أخيرا بدأ مسرح الطليعة يقدم اعماله التي انتهي منها منذ فترة طويلة وحال دون عرضها غلق مسرحه بسبب إجراءات التجديد والترميم والتي تعدت أكثر من عام و8أشهر. و كان المفروض أن يبدأ في عرض اعماله وهي ارض لا تنبت الزهور علي مسرحه الكبير وحي بن يقظان بالمسرح الصغير لكن لسوء الحظ بعد انتهاء اعمال التجديد تم اكتشاف ان إجراءات الوقاية من الحرائق لم تتم بالمسرح فكان ان استمر اغلاقه. هذا الاسبوع تم عرض مسرحيته حي بن يقظان بالمسرح الصغير بمسرح السلام وهو الخاص اساسا بفرقة مسرح الشباب. إذن حي بن يقظان هو العرض الذي شاهدته لك هذا الاسبوع كما ذكرت في المسرح الصغير أو قاعة يوسف إدريس كما يطلق عليها بمسرح السلام. فماذا عن هذا العرض؟. كما يقول المخرج سعيد سليمان وهو صاحب الرؤية الي جانب الاخراج فإن حي بني يقظان هذه المسرحية طقسية شعبية موسيقية مستوحاة من ابن طفيل الفيلسوف الصوفي. الكاتب ليسين الضو الذي يبدو أنه كان في مأزق ان يتعامل مع نص فلسفي صوفي ولكن بما أن العمل يضم الموسيقي والغناء الفردي والغناء الجماعي الكورال مع الاداء الدرامي خاصة وهنا الموسيقي حية بمعني موسيقيين يغنون بآلاتنا الشرقية الصحيحة ومنها بالطبع العود مع الطبلة والرق والربابة وغيرها. كانت الموسيقي من خلال هؤلاء العازفين وايضا الألحان لمحمد الوريث هي اعلي ما ضمه العرض من فنون المسرح. وذلك ايضا الي جانب الغناء لعادل فايد وهو صوت يحمل المواصفات المناسبة لعرض في حكم الاوبرا الشعبية, وبالطبع هنا الغناء الحي بمعني أنه غير مسجل أي أن الفنان عادل فايد يغني يوميا في العرض. أمامه ربما اكتشاف أن الفنان حمادة شوشة يحمل ايضا الصوت المناسب لغناء بالمسرح ولكن في مقاطع بسيطة فهو في النهاية ليس مطربا ولكن يمكنه أداء بعض المقاطع بصورة طيبة. ايضا لدينا نيرة وهي من العنصر النسائي البطولي الوحيد الي جانب المجاميع كان ايضا لها صوت مناسب. المجاميع الكورال كانوا في حالة مناسبة لهذا العمل الذي يعتمد اساسا علي الموسيقي والغناء الشعبي. بالطبع النص ليس صعبا ولكن شديد الصعوبة أن تحول عملا فلسفيا الي عمل مسرحي والفكرة الفلسفية هنا هي تلك الشخصية الخيالية والتي تعلم نفسها لتصل الي اصول المعرفة عن طريق الذات اعتمادا علي الفطرة والذكاء الطبيعي الذي يحمله الانسان, ومن خلاله يتعرف علي ربما ما يستعصي علي الانسان المعاصر ان يصل اليه عن طريق الثقافات الحديثة التي قد تعطل أعمال عقله الذاتي بالنسبة لأمور الحياة. فكرة- كما ذكرت- فلسفية حاول المخرج هنا أن يقدمها لنا من خلال مفردات عديدة وهي الموسيقي والرقص والانشاد وبعض الحركات التي ترمز الي هذا الطقس. الديكور لدينا ممتع من خلال اللوحة البدائية للحياة في بداية الخليقة كغابة أو غابات وفيها يعيش الانسان الأول متعرفا علي ما حوله من خلال ما قدمه الله له من عقل وذكاء وبصيرة. القاعة في الجانب الثاني عبارة عما يشكل بداية ما يمكن أن نقول إنه الحضارة الحديثة والملابس مناسبة تماما لمثل هذه الاعمال الطقسية والديكور لدينا والملابس لصبحي عبد الجواد. الاضاءة كانت من الجوانب السلبية في العمل وكان المفروض ان تلعب دورا مهما مما شاهدنا, الحركة قدمها المخرج مناسبة الي حد ما للعمل ولكن كانت هناك مبالغة في تحريك الممثلين والممثلات باعتبارنا في القرون الغابرة. فماذا عن الغناء؟ لدينا حمادة شوشة يمثل العصر أو الجانب الكئيب في الحياة المعاصرة والذي يقسو علي من حوله فهو كالإله امامهم أو بينهم. قدم حمادة شوشة الدور أو الشخصية بصورة جيدة وساعده صوته المسرحي القوي وكان أداؤه في النهاية عندما تم القضاء عليه كان هذا المشهد رائعا. أمامه نيرة,.. اداء متوازن صوت مناسب وفي اعتقادي ان مساحة الدور لها مركب كان أكبر من الأداء الدرامي. بيللا وهو الانسان البدائي يحمل قدرات بدنية متميزة ساعدته علي مشاهد هذا الانسان الأول الذي يتمتع بقوة جسمانية كبيرة. وائل الصياد ايضا كان مناسبا وجيدا في دوره. محاولة قام بها المخرج ليطابق الماضي مع الحاضر الآن ولكنها لم تصل بالصورة المطلوبة. عموما عرض.. فكرته مختلفة والاداء فيه مختلف وايضا الممثلون فيه مختلفون وبالمثل المتفرجون فنحن كمشاهدين نجلس في شبه دائرة حول المسرح لنفاجأ بأن من يجلس بجوارنا احد ممثلي العرض الذي يترك مكانه ليقوم وسط المسرح يؤدي دوره وهكذا. كان بالفعل مكان المتفرجين ملاصقا للمؤدين جديدا وأشهد بأنه ايضا كان ممتعا. عرض يحاول من خلاله الشباب تقديم رؤيتهم التي علينا ان ندعمهم حتي يصلوا للنضج المطلوب.