيما في المواجهات التي لاتقبل القسمة علي اثنين, وهذا بدوره يتطلب نمطا خاصا من التدريب والاعداد يعرف بسياسة الاعين المفتوحة, التي تحتم علي القيادات المعنية ان تضع غرف العمليات نصب اعينها وإتاحة فرص تفعيلها عمليا كنعصر رئيسي من عناصر جودة الاداء المؤسسي اقتناعا بدورها, كما لايخفي علي كل ذي لب ان قدرة غرف العمليات في تفعيل تناغم عناصر المنظومة الإدارية من شأنها ان تعمق جماعية الأداء المؤسسي بل والمجتمعي, كما يمكنها ان تصبح معملا غنيا لتفريخ كوادر قيادية ذات طبيعة خاصة تجمع بين أكاديمية الأداء وعسكرية القرار. واحسب ان لو هنا لن تفتح لنا عمل الشيطان الذي انفتح بالفعل وتوسعت اعماله علي مصاريعها في الدويقة وقطار الصعيد وانهيارات العمائر وسرقة نفائس التراث من مكامنها وحوادث الطرق.. وهلم جرا.. عبر عقود تكلست فيها الرؤي التقليدية وتعددت فيها تصريحات سرعة تشكيل غرف العمليات مرسخة المفهوم الآني لها, ومن ثم, فالو كانت غرف العمليات قاسما مشتركا اعظم في الفكر القيادي لأصبح استبدالها بلولا حتما مقضيا ولامكن تجنيب المجتمع آلاما قد ننسي خسارتها المادية بعد حين ولكن ابدا لن ننسي ماحفرته في وجداننا القومي من اخاديد الحزن الابدية.